دمشق وأنقرة بين حصادين روسي وأميركي

لا يمكن النظر إلى الحدثين، الروسي والأميركي، بعيداً عن المتغيرات الدولية، والإقليمية، وحسابات كل من موسكو وواشنطن في إطار الاستعداد لمرحلة ما بعد "داعش" على الأراضي السورية.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/28 الساعة 01:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/28 الساعة 01:44 بتوقيت غرينتش

لم تكد تمضي أيام على تحديد روسيا الموعد النهائي لمؤتمرها السوري، مؤتمر سوتشي للحوار الوطني، حتى أعلنت الولايات المتحدة الأميركية أنها تعمل مع "قوات سوريا الديمقراطية"، التي يشكل عمودها الفقري الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، على تشكيل قوة حدودية جديدة قوامها 30 ألف مقاتل للانتشار على الحدود السورية مع تركيا شمالاً والعراق باتجاه الجنوب الشرقي وعلى طول وادي نهر الفرات.

لا يمكن النظر إلى الحدثين، الروسي والأميركي، بعيداً عن المتغيرات الدولية، والإقليمية، وحسابات كل من موسكو وواشنطن في إطار الاستعداد لمرحلة ما بعد "داعش" على الأراضي السورية.

فمن ناحية، تخطط موسكو ليكون مؤتمرها المرتقب أحد أهم مسارات الحل السياسي البديل لكل ما سبقه من مؤتمرات ولقاءات، ويكون سوتشي عوضاً عن كل المنصات السابقة التي يلتقي في كل منها مجموعة معارضة، مع فارق أن سوتشي -وفق الرؤية الروسية- سيضم كل الأطراف؛ المعارِضة منها والمؤيدة.

على رغم التدخل العسكري الروسي القوي في سوريا طوال العامين السابقين، فإن روسيا ما زالت تفتقر إلى تفعيل أي دور سياسي قوي، وباتت تواجه تحدياً من نوع آخر هذه المرة، سياسياً وليس عسكرياً، من هذه الزاوية تعاونت موسكو مع دول إقليمية في المنطقة بهدف دعم موقفها السياسي الضعيف.

موسكو استفادت استفادة كبرى من عدم رغبة الولايات المتحدة في التدخل بشكل واضح في سوريا، وضبابية موقفها حيال المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري؛ لذلك نلاحظ أن كل المحادثات الدولية والإقليمية التي تبحث الملف السوري هي بمبادرات روسية، من جنيف إلى أستانا، مروراً بميونيخ وفيينا (لم يكتب لها الاستمرار)، والآن وصولاً إلى سوتشي حيث تنتظر موسكو "موسم حصادها".

فيما واشنطن التي اختارت هذا التوقيت، أي بعد انتهاء الحرب على داعش؛ لكونها ترى أنه حان وقت الحصاد وتريد أن تبلور نتائج دعمها وشرعنة المجموعات التي دعمتها على الأراضي السورية، بتشكيل قوة تحت مسمى جديد؛ لإخفاء ماضي ووجه القوة السابقة، إلا أنه غاب عنها أن ذلك سيزيد من تقارب الأطراف الباقية المتشابكة في سوريا.

وتريد واشنطن من هذه التوليفة الجديدة التي باغتت فيها أنقرة وتجنبت مشورتها -لكون تركيا هي المستهدف التالي بهذا المشروع بعد سوريا- شرعنةَ مشروعها وحماية المكتسبات والأراضي التي ورثتها عن تنظيم داعش، لتقوم لاحقاً بإجبار بقية الأطراف على دعوة ممثلين عن التشكيل الجديد إلى طاولة جنيف باعتبار أنه يسيطر على جزء كبير من الأراضي السورية.

فحتى اليوم هذا التشكيل لا يمتلك أي شرعية، ودعم الولايات المتحدة له لمحاربة داعش لا يعطيه أي صفة قانونية على أراضي الجمهورية العربية السورية، إضافة إلى أنه، وفق الرؤية التركية-السورية، لا يختلف عن بقية التنظيمات الإرهابية التي انتشرت على الأراضي السورية.

عوَّلت أميركا طويلاً على عامل الوقت في سوريا، لخلق واقع جديد، فواشنطن لا تعنيها المعارَضة السورية ولا النظام، كما لا يهمها محادثات جنيف ولا محادثات أستانا، ما تريده واشنطن، ألا يعرقل أحدٌ مشروعها، لو كانت جنيف تعنيها لرأينا أفعالاً وليس فقط أقوالاً، فلم يعد يخفى على أحد أن المسؤولين الأميركيين مع كل جولة من محادثات جنيف يبدأون بإطلاق الفقاعات الإعلامية بأنهم يدعمون هذا المسار، بينما على أرض الواقع وفي الساحة السورية يقومون بأمور لا علاقة لها بهذا المسار.

وكذلك الحال في محادثات أستانا التي جمعت الأطراف صاحبة الكلمة الحقيقية على الأرض السورية؛ روسيا تركيا إيران والطرفين السوريين (النظام والفصائل العسكرية المعارضة)، إلا أن واشنطن اختارت صفة المراقب "المتفرج"، في هذا المسار، واليوم حان وقت الجني والاستثمار، راميةً بوعودها وتطميناتها السابقة لتركيا عرض الحائط.

صحيح أن واشنطن تراجعت في تصريحاتها، عن تشكيل جيش من "قوات سوريا الديمقراطية"، وذلك في تصريحات لوزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، الذي قال إنه لا توجد نية لدى الولايات المتحدة في "إنشاء قوة تنتشر على الحدود بين سوريا وتركيا"، معتبراً أن المسألة التي أغضبت أنقرة لم تُطرح بالطريقة الملائمة.

وشدد تيلرسون في نفيه، وجود نية لتشكيل القوة من المسلحين الأكراد في سوريا، وقال إنه من "المؤسف أن التصريحات التي أدلى بها البعض خلفت هذا الانطباع"، إلا أن ذلك لم يبدد قلق تركيا وهي ترى التنظيم الذي تحاربه منذ الثمانينيات يحظى برعاية حليفها الاستراتيجي، ويتمدد على طول حدودها داخل الأراضي السورية بمسمى وغطاء جديدَين، وأعلنت أنها ستنسق مع موسكو وطهران في عمليتها العسكرية المقبلة، وعلى وجه الخصوص في عفرين.

من الواضح أن تركيا جادة في تهديداتها ولن تتوانى عن ضرب الأهداف التي تهدد أمنها القومي، خاصة أن تلك المجموعات، إضافة للمجموعات الجديدة التي تنوي واشنطن تشكيلها، موجودة في منطقة جغرافية بالغة الأهمية الاستراتيجية، لكن الصدام الأميركي-التركي أمر مستبعد، إلا أن التوتر سيزداد بين أنقرة وواشنطن، فالدولتان من بين أعضاء "الناتو" وأصحاب التأثير فيه، وأي خلل جدي بينهما قد يؤدي إلى الإطاحة بالحلف كاملاً، وهو ما يسعد موسكو.

* نقلاً عن صحيفة "الحياة" اللندنية

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد