طرطورية مصر العربية

والطرطور لا يحكم إلا مجموعة من الطراطير الصغيرة، تختلف حجم طرطوريتهم وفق دورهم، من مشارك في مؤامرة الخيانة والتفريط، أو صامت وخائف يقتله عاره، أو غافل لا يعي ما يحاك ضده،

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/27 الساعة 08:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/27 الساعة 08:38 بتوقيت غرينتش

تردَّدت طويلاً قبل اختيار هذا العنوان المؤلم لكاتبه قبل أن يكون مؤلماً لقارئه، ولكن عجزت الحروف عن وسم عنوان أكثر تلطُّفاً، وأقل حدة في وصف حال أمة عريقة ضاربة في عمق التاريخ، بل مُطلقة شرارته، وقد استلبها وكلاء عن المستعمر الجديد، يعملون وفق أجندته، ولا يتزحزحون قيد أنملة عن الخط الذي يرسمه لهم، ولا عزاء لثوار يناير!

إن البلطجة التي تمارسها السلطة الحالية، بل دعوني أدقق اللفظ ليكون العصابة الحالية، هي انعكاس لبلطجة النظام العالمي الجديد الذي سمح للسيسي وقراصنته بالسطو على مصر، وارتكاب المذابح المروّعة فيها، وأخيراً، التنكيل بمرشحي الرئاسة المحتملين، إما تهديداً كالفريق أحمد شفيق، أو خطفاً واعتقالاً كالفريق سامي عنان، وأخيراً ما حدث مع المستشار جنينة من اعتداء سافر من مجموعة من بلطجية أمن دولتهم، اعتداء لم يراع سِنّه، ولا تاريخه، ولا حصانته القضائية، اعتداء وصفه البعض بأنه محاولة اغتيال!!

بات مفهوماً لدى العامة أن السيسي لا يحتاج إلى مُرشح ينافسه، ولا إلى كومبارس يلعب أمامه دور المنافس في مسرحية هزلية، بل بات في حاجة إلى طرطور يشاركه هذا الإستربتيز السياسي، لدواعي المحافظة ولو على أقل القليل من متطلبات ما يُسمَّى زوراً بالعالم الحُر الشكلية، أما من جهة المضمون، فمصر لفرعونها، وفرعونها دائماً هو صاحب الجنود، الرجل الأقوى بأكبر عدد من الضباط الموالين له، أو الصامتين حفاظاً على الامتيازات التي تكفلها لهم بزّتهم العسكرية، أو القابضين على الجمر تُكبّلهم الأوامر العسكرية المستدامة، ونشر "العصافير" بينهم.

ومصطلح العصفورة داخل الجيش يعبّر عن الشخص الذي ينقل أخبار الكتيبة إلى مسؤول الأمن فيها، أو إلى قائده، أو رئيس عملياتها، وجرت العادة أن يكون لكل واحد منهم عصافيره الخاصة، وهكذا تنعم الوحدات العسكرية بفضاء من الزقزقة بغرض الوشاية، يجعل الصمت أولى، أما النوم فهو الفضيلة الكبرى داخل الوحدات لقتل الوقت انتظاراً لموعد الإجازة السعيد، وتمر السنوات حتى موعد التقاعد ذي المكافأة المالية الكبيرة، عندها فقط تبدأ الحياة عند 98% من ضباط الجيش، أما الباقون، فهم الذين أثبوا بما لا يدع مجالاً للشك أنهم جديرون بحجم فسادهم، إما بالانضمام إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو الاقتراب منه وظيفياً في أقل تقدير، فهؤلاء يمارسون الطرطورية، ولكن ببريق أكبر، وعائد أهم، ومليارات متدفقة، ولا عزاء للقدس الذي بشرنا بالتفريط فيه نقيبهم أشرف الخولي!

وإذا كان أعضاء المؤسسة العسكرية في مصر هم مجرد طراطير من حيث الشكل لأنهم لا يستطيعون ممارسة حق الغضب إذا ما انتهكت مقدسات، أو تم التفريط في أراضٍ، أو تم الاعتداء على حُرمات، فالمؤسف أن المؤسسة القضائية، التي اشتهرت باسم الشامخ هي مجرد طرطور لهؤلاء، يقتلون بحبل عدالتهم، عفواً.. دعوني أدقق اللفظ، يقتلون بحبل عمالتهم ما تتأفف المؤسسة العسكرية من قتله بالرصاص، والمؤسسة الشرطية بدورها طرطور تقليدي للفرعون، تتجسس على النشطاء لتُسمعه، وتعتقل وتخفي الشباب قسرياً لتطمئنه، تشارك في تزوير الانتخابات وضرب الأحزاب وإرهاب الصحف، حتى لا تُعكر صفوه.

والإعلاميون داخل مصر هم طراطير أيضاً يقبضون الثمن، كل حسب قدرته على "طرطرة" قطاع أكبر من الشعب، لنصبح في النهاية 100 مليون طرطور، لا يحق لهم إلا الاستسلام لمسرحيات الحاكم الهزلية، فلو زعم أنه أنجز 11 ألف مشروع بمعدل ثلاثة مشاريع في اليوم الواحد، ثم حسبنا الحسبة، وضربنا وجمعنا فاكتشفنا أن النتيجة الإجمالية وإن صدق لا تصل إلى هذا الرقم، وجب علينا أن "نطرطر" له رؤوسنا، مصدقين، مصفقين، مهللين، ولا يحق لنا وإن كنا لا نراها أن نتساءل: أين هذه المشاريع؟ لأنه بالتأكيد يخفيها عن أعين الحساد من أهل الشر، ولو زعم بعد كل عملية إرهابية تدمي قلوبنا أن الإرهابين يقتلون كل هذا العدد من أبنائنا لأنهم مهزومون محاصرون يائسون، لا يصح لنا أن نُشكك، فمن لنشر الأمن غير ذي الخلفية، القادم من المخابرات الحربية، ولو طرطورنا الأكبر كدّر لنا مناسباتنا الدينية بوجه عبوس مسوّد، واتهمنا ومعنا 1.6 مليار مسلم بأننا نروع هذا العالم الآمن بنصوصنا الدينية، وأننا يجب علينا تصحيح وتجديد وتنقيح ما نقحه العلماء ودققه الشراح، وفسره المفسرون، ما يحق لنا أن نعترض، ويكفي أننا نسبب له كل هذا الضيق بمناسباتنا الدينية، لأنه يضطر آسفاً أن يحضرها وفق البرتوكول.

السيسي ليس إلا طرطوراً جاء لتنفيذ ما رفضه مبارك، من هدم للأنفاق، وتهجير لسكان شمال سيناء، والاستعداد لتصفية القضية الفلسطينية بتوطين أهل فلسطين في سيناء، ولتوجيه ضربة قاسمة للتيارات الدينية، ولتكبيل ورهن مصر بمزيد من الديون، والتأكيد على ما فعله مبارك قبل عقود بنقل الثقل العربي من القاهرة إلى الرياض، وأخيراً، توصيل المياه إلى إسرائيل، أو تقوم إثيوبيا بغلق الصنبور عند سد النهضة.

والطرطور لا يحكم إلا مجموعة من الطراطير الصغيرة، تختلف حجم طرطوريتهم وفق دورهم، من مشارك في مؤامرة الخيانة والتفريط، أو صامت وخائف يقتله عاره، أو غافل لا يعي ما يحاك ضده، أو مُبعد في أحد المنافي بُح صوته في محاولة تنبيه الناس، وبتجميع هذا العدد الهائل تجد أننا ما كنا يوماً نعيش في جمهورية بمواصفات العلوم السياسية، والاسم الأدق، هو طرطورية، لنطلب من أبنائنا وهم يحيون العلم صباحاً -إن أنصفنا- أن يرددوا: "تحيا طرطورية مصر العربية".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد