تحل ذكرى عزيزة علينا جميعاً، ذكرى الشموخ وذكرى الفخر وذكرى الكرامة.
ذكرى التخلص من الطغيان ومن كل أشكال الجبروت.
إنها ذكرى الثورة المجيدة.. ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني.
مثل كثير من أبناء وطني كانت هذه الثورة بمثابة نور أضاء لنا ظلمات دامسة ظلت جاثية في عقولنا لسنوات عدة.
بددت ثورة يناير غيوماً كثيفة ظلت عالقة في سماء كثير من أبناء جيلي.
فتحت ثورة يناير آذاناً صماء وأعيناً عمياء ظلت بحالتها سنين عدداً.
أعادت ثورة يناير إنتاج العقل المصري من جديد ليدرك أنه لم يكن موجوداً قبلها، لم يكن يدرك أن المستقبل للحق، وأن الباطل مهما علا فلا بد أن يسقط لا محالة.
أدركنا جميعاً أن هناك حلقة مفقودة فقدناها منذ زمن وأعادتها إلينا ثورة يناير ألا وهي حلقة "الوعي".
وعندما نتحدث عن الوعي نسترجع ما قاله الشيخ الغزالي -رحمه الله- حين قال:
"الضمير المعتل والفكر المختل ليسا من الإسلام في شيء. وقد انتمت إلى الإسلام اليوم أمم فاقدة الوعي، عوجاء الخطى، قد يحسبها البعض أمماً حية، ولكنها مغمى عليها. والحياة الإسلامية تقوم على فكر ناضر؛ إذ الغباء في ديننا معصية" (انظر مقدمة كتابه كنوز من السنة، ص 7).
أعادت لنا ثورة يناير مفهوم الوعي أو البصيرة بما يدور حولنا بعد أن كنا مغيَّبيين عن الواقع بسبب بطش الأنظمة الحاكمة ومحاولتها لطمس الحقيقة حتى لا تعي الواقع، وتنقلب عليها الشعوب الكادحة.
يحكي التاريخ لنا كما ذكر ذلك المؤرخ الجبرتي في تاريخه أن طريقة دخول الزعيم الفرنسي الصليبي نابليون بونابرت إلى مصر كانت عبارة عن رسالة ظريفة يدّعي فيها أنه مسلم يحب الإسلام، وأنه جاء من أجل تحرير المسلمين المصريين من ظلم المماليك، وبسبب جهل الشعوب المسلمة العربية بفهم الواقع ومكر وخدع أعداء الأمة المسلمة تماماً صدق البعض أملاً بالمستقبل الجديد على يد الفرنسيين الغزاة، فدخلت خيول الفرنسيين الجامع الأزهر وجعلوه كالإسطبل ودنسوا المسجد بأحذيتهم.
مثال حي وواقعي على ضرورة التسلح بالوعي لمواجهة كل خطر يحدق بأمننا واستقرارنا.
ستبقى ثورة يناير شعلة الوعي التي أضاءت ظلمات الجهل والتخلف برغم تكالب الأعداء عليها من كل حدب وصوب، ومحاولتهم طمسها بكل ما أُوتوا من قوة وعتاد.
الآن الانتساب إلى هذه الثورة المجيدة يعتبر سُبة ونقيصة في عرف أصحاب الثورات المضادة وكارهي الخير للعباد.
علمتني ثورة يناير أن الحق إذا تم توظيف بيانه توظيفاً صحيحاً أتى بالثمار اليانعة التي تصلح للتذوق والأكل، فكم من حامل للحق ولم يحسن توصيله أتى بعكسه وأصبح الحق الذي معه شراً محضاً في أعين الناس.
علمتني ثورة يناير أن الباطل هش وضعيف بمجرد ما يشعر بقوة الحق يختفي تماماً.
علمتني ثورة يناير أن استرداد الحق يكون بالقوة وليس بالخنوع، وأن القوة هي لغة حماية مكتسبات الثورات.
علمتني ثورة يناير أن "أحيا كريماً عزيزاً" طالما أنني أطالب بحقوقي وأؤدي واجباتي.
علمتني ثورة يناير أن الباطل قد يقدم إلينا في ثوب "داعية" مأجور يلبسه ثوب الحق، ويأتي بأدلة على باطله؛ ليبهر الناس ويقنعهم بصدق قوله المزيف، فكم من قناع سقط في هذا المستنقع الآسن! ولكن الله فضحه على رؤوس الأشهاد.
علمتني ثورة يناير أن النضال والكفاح وإيصال الحق للناس لا تكون في ميدان القتال فقط بل لها سبل وطرق أخرى تستطيع أن تدل الناس على الخير بها.
علمتني ثورة يناير أن "الوفاق الوطني" خدعة كبرى يستطيع من خلالها المرجفون التعاون فيما بينهم لإسقاط الحق "مرحلياً" وليغلفوا خديعتهم بغلاف المصلحة العليا والوطنية.
علمتني ثورة يناير أن "الديمقراطية" صنم عجوة يأكله صانعوه إذا ما جاعوا، وإذا ما أتت يغير ما أرادوا، والأمثلة أكثر من أن تحصى في هذا الصدد.
علمتني ثورة يناير أن الإسلام هو الذي يجب أن يكون مصدراً وإلهاماً لأي ثورة ويكون هو حاكمها من المهد إلى اللحد حتى تكون ناجحة وتؤتي أكلها في حينها.
علمتني ثورة يناير أن أزداد إيماناً وفهماً لهذه الآية العظيمة: "فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.