في ذكرى ثورتنا المجيدة.. ماذا تعلمت من 25 يناير؟

أخذ الاعلاميون المصريون على عاتقهم مهمة واحدة ووحيدة عندما اندلعت الثورة التونسية، هذه المهمة هي التحذير من مغبة الثورات ومن سوء عواقبها، فلما أتم الله النعمة على إخواننا في تونس وفرّ بن علي هارباً، كان الشغل الشاغل للإعلام المصري أن مصر ليست تونس، وأن ما يحدث في تونس لا يمكن أن يحدث في مصر.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/24 الساعة 03:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/24 الساعة 03:26 بتوقيت غرينتش

منذ سبع سنوات.. يوم أن بلغت من العمر ثمانية وعشرين عاماً، شهدت أعظم مشهد كان لي أن أشهده في حياتي، لقد شهدت سنّة من سنن الله الكونية في الأرض، سنّة كونية تجسدت أمامي رأي العين، عاينتها بعد أن كنت أقرأها في كتاب الله، وأسمعها عن قصص الأولين.

شهدت أحداث الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني، وعايشتها بكل كياني، هنالك في ميدان التحرير وفي ميادين مصر الفتية، تجلَّت قدرة الله تعالى في تغيير ما يشاء إلى ما يشاء، تجلت قدرة الله تعالى في نزع الملك ممن يشاء وإيتائه من يشاء، أطاحت هذه الثورة برئيس لم يرَ جيلي غيره، بل ظننا ألن نرى غيره من الرؤساء رغم تجاوزه الثمانين عاماً.

وإن أمكن القول: إن الحكم على شرف هذه الثورة يتأتى من أسباب قيامها، فلن يسعني إلا أن أقول إنها أشرف ثورة قامت في مصر، في تاريخها القديم والحديث على السواء، وهي الثورة التي تستحق بجدارة أن ننعتها بالثورة المجيدة، وأن ننعت حاملي لوائها بالشباب الطاهر، فهذه الثورة لم تقُم من أجل لقيمات خبز لقيام البدن أو لحق الشريد في السكن فحسب، وإنما قامت في الأساس من أجل أعظم وأنبل ما يطمح إليه إنسان، وما يأمل في تحقيقه مجتمع.

قامت ثورتنا المجيدة من أجل الكرامة والحرية.. الكرامة والحرية أولاً، وثانياً، وقبل كل شيء، وبعد كل شيء .. وإن كانت العدالة الاجتماعية من أهم مطالب الثورة، فما من شك أن مطلب العدالة الاجتماعية وجه أكيد من أوجه الكرامة الإنسانية وسبب أولي من أسباب تحقيق الحرية، فإن أردنا بعد ذلك أن نصف هذه الثورة بصفة جامعة تليق بها، فهي وبحق (ثورة إنسانية)، لم تقم لأجل زعيم ملهم، أو من أجل مطلب فئوي، ولكنها قامت من أجل الإنسان لكونه إنساناً له حقوق طبيعية في العيش الكريم، حقوق خلقه الله بها وأقرتها جميع الأديان قبل أن تناقشها نظم الحكم والسياسة.

وبعض الأغبياء يتهمون ثورتنا المجيدة بأنها كانت مقررة وفق أجندات خارجية، وأنها حيك لها بمؤامرات دولية، فإن صدق قولهم بأنها قامت وفق أجندة ومؤامرة، فإن الأجندة لن تكون إلا أجندة داخلية صرفة، وإن المؤامرة ليست سوى مؤامرة داخلية بحتة، فثورات الشعوب سنّة من سنن الله الكونية، تسير وفق قوانين الطبيعة، والقوانين الطبيعية تقرر أن الضغط يولد الانفجار، وإن الظلم والفساد والطغيان والاستبداد الذي بلغ مداه بممارسات الدولة داخلياً، وعلى أيدي بعض المسؤولين فيها، هو في الحقيقة الذي فجّر هذه الثورة، فالأسباب داخلية بامتياز.

إن الظلم والفساد والطغيان والاستبداد ممارسات تسير ضد الطبيعة، ومن ثم فلا بد من مواجهة لها، فإن بلغت تلك الممارسات في الضغط والطغيان أقصاها، بلغ الانفجار أقصاه وكانت الثورات والانتفاضات، وحينئذٍ، لن تنخمد فورتها بفتوى مفتٍ، ولن تلتفت عن مسارها بتأثير إعلام؛ لأن العقول الثائرة غير مهيَّأة لأن تستقبل ما كانت تستقبله في أوقات الخمول.

ولا يزال وهج هذه الثورة بعد مرور سبع سنوات على قيامها، يسري في وجدان المصريين؛ لذا أردت أن أسرد شيئاً قليلاً من كثير مما تعلمته من هذه ثورتنا المجيدة المباركة.

• تعلمت أن لا كهنوت فى الإسلام:

إبان قيام الثورة، واشتعال شرارتها الأولى، اتفقت كلمة الدعاة كما لم تتفق من قبل حول تحريم التظاهر وتحريم الخروج على الحاكم، وخرجت الفتاوى كالقذائف من كل جانب، (وحديثي عن التوجه العام لهذه الجماعات والمؤسسات؛ لأنه على مستوى الأفراد فقد تصدر المشهد شرفاء مصر جميعاً أياً كانت تياراتهم وانتماءاتهم).. وكنا قبل ذلك لم نرَ هؤلاء الدعاة اتفقوا على قضية من قضايانا المصيرية، فالسلفية تتهم الأزهر في عقيدته، والأزهر يتهم السلفية بالتطرف، وكل من هبَّ ودبَّ يدلي بدلوه في قضايا الدين، وليس بين التيارات الدينية المتناحرة سوى الرمي بالفسق والزندقة والابتداع بل والتكفير أحياناً، وليس لهم من شغل سوى التضييق بالفتاوى على خلق الله، فجأة، وبعد كل هذا الشقاق، اتفقت كلمة هؤلاء الدعاة وتوحدت آراؤهم ضد الثوار وضد مطالبهم الطبيعية، واتفقوا على أن السبيل إلى تحقيق هذه المطالب هو الدعاء، بشرط ألا يكون هذا الدعاء على المسؤول الظالم، ولكن يجب أن يكون الدعاء له بالهداية والرشاد والسداد والتوفيق!

وبعد أن نجحت الثورة في قض مضاجع المفسدين، وبدت ملامح النصر تلوح في الأفق.. وفجأة أخرى، وجدنا هؤلاء الدعاة من كافة التيارات يتوافدون على ميادين الثورة ليُعلنوا انضمامهم للثورة وللثوار، مصدّرين الفتاوى بحل التظاهرات وأهمية الثورات وضرورتها ضد الظلم والطغيان من أجل إعلاء كلمة الله.. ولا يعنيني أن أتهمهم بالجهل وقصر النظر، ولكن الذي يعنيني أنهم أثبتوا لنا أنهم ليس لهم من الأمر شيء، وأن فتاواهم الشخصية لا تغير من حركة المجتمع ولن تغير، وأن السيادة للشعب، وأن الشعوب هي التي تغير حركة التاريخ وتحدد مصائر المجتمعات.. وهذ علمني أن لا كهنوت فى الإسلام.

• تعلمت أن الإعلام العربي فاسد بالضرورة:

أخذ الاعلاميون المصريون على عاتقهم مهمة واحدة ووحيدة عندما اندلعت الثورة التونسية، هذه المهمة هي التحذير من مغبة الثورات ومن سوء عواقبها، فلما أتم الله النعمة على إخواننا في تونس وفرّ بن علي هارباً، كان الشغل الشاغل للإعلام المصري أن مصر ليست تونس، وأن ما يحدث في تونس لا يمكن أن يحدث في مصر.

ولكن ما حدث في تونس حدث في مصر.. وفجأة، وبلا مقدمات، تغنى الإعلاميون عبر شاشاتهم المفضوحة بالثورة المجيدة، وبحق الشعب المصرى في مواجهة هذا النظام الفاسد الذي ظل يفسد في وطننا الغالي ثلاثين سنة، يتكلمون وكأنهم نزلوا علينا من كوكب آخر! بل وخرج بعضهم يتباكون لما كان يقع عليهم من ظلم وإملاءات من قبل النظام البائد.. وفجأة أخرى، نراهم اليوم، هم أنفسهم، يتهمون ثورتنا المجيدة بأنها مؤامرة خارجية دبّر لها بليل، وأن الثائرين مغيبون ومأجورون.. وهذا علمني أن إعلامنا العربي إعلام فاسد بالضرورة.

• تعلمت أن جماعة الإخوان جماعة انتهازية غير أمينة على الدين والوطن:

لم تصدر جماعة الإخوان موقفاً واضحاً من الثورة طوال مدتها، كعادتهم دائماً يريدون أن يطمئنوا أولاً إلى أين تسير الدفة وإلى أين سوف تتجه.. وأذكر أنه فى حوار للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، قال: إن الدكتور محمد مرسي وبعض قيادات الإخوان فى أحد الاجتماعات بمسؤولي الدولة لبحث إمكانية إخماد الثورة وإخلاء الميادين، قال: مش شوية عيال هما اللي هيحددوا مصير البلد، هكذا قال محمد مرسي، مشيراً إلى موافقته على إخلاء الميادين وسحب عناصر الإخوان منها مقابل ما وعدهم به النظام من مزايا في الحكومات المقبلة. هذه رؤية الرجل الذي صار رئيساً للبلاد، والذي لم يخلُ خطاب له من تمجيد الثورة والتغني بها، وقد كان من قبل يريد القضاء عليها من أجل كرسي في الوزارة أو عدة مقاعد في البرلمان، وهذا موقف من مواقف لا حصر لها.. وتاريخ الإخوان السياسي معروف وموثق، استغلهم الملك ضد الوفد، وقبلوا ذلك وتعاونوا معه، واستغلهم عبد الناصر لاستكمال ثورة يوليو، وقبلوا ذلك وتعاونوا معه، واستغلهم السادات ضد الناصريين، وقبلوا ذلك وتعاونوا معه، واستغلهم مبارك كمعارضة شكلية، وقبلوا ذلك وتعاونوا معه، واستغلهم المجلس العسكري كديمقراطية شكلية، وقبلوا ذلك وتعاونوا معه، تشعر وكأنها جماعة غبية بالفطرة..

وهذا علمني أن جماعة الإخوان جماعة انتهازية غير أمينة على الدين والوطن.

• تعلمت أن مصر سيدة العالم العربي، وأم الدنيا، وبها من الطاقات ما يمكن به أن تغير مجرى التاريخ:

لا يمكن لي أن أفهم غير ذلك، عندما رأيت كيف نهض العالم كله يتابع أحداث الخامس والعشرين من يناير، لم تكن ثورة يناير محل حديث المصريين فحسب، بل كانت محل حديث العالمين، فالغرب يتابع باهتمام بالغ؛ لأنه يدرك تماماً أن أي تغيير في هذه البقعة من الأرض سوف يستتبعه تغيير حتمي في خريطة الشرق الأوسط، ويستتبع ذلك تغيير حتمي في خريطة المصالح الغربية في هذه المنطقة.. والأشقاء العرب يتوجسون مما يجري، ويُنشئون القنوات الإعلامية المخصوصة للحديث عما يجري في مصر؛ لأنهم يعلمون أن البلد الذي صدر لهم العلم والطب والهندسة، وصدر لهم الفكر والثقافة، وبنى وعمّر لهم أوطانهم، سوف يصدّر لهم كل فكرة جديدة من صناعة مصرية خالصة، فقد كتب على مصر في جملة التاريخ أن تقود هذه المنطقة، وإن تخلل هذا التاريخ فترة شاذة ضعفت فيها مصر وظن فيها قصار النظر أن حفنة من الدولارات والريالات يمكنها أن تُغير من طبائع الأمور شيئاً.

فليس لمصر مفر من أن تعود لدور الريادة والقيادة من جديد.

وتحضرني كلمة الدكتور جمال حمدان، رحمه الله، عن حرب أكتوبر/تشرين الأول، حين قال: أظهرت حرب أكتوبر القدرة والقوة العربية الذاتية المفترى عليها طويلاً.. وأستعير هذه الكلمة البديعة لأقول: لقد أظهرت ثورة يناير القدرة والقوة المصرية الذاتية المفترى عليها طويلاً.. فالصالحون في بلادنا أكثر من المفسدين، ولكنهم خاملون، وقد رأينا شباب مصر كيف كانوا يحمون بيوتهم ومساكنهم وشوارعهم بالليل وبالنهار، متكاتفين جنباً إلى جنب كالبنيان المرصوص، رأيناهم وهم ينظفون ميادين الثورة وشوارعها يلملمون التراب بأيديهم الطاهرة ويبنون ما تهدم من أرصفتها ويطلون ويزينون جدرانها، رأيناهم يدلون بآرائهم السياسية والاجتماعية والتعاونية من أجل الارتقاء بمجتمعاتهم، رأيناهم يعبرون بالفعل قبل القول بأن وطنهم هو أعز ما يملكون.. هذا هو الشعب المصري، وهذه هي حقيقته وجوهره التي يخافها أعداؤه ويتوجس من ظهورها كارهوه.

عاشت مصر أبيّة.. وعاش شعبها كريماً.. وعاشت ثورتنا المجيدة في وجداننا.. رغم أنف الكارهين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد