عرفت الأطراف الكردية الفاعلة في العراق بوحدة الخطاب والصف تجاه قضاياهم القومية منذ عام 2003، الذي شهد سقوط نظام صدام حسين وولادة "العراق الجديد"، لكن تداعيات استفتاء الاستقلال في الـ25 من سبتمبر/أيلول 2017، لم تتسبب بخسارة سيطرتهم على ما يعتبره الكثير من الكرد جوهرة تاجهم المتمثلة بمدينة كركوك فقط، بل بضياع خطابهم الموحد، ومقومات وحدة صفهم السياسي في العملية السياسية بالعراق.
فخلافاً للاستحقاقات السابقة، أخفقت القوى السياسية الكردية في تشكيل تحالف انتخابي في المناطق المتنازع عليها مع المركز وعاصمتها كركوك، رغم الأهمية القصوى لأصوات هذه الدوائر التي تحسب لتمثيلها النيابي أكثر من حساب في بغداد، خاصة في الانتخابات المرتقبة (مايو/أيار 2018) التي ستجرى بعد إعلان النصر على داعش وظهور معادلات سياسية جديدة، في مقدمتها تحول قوى الحشد الشعبي الشيعي التي قاتلت داعش، إلى تحالف انتخابي يتنافس على كرسي رئاسة الوزراء.
الحزبان الرئيسيان "الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني" كانا يبادران ويشكلان عماد التحالفات الكردية في كل انتخابات، لكنهما واقعان حتى الآن تحت هول صدمة الردود العسكرية والسياسية والاقتصادية لسلطات بغداد ودول الجوار الإقليمي (تركيا وإيران) على الاستفتاء، وبالكاد يتحملان العمل المشترك بسبب حدة الاتهامات المتبادلة بين قيادات الجانبين بشأن تحمل مسؤولية الإخفاقات.
"الديمقراطي" الذي يتزعمه مسعود بارزاني ومن أعلى المستويات يتهم جناحاً نافذاً في "الاتحاد" بقيادة نجل طالباني "بافل" وأبناء عمومته بالخيانة القومية، عبر التنسيق مع بغداد برعاية إيرانية لانسحاب البيشمركة من كركوك في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2017 دون قتال، ويعد الحزب "صفقة بافل" سبباً لترجيح الكفة لصالح المركز في صراعها مع الإقليم، نجم عنها لاحقاً انتشار القوات العراقية في مناطق ذات أغلبية كردية أخرى بمحافظات ديالى وصلاح الدين ونينوى، وفي مقدمتهم الحاضنة الإيزيدية سنجار.
ومقابل هذا يلقي صقور الاتحاد باللوم على الحسابات الخاطئة للحزب الديمقراطي في الإصرار على إجراء الاستفتاء وتجاهله للتحذيرات الدولية، ويعدون "العناد" السبب الرئيسي لضياع منجزات كردية تحققت بفضل نحو قرن من النضال.
حزب بارزاني قرر الانسحاب من خوض الانتخابات في كركوك بحجة "خضوعها للاحتلال"، والاتحاد يسعى إلى لملمة أوراقه والحفاظ على ما تبقى من نفوذ لها في هذه المدينة التي تُعد أحد معاقله الرئيسية بعد فقدانها الكثير من النفوذ في السليمانية لصالح منافسه المنشق عنه "حركة التغيير".
وخارج السجال الداخلي لهذه الثنائية المسيطرة على مفاصل السلطة والقرار في كردستان، شكَّلت أحزاب معارضة تتمثل بـ"حركة التغيير" و"الجماعة الإسلامية" والحزب الجديد للقيادي الكردي "برهم صالح" تحالفاً ثلاثياً في كركوك تحت عنوان "الوطن" في محاولة لسحب البساط من تحت قدم نفوذ الحزبين وتصدّر المشهد في هذه المدينة التي منحت 8 مقاعد نيابية لهما من أصل 12 لمكونات المدينة في انتخابات 2014.
ويوجه التحالف الكردي المعارض إضافة إلى قوى جديدة وليدة "الجيل الجديد" اللوم وأقسى الانتقادات لسياسات وأسلوب إدارة الحزبين لكركوك ولكردستان بشكل عام، محاولين استثمار النكسات والإخفاقات السياسية والإدارية الكردية لاستمالة الناخبين الكرد الناقمين من خسارة المدينة لصالح بغداد تكون جسراً لهم للعبور إلى مراكز النفوذ في بغداد.
الخط الكردي الثالث بين جبهتَي "السلطة" و"المعارضة" يتمثل في الاتحاد الإسلامي المحسوب على خط الوسط؛ حيث أيَّد دعوات إقامة تحالف كردي على مستوى العراق، وشدد على تشكيله في مناطق النزاع على الأقل، إلا أن هذه الدعوات والرغبات التي صدرت من أكثر من طرف اصطدمت بعراقيل الأرض الواقع؛ ليبقى حلم العودة إلى العصر الذهبي للكرد المتمثل بزمن "التحالف الكردستاني" أمراً أشبه بالخيال والتمنيات، فيما يشارك المكونان العربي والتركماني في المدينة بقوائم قومية موحدة على أمل تجاوز الاغلبية الانتخابية الكردية التي تحققت خلال الانتخابات السابقة التي أًجريت في ظل السيطرة الكردية على المدينة، ثم اعتبار النتيجة ورقة ضغط للدفع بتقاسم سلطات المدينة بالتساوي (32% لكل منهم و2% للمسيحيين) ونسيان مخططات وأحلام ضمها لإقليم كردستان أو أي كيان كردي مفترض في المستقبل، والذي يدغدغ مشاعر الكرد منذ أكثر من 100 عام.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.