لقد أصبحت المنافسة الانتخابية الداعية لإزاحة الكتل القديمة المسيطرة على الإدارة والتشريع في عموم العراق، وإقليم كردستان، نقطة تحول لأمن واستقرار العراق الداخلي.
وفي الأسبوع الماضي ترددت أنباء بأن الانتخابات تترنح نحو استخدام التصويت السري من أجل تأجيل الانتخابات، حيث اتفقت الكتل السنية والكردية في البرلمان من أجل التصويت على تشريع يسمح بتأجيل الانتخابات، ونجحت الكتلة الشيعية في إفشال التصويت، وأكدت ذلك المحكمة الاتحادية بضرورة الالتزام بالتوقيتات الدستورية للانتخابات.
تعتقد الكيانات المدنية والكيانات المعارضة الداعية لمقاطعة الانتخابات، أن هناك 13 كياناً سياسياً (5 شيعية و4 سنية و4 كردية) منذ عام 2005 هي من تسيطر على إدارة مؤسسات الدولة العراقية التنفيذية والتشريعية والقضائية، يعد الناخب العراقي الداعي للمقاطعة أن عملية تقاسم ومحاصصة تلك الكيانات للوزرات السيادية والخدمية والمؤسسات المرتبطة بها سبب كافٍ ليهز ثقة الناخب بجدوى الانتخابات، وإنما ليدق ناقوس الخطر أيضاً في العواصم الغربية حول عدم قدرة العراق على تمكين الاستقرار وإجراء الممارسة الديمقراطية، وجاء تقاسم مؤسسات الدولة بعد عام 2003 .
ثمة أسئلة تثار حول ما إذا كانت الحكومة العراقية بقواتها المنتصرة على داعش ينقصها الإرادة أو القدرة على وقف تحكم الحكومة العميقة بمؤسسات الدولة، بما يلائم مصالحهم الحزبية، التي تتقدم دون هوادة، وتعاني الحكومة العراقية بالفعل من انتقادات حادة؛ لعدم إنفاذ برنامجها الحكومي الخاص بالإصلاح والتغيير ومكافحة الفساد، وعودة النازحين، ونزع السلاح، وتوفير بيئة انتخابية آمنة، وإيقاف إجراءات التقشف الحكومي، والضعف الإداري والإجرائي المثير للجدل، يزيد من حدة استيلاء أنصار تلك الكيانات على مؤسسات الدولة العراقية، يصاحب ذلك موجة من الأنباء المفزعة عن انهيار الأمن في أطراف المدن المحررة، وانتشار السلاح الثقيل بيد أبناء العشائر، وصعود ظاهرة تجارة المخدرات والمتاجرة بالبشر والدعارة على أيدي جهات مرتبطة ومحمية من تلك الكيانات.
لقد أصبحت المؤسسة العراقية مختطفة حقيقة واقعة الآن، وغني عن القول أن المؤسسات العراقية التي يقودها نظام المحاصصة القومية والطائفية، وبسبب الفساد نجد وجود الحكومة اسمياً فقط في بعض أجزاء المؤسسات الخدمية والمالية والاقتصادية، حيث تتمتع اللجان الاقتصادية التابعة للكيانات المسيطرة بسيطرة مطلقة تقريباً، ويديرون إدارات بالتوازي مع الحكومة العراقية، ويستخدمون المؤسسات كغطاء قانوني ينطلقون منه لأخذ المقاولات والرشاوى على حساب المال العام وجودة التنفيذ.
ومع ذلك، فإن ما يبعث على القلق أن الفاسدين قد بسطوا نفوذهم على مؤسسات الرقابة، وتحدوا أوامر رئيس الحكومة الدكتور العبادي والحملة الشعبية التي قادها السيد مقتدى الصدر، وأقاموا حكومات عميقة خاصة بهم، وعلى مدى 15 عاماً أسسوا نظاماً فاسداً من الصعب جداً اختراقه أو اجتثاثه ومعقداً جداً؛ كونه متداخلاً مع لوبيات إعلامية ودينية وسياسية وأمنية وفصائل مسلحة، حكومة مصغرة خاصة بهم تعيش في برزخ البرلمان والحكومة.
ونظراً لهذا الوضع، فإن أبرز سؤال يثار حالياً في بغداد أكثر من أي مكان آخر هو: هل تستطيع نتائج الانتخابات إزالة الوجوه الفاسدة وملاحقة الفاسدين أمام النفوذ المتصاعد لهم الذي ترعرع داخل العراق؟ وهناك نقاش دائر الآن حول مستقبل العراق في الاقتصاد والحقوق والثروات والتنمية، وقد تنبأ بالفعل بعض "الخبراء" بانهيار الاقتصاد ما لم يتم تفعيل الرقابة ومكافحة الفساد، بل إنه تم نشر خريطة تصور كيف تبدو مؤسسات العراق الاقتصادية والصناعية والزراعية والسياحية منكوبة.
وتنتشر مشكلة الفساد في جميع أنحاء العراق، بالرغم من أن الحرب ضد الفاسدين تحظى بشعبية.
ويعتبر قادة الحراك الصدري المدني والكثير من العراقيين أن هذه حرب العراق القادمة.
وتواجه الحكومة الحالية مهمة شاقة لتشكيل الرأي العام وإقناع الناخب العراقي في الداخل بأنها بالفعل تقود حرباً على الفساد والفاسدين.
وتواجه حكومة العراق اليوم عدداً من المشكلات، إلا أنه ليس هناك شك في أن الفساد يأتي على رأس القائمة فقد أصبح تعبيراً تقليدياً أن نقول إن مؤسسات دولة العراق تمر بحالة حرجة من تاريخها.
وما يحدث الآن في المنشآت الاقتصادية هي نتيجة مباشرة لاستمرار فشل سياسات الحكومات المتعاقبة. لا داعي للذهاب إلى الماضي البعيد؛ حيث إن المستنقع الحالي هو ظاهرة لما بعد احتلال داعش لثلث العراق عام 2014.
وأخيراً وليس آخراً، إن مستقبل الحرب على الفساد سيتحدد بأيدي الملايين من أبناء الطبقة الوسطى العراقية، وبنشاط المجتمع المدني المستقل ويقظة وسائل الإعلام وحيويتها.
فمؤسسات الدولة العراقية بحاجة ماسة إلى قيادة قوية قادرة عملياً على قيادة البلاد والخروج من أزمتها الراهنة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.