لم يعرف جو المملكة صفواً ولا هدوءاً فهو في تقلب مستمر منذ ظهور الأزمة القطرية، الذي جرف سيله العديد من الأشخاص، على رأسهم دعاة ومفكرون ورجال دين، في محاولة للسيطرة على المجال الديني وقمع الأفكار والآراء المغردة خارج السرب، عملاً بمبدأ أن الأفكار مضرة بالإيمان، وبهذه الحركة تم توجيه رسالة استباقية لهذه الفئة من المجتمع، فالتقطها البعض وفهم فحواها وسابق لتقديم فروض الطاعة والولاء، بينما اكتفى البعض الآخر بالتزام الصمت.
بعد الانتهاء من هذا المجال، توجه الأمير الشاب لتنفيذ خطوته التالية، وهي السيطرة على القوات المسلحة، فبعد الإطاحة بمحمد بن نايف والأمير متعب بن عبد الله الذي كان على رأس ثالث قوة مسلحة بالمملكة، أصبح الأمير يبسط سيطرته على وزارتي الدفاع والداخلية والحرس الوطني.
لم يكن كل ما سبق إلا غيضاً من فيض، فمنذ أيام قليلة طالعنا قرار لجنة مكافحة الفساد القاضي بتوقيف أكثر من عشرة أمراء وعشرات رجال الأعمال ووزراء حاليين وآخرين سابقين، في خطوة هدفها الأول السيطرة على الثروة وتطويع الإعلام، خصوصاً أنه من بين الموقوفين هناك الأمير الوليد بن طلال، مالك شبكة روتانا، وكذلك الشيخ كامل صالح صاحب شبكة art، إضافة إلى الوليد إبراهيم صاحب شبكة mbc، وبالسيطرة على هذه الترسانة الإعلامية ستتم السيطرة ليس فقط على ما يبث على مستوى المملكة، بل على ما يبث على مستوى الشرق الأوسط والعالم العربي.
وبخصوص ثروة الموقوفين فقد قدرتها بعض الآراء بأكثر من 130 مليار دولار، وهو ما سيمكن المملكة من سد عجز الموازنة الذي يقدر بحوالي 80 مليار دولار، في حال ما قررت مصادرة هذه الثروة من أصحابها، وبهذا يكون الأمير قد أحكم قبضته وبسط نفوذه على ميدان الإعلام والمال والأعمال والقوات المسلحة والمجال الديني، إضافة لوجوده على رأس أكبر شركة نفطية بالعالم أرامكو، التي تعتبر صاحبة أعلى قيمة سوقية بالعالم، حيث قدرتها مجلة اكسبلوريشن بحوالي 10 تريليونات دولار في سنة 2015، وفي إطار الخطة الاقتصادية التي أطلقتها المملكة والتي أطلقت عليها رؤية 2030 فإنها تعتزم طرح حصة فى شركة "أرامكو" تقدر بنحو 5% للاكتتاب، وذلك بغية تنويع الاقتصاد وعدم الاعتماد على النفط فقط، وتدرس الرياض خيارات طرح الشركة المزمع فى 2018 بإحدى البورصات العالمية العملاقة نيويورك أو لندن أو طوكيو، لكن ما يرجح هي بورصة نيويورك؛ حيث أعرب الرئيس الأميركي، عبر تغريدة له على موقع تويتر، أنه سيكون ممتناً إذا ما قررت المملكة طرح أسهم أرامكو ببورصة نيويورك.
في خضم هذه الأحداث الداخلية الملتهبة لم تسلم بعض دول المنطقة من عاصفة بن سلمان، وآخرها كانت لبنان، والحدث إعلان سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني عن استقالته من منصبه من الرياض، الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول خلفيات ودوافع هذه الاستقالة، والتي لا ينكر أحد أنها تندرج ضمن دائرة الصراع السعودي الإيراني، مما دفع هذه الأخيرة إلى الرد السريع عن طريق وكيلها باليمن، والذي أطلق صاروخاً باليستياً نحو العاصمة الرياض.
من خلال هذه التحركات التي تنبئ باقتراب اعتلاء الأمير عرش المملكة، فقد أبان هذا الأخير أنه طالب نجيب ويستحق درجات عالية؛ لأنه نجح في تنزيل منهج ميكيافيلي على أرض الواقع، لكن يبقى السؤال الأكبر والأهم: هل ما قام به الأمير هو مذاكرة ومجهود شخصي أم أن هناك من يملي عليه المنهج ويغششه؟
لا شك أن كل هذه الأحداث ستكون لها تبعات وعواقب وخيمة ليس على المملكة فحسب، بل على المنطقة ككل، ويبقى المتضرر الأكبر هو المواطن البسيط الذي لا حول له ولا قوة، ولا ناقة له ولا جمل في هذا الصراع، وينطبق عليه المثل المغربي القائل: "ملي يتفاتنوا الثيران يسخط الله على البرواك"، ومعناه أن المتضرر الأكبر من صراع الثيران هي النباتات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.