عنان.. أشد كوابيس السيسي رعباً

ترشُّح سامي عنان وخطابه الجاد والواثق، سيحدثان انقساماً -دون شك- داخل المؤسسة العسكرية.. مدى عمق وتجذُّر هذا الانقسام والتصرفات المترتبة عليه، هو ما سيحدِّد ملامح مصر في الفترة الحرجة المقبلة!

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/20 الساعة 08:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/20 الساعة 08:29 بتوقيت غرينتش

كان الجو هادئاً والسماء صافية، والقاهرة تخفي جراحها كعادتها تعفُّفاً، والمسرحية التي أعلن من خلالها السيسي نيته للترشح تسير وفق ما هو مخطط لها، رغم أدائه الذي يغلب عليه الطابع الكوميدي، وفجأةً ظهر فيديو الفريق سامي عنان الذي أعلن فيه ترشُّحه بنبرة جادة تبدو واثقةً وتعطي انطباعاً بأنها تستند إلى أسس متينة، واتفاقات مُلزمة، فبات غالبية المصريين ليلتهم مع أمل ليس مرتبطاً بشخص عنان بقدر ارتباطه بإمكانية الخلاص من السيسي.

بدا عنان واثقاً، ولكن المدقق في خطابه يجد أنه تضمن مناشدة ومغازلة للمؤسسة العسكرية، بأمل استقطابها أو تحييدها بأقل تقدير، وهذا إن دل فإنما يدل على أن عنان غير واثق بأن التيار العام داخل المؤسسة العسكرية يدعمه، خاصة أن السيسي قام بتغيير 26 قيادة داخل المجلس العسكري في الأعوام الأخيرة؛ لضمان إبعاد أي صوت معارض له.

ولكن هذا لا يمنع فرضية أن السيسي لا توجد لديه وفرة في الرجال محل ثقته بدليل اختيار تابعه عباس كامل لإدارة جهاز المخابرات العامة، الذي يبدو أن الراحل عمر سليمان قد ترك بداخله مجموعة من الضباط الذين يذكرون -وما زالوا- خلافاته المستمرة مع المشير طنطاوي المرشد الأعلى لعبد الفتاح السيسي وصاحب النفوذ الأقوى -وما زال- داخل المؤسسة العسكرية، بدليل إصرار السيسي على وجود طنطاوي في كل حفلات تخريج الضباط الجدد؛ ليشهد معه الأجيال الجديدة وهي تؤدي قَسم الولاء نفسه الذي أبقى طنطاوي على رأس الجيش 22 عاماً قبل ترتيب صفقة إبعادة مع الرئيس مرسي.

أزمة السيسي وطنطاوي، الذي يرى أن عنان أصبح متقدماً في العمر ويجب أن يظل في بيته كما قال هو بنفسه في فيديو شهير من داخل ميدان التحرير- أن خطاب ترشح عنان قد يستقطب المزيد من الضباط داخل الجيش، خاصة بعد حديثه عن ملف الأرض، وهو يقصد بالطبع تيران وصنافير، ولعنان تدوينة شهيرة ترفض هذا التنازل، وملف المياه بعد توقيع السيسي على الاتفاقية التي شرعنت سد النهضة، وجعلت أمة عظيمة كالأمة المصرية خاضعة لمراوغات الجانب الإثيوبي، تستجديه سنواتِ ملءِ خزان سد النهضة!

ترشُّح سامي عنان وخطابه الجاد والواثق، سيحدثان انقساماً -دون شك- داخل المؤسسة العسكرية.. مدى عمق وتجذُّر هذا الانقسام والتصرفات المترتبة عليه، هو ما سيحدِّد ملامح مصر في الفترة الحرجة المقبلة!

ويبقى أن رئيس مصر يجب أن يكون محل توافق إقليمي وترضى عنه إحدى القوتين العظميَين، بعد نجاح بوتين في إعادة روسيا القوية إلى الساحة العالمية، لا سيما بعد نجاحه في إبقاء بشار الأسد فوق مقعده منذ اندلاع الثورة السورية وحتى يومنا هذا، وهنا تكمن قوة السيسي الحقيقية، وهو الشريك المهم في "صفقة القرن"، التي أتوقع أن تدخل حيز التنفيذ الفعلي في 2020، والمتابع للتطورات التي تحدث في سيناء، يلاحظ أن هناك عمليات إنشاء محطات لتحلية المياه بالتزامن مع عمليات التهجير القسري لسكانها، فمن هم السكان الذين ينتظرهم هذا الماء المُحلَّى؟

والمتابع لعملية إنشاء هذه المحطات، يجدها تمَّت بقروض خليجية، كلها تنتهي في 2020، وهي أيضاً السنة التي يحتاج فيها ترامب إلى إحداث دعاية كبيرة تمكِّنه من الترشُّح لولاية ثانية في أميركا؛ لذا أتوقع أن يظل السيسي هو الخيار الأفضل لترامب؛ لتحقيق ما وعدا به في لقائهما الأول، وتبقى المعونة العسكرية هي مفتاح أميركا الذهبي للسيطرة على المؤسسة العسكرية المصرية؛ لما فيها من منافع لكبار الجنرالات!

البعض يروِّج أن عنان مدعوم خليجياً، ولست أفهم عن أي خليج يتحدثون؛ هل الخليج الذي يدار من قصر الحكم في الرياض أم الخليج المحتجز في فندق الريتز-كارلتون؟ بالتأكيد، لا يمكن أبداً الرهان على علاقات خليجية لدى عنان؛ لأن الخليج نفسه في مفترق طرق خطير.

لذا، كان طلب عنان من الشعب تحمُّل مسؤوليته لإخراج مصر من واقعها المرير والذي من شأنه حسم الأمر لصالحه أيضاً داخل المؤسسة العسكرية التي لن تغامر بانفجار شعبي جديد كذلك الذي حدث في 2011- هو أهم ما جاء في خطابه، والأروع أنه خاطبه بالشعب السيد في الوطن السيد.

إذن، خطاب عنان أعاد الكُرة إلى ملعب الشعب، ولكن هذا يتوقف على حجم صموده أمام الضغوط الهائلة التي سيمارسها عليه تيار المشير طنطاوي، والأيام القادمة ما زالت حُبلى بالمفاجآت.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد