فلسطين لمن غلب وتغلَّب

يعتقد البعض ان فلسطين لم تكن يوما كيانا او دولة مستقلة اسوة بباقي الكيانات والدول الأخرى في هذا العالم؛ سيقول قائل ان إيطاليا وألمانيا وتركيا والخ.. لم تكن دولا وكيانات بالشكل الذي نعرفه اليوم قبل قرن ونيف من الزمان؛ هذا صحيح؛ فهذه المقالة لا تهدف الى الدفع بفكرة الدولة الفلسطينية وتقديم الأدلة والبراهين في سبيل إقامتها لتصبح دويلة شبيهة بباقي الدويلات المشرقية المتعارف عليها حديثا.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/19 الساعة 01:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/19 الساعة 01:03 بتوقيت غرينتش

يعتقد البعض أن فلسطين لم تكن يوماً كياناً أو دولة مستقلة أسوة بباقي الكيانات والدول الأخرى في هذا العالم؛ سيقول قائل إن إيطاليا وألمانيا وتركيا.. إلخ.. لم تكن دولاً وكيانات بالشكل الذي نعرفه اليوم قبل قرن ونيّف من الزمان، هذا صحيح، فهذه المقالة لا تهدف إلى الدفع بفكرة الدولة الفلسطينية وتقديم الأدلة والبراهين في سبيل إقامتها؛ لتصبح دويلة شبيهة بباقي الدويلات المشرقية المتعارف عليها حديثاً.

حقيقة أكتب هذا في خضم بحثي عن إمكانيات الخلاص المتوفرة في عالمنا هذا الذي باتت يد العرب والمسلمين فيه هي السفلى، ولا تمتلك استقلالية في اتخاذ القرار، إضافة لمحاولة استلهام واستشراف الأفكار والحلول للخلاص من هذا الاحتلال البغيض لهذه الأرض المباركة.

سكن الكنعانيون فلسطين منذ القدم بعد قدومهم من الجزيرة العربية، وأقاموا المدن والتجمعات السكانية فيها، واشتعلت النزاعات والمعارك فيما بينهم، تلك سُنة البشر الأولين.

آلت فلسطين للنبي داود ومن بعده النبي سليمان عليهما السلام، وها هي تؤول للآشوريين والبابليين ومن ثم الفرس وحتى اليونانيين القدماء كان لهم نصيب بأرض فلسطين.

فلسطين ملك الإمبراطوريات، بل درة تيجانها.

انتصر البطالمة وكانت فلسطين تحت ملكهم حتى قدوم الرومان؛ لتصبح جزءاً من أرض الإمبراطورية الرومانية.

تغيرت الأزمان والحكام ولم يفنَ ملح الأرض وساكنوها، فالكنعانيون كانوا الأوائل ولم يتبدلوا بتبدل حكام فلسطين.

انتقلت ملكية فلسطين للمسلمين في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب؛ فأصبحت جزءاً من أراضي الإمبراطورية المسلمة، فتارةً كانت ولاية تتبع دار الخلافة مباشرة وتارةً أخرى تبعت ولاية الشام وأخرى لمصر.

فلسطين لمن غلب وانتصر، إنها هدف لكل العظماء، ففلسطين لم تكن يوماً بيد الضعفاء أو بيد الفلسطينيين وحدهم، ولطالما كانت السيطرة على فلسطين المؤشر على القوة والقدرة التي يتمتع بها المسيطر، ولكي تمتلك فلسطين لا بد من أن تنتصر بمعركتين؛ الأولى معركة ضد القوة المسيطرة على فلسطين، وهي قوة عظمى لا شك بذلك، والثانية وهي الأهم والأصعب أن يتقبلك أهل فلسطين ويرحبوا بك، كما حدث على مدى آلاف السنين من سيطرة الفاتحين القادمين من الجزيرة العربية؛ لا بل أصبحت غالبية الفلسطينيين من المسلمين يدينون بدين الفاتحين كإخوانهم العرب القادمين من الجزيرة العربية.

لا يخفى على أحد أن البريطانيين انتصروا على الدولة العثمانية منتزعين فلسطين منهم، ولا يخفى على أحد أن إسرائيل إن هي إلا كيان يتغذى ويتنفس من القوى العظمى الحالية، ولا يمكن لهذا الكيان أن يستمر بدون دعم لا محدود من المال والسلاح.

وللأمانة فإن المسيطرين الجدد على أرض فلسطين القادمين من الغرب لم يخوضوا معركة حقيقية واحدة على مدار العقود الماضية، نعم، لم يخُض الفلسطينيون أي معركة حقيقية ضد إسرائيل فهم بلا دولة ولا مأوى، وعوضاً عن ذلك أمضوا عقوداً في مناوشات متفرقة لا يمكن تسميتها بمعارك عوضاً عن حروب، وبكل الأحوال لا تلوح بالأفق أي معركة أو حرب من هذا القبيل، فكما أسلفنا، ففلسطين للعظماء وليست للفلسطينيين وحدهم.

لربما انتزاع فلسطين من المحتل، بانتظار حرب لطالما تأجلت، فصلاح الدين لم يحرر فلسطين إلا بعد عقود طويلة من التأجيل والصراعات الداخلية بين دويلات المشرق العربي.

فلسطين لمن غلب وملك، ولأن فلسطين حلم الإمبراطوريات والقوى العظمى، ولأن ديمومة الحال من المحال، فالعظمة والقوة لا تدومان لأحد بأي حال وكذلك فلسطين. فعلى ما يبدو فإن فلسطين على موعد مع القوة العظمى القادمة كي تتسلمها في سرد تاريخي متكرر يكمل دورته بين الحين والحين.

هل ستكون فلسطين من نصيب الإمبراطورية القادمة؟ من ستكون هذه القوة القادمة؟ هل ستكون إسلامية كما يتمناها أهل فلسطين؟ أم ستكون غريبة الهوى ليستمر الكفاح والنضال.

هل ستكون القوة العظمى شرقية الهوى ليبدأ فصل من التكهنات السياسية ومرحلة جديدة من الاستعطاف والاستجداء؟

أقام الصليبيون مملكتهم بعد حملاتهم الشرسة وانتصاراتهم على الدويلات الإسلامية في تلك الحقبة. حررها صلاح الدين لتعود لحضن الإسلام حتى قدوم الاحتلال البريطاني، ولتبدأ نكبة إثر نكسة للعالمين العربي الإسلامي، وليبدأ أهل فلسطين بالبحث عن دويلة أسوة بالدويلات المتناثرة من أقصى مشرقنا العربي لأقصى مغربه.

وها قد انتشرت الشعارات والأفكار في حملة عالمية تهدف لإقناع العالم أن القدس عاصمة فلسطين.. القدس لم تكن عاصمة لأحد فهي تماماً كمكة المكرمة والمدينة المنورة، لها قدسيتها ومكانتها في قلوب المسلمين إضافة للمسيحيين، وما ترديد الشعار "القدس عاصمة فلسطين" إلا تثبيت لحدود مصطنعة ودويلات لم يكن لها وجود في الأزمان السالفة، فقد بدت الشعارات المخاطبة لوجداننا وأرواحنا أقرب لما خططته عقول سايكس – بيكو ومن تبعه من الآخرين، فقلوبنا تقودنا نحو تثبيت ما أراده المحتل الأجنبي لهذه البلاد، بل وبدأنا وبدون قصد أو علم، نكرر ونردد أن الحدود التي رسمها الغرب لنا هي تلك أكبر أمانينا وأبعد ما يمكن لنا أن نحققه أو حتى أروع أحلامنا.

هل فعلاً بتنا نتوسل العالم أن ينفذ حكمه بنا من تقطيع وتقسيم عرقي وجغرافي؛ بل تجزئة بلا أي تصنيف، جغرافي، عرقي، ديني أو أي من التصنيفات الأخرى؟

هل يجرؤ أحد اليوم ليدعي أن حدود دويلته مصطنعة ولا بد أنها جزء من قطر أكبر وأعم؟

هل يتجرأ أي زعيم مشرقي على رفض الحدود المرسومة من قِبل الغرب؟

هل من قائل إن فلسطين جزء من دولة أكبر وأشمل، وإن هذا الجزء محتل لا بد أن يحرر ليعود ويلتحم بإخوته المحررين؟

فلسطين لمن غلب لا شك بذلك، فلسطين جزء من منطقة أجبرت على القسمة والابتعاد عن الجماعة، فلسطين ليست لوحدها فهي أرض تتبع الشام ومصر والحجاز، بل تتبع العراق والمغرب العربي.. فلسطين لمن غلب وتغلَّب.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد