حزب الدعوة وإشكالية العملية السياسية في العراق

تمهيداً للانتخابات المزعومة القادمة في العراق طلع علينا أحد الإعلاميين؛ ليقدم توقعاته بفوز حزب الدعوة بأي انتخابات قادمة مقدماً أسباباً بعيدة كل البعد عن الواقع السياسي العراقي، وواقع حزب الدعوة وهو يروج له بدعاية انتخابية مبكرة

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/18 الساعة 00:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/18 الساعة 00:11 بتوقيت غرينتش

تمهيداً للانتخابات المزعومة القادمة في العراق طلع علينا أحد الإعلاميين؛ ليقدم توقعاته بفوز حزب الدعوة بأي انتخابات قادمة مقدماً أسباباً بعيدة كل البعد عن الواقع السياسي العراقي، وواقع حزب الدعوة وهو يروج له بدعاية انتخابية مبكرة ورخيصة، ودعونا نستعرض المسيرة السياسية في العراق منذ الاحتلال الأميركي وإلى يومنا الحاضر ودور حزب الدعوة المخرب فيه، حتى يتبين لنا أيّ وَهْم هذا الذي يريد أن يسقطنا به هذا الإعلامي، لا يخفى على كل متتبع لأوضاع العراق من أن الوضع الخدمي والاجتماعي.

خلال فترة الحصار الأميركي على العراق كان أفضل بكثير من وضع العراق الآن.

رغم أن الحصار الجائر على الشعب العراقي قد امتد لأكثر من عشر سنين، وقد كنا نأمل بعد كل هذه السنين أن تحل حكومة وطنية تراعي مصالح الشعب العراقي وتحقق مزيداً من الخدمات والاستقرار وتبعده عن هوس الحروب المستمرة، محل نظام الحكم السابق، إلا أننا صدمنا بعد الاحتلال الأميركي للعراق بمجلس الحكم الهزيل الذي اعتمد على التقسيم الطائفي تارةً والقومي تارة أخرى، والذي أصبح فيما بعد سمة أساسية من سمات العملية السياسية المستحدثة عام 2003.

والأكثر من ذلك أن هذا التقسيم قد تحول إلى محاصصة بين الأحزاب والكتل المشاركة في العملية السياسية بعد تسلّم حزب الدعوة لدفة الحكم عام 2005 وسرعان ما تحولت المؤسسات العامة إلى إقطاعيات لتقسيم موارد الدولة وميزانيتها على قيادات هذه الأحزاب والموالين لها وعلى رأسها حزب الدعوة، فأصبح الشعب خارج نطاق هذه القسمة، وشرع الفساد الإداري حتى شمل الرئاسات الثلاث.

كما شمل في بعض مفاصله القضاء أيضاً نستثني من ذلك القضاة النزيهين النجباء الذين عانوا الأمرّين تحت نفوذ مجلس القضاء الأعلى والقادة السياسيين الفاسدين، وتهديداتهم وكان من نتيجة هذا كله أن أهل الجنوب قد عانوا من الفقر والجهل وانعدام الخدمات العامة وشيوع النزاعات العشائرية والمناطقية.

أما مدن الوسط فقد ابتلوا بالتهجير وتخريب بيوتهم ومحافظاتهم بذريعة محاربة الإرهاب، وقد شمل الوضع الشاذ هذا شمال العراق أيضاً، نتيجة سوء العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان والتي تُوّجت بالتقاطع بين الطرفين على أثر الاستفتاء المشؤوم.

وقد ساءت العلاقة بينهما بعد فترة من التحالف بين حزب الدعوة، برئاسة نوري المالكي، والأحزاب الكردية على تقاسم السلطة والثروة الذي انتهى إلى ما لا تحمد عقباه بعد إفلاس الدولة وقلة الموارد الكافية لتقاسمها، والصراع على السلطة والثروة النفطية.

وهذا كله من إفرازات العملية السياسية البائسة التي خطط لها مجلس الحكم وعرابه الصهيوني بريمر وتوارثه حزب الدعوة مع الكتل والأحزاب المشاركة في الحكم إلى يومنا الحاضر، وما زال البعض يتباكى عليها باعتبارها مكسباً من مكاسب الاحتلال الأميركي للعراق.. في حين أنها كانت السبب الرئيسي لتدمير البنى التحتية لكل الخدمات من الماء والمجاري والكهرباء والتعليم الأساسي والجامعي.

والعزوف عن تجديد الخدمات البلدية في كل مناطق ونواحي العراق بلا استثناء نتيجة الفساد السياسي والإداري.

كما حاولوا تمزيق وحدة الشعب العراقي بطرق شتى، إلا أننا نكبر حقاً بعموم الشعب العراقي من الشمال إلى الجنوب الذي رفض هذه النوازع التقسيمية.

ونشهد الآن امتناعاً وإصراراً من قطاعات واسعة من الشعب من استغلالهم، أو المضي قدماً في تسخيرهم لتحقيق أهداف مشبوهة من خلال ديمقراطية وهمية وانتخابات مزيفة، إن هنالك مخططاً معداً مسبقاً لكل الذي جرى ويجري الآن على رؤوس العراقيين، فليس عفوياً أبداً هذا الذي يحدث في العراق، من تخريب ممنهج للدولة والمجتمع والتفريط بأرض الوطن وكرامة الشعب أيضاً.

إن الحكومات المتعاقبة برئاسة حزب الدعوة منذ الاحتلال الأميركي وإلى يومنا الحاضر قد مارست أدواراً غير مشرفة بل مهينة للشعب العراقي جميعه وليس لطائفة أو قومية فقط رغم ادعائها أنها جاءت لنصرة طائفة معينة، ولو كانت كذلك لتدلنا على أي مرفق خدمي أو اقتصادي مهم قامت به في أي مدينة عراقية من الجنوب إلى الشمال.. هل أدلكم على البصرة وفيها الميناء العراقي الوحيد وصاحبة أكبر آبار نفط وتعتبر العاصمة الاقتصادية للعراق ليس فيها شارع مستو ٍيمكن السير به وحرمانها من الماء الصالح للشرب والكهرباء والمجاري والتعليم، وما ذكرناه آنفاً يكاد ينطبق على كل المدن العراقية.

حتى بغداد العاصمة التي كانت عروس المدن في الستينات من القرن الماضي، انظروا ماذا حل بها وكأنها تعرضت إلى زلزال عنيف أو قصفت للتوّ بقنبلة ذرية وبدلاً من العمل على تأسيس دولة حديثة نراهم قد ملأوا جيوبهم بملايين الدولارات.

وأكثر من ذلك أنهم استثمروها في دبي وعواصم العالم الأخرى ولم يستثمروها في بلادهم على الأقل.

هذا الذي أقوله تعرفونه جيداً، ولكنني أذكّركم به فقط حتى تدركوا حجم المؤامرات التي حيكت عليكم والنهب المستمر لأموالكم، وحتى لا تخدعوا مرة أخرى بأقوال كتاب مأجورين يدّعون بأن حزب الدعوة والأحزاب والكتل المشاركة له هم من مناصريكم الآن وبعد أن أوصلوا العراق إلى مستوى الدولة الفاشلة، وظهور النزاعات العشائرية والمناطقية وانتشار السلاح خارج نطاق الدولة وضعف السلطة وغياب القانون والارتجالية في القرارات البعيدة عن النهج العلمي السليم والنهب المنظم لموارد الدولة من قِبل المافيات المتحالفة مع أحزاب السلطة، يحاولون إعادة إنتاج أنفسهم، بنفس الحزب وبنفس التحالفات المشبوهة لاستكمال تنفيذ سياساتهم الهدامة في تفتيت وتقسيم العراق وشعبه.

إن استمرار حزب الدعوة بالحكم مع التحالفات والتخندقات المشبوهة على وفق هذا النهج التخريبي سيؤدي إلى الإجهاز على آخر ما تبقى من دولة وشعب عريق ساهم بحضارات عظيمة على مر العصور.

فاحذروهم لأن مستقبلكم ومستقبل أولادكم في خطر ما بعده خطر، ولا تلتفتوا إلى أولئك المروجين لأحزاب الخراب والفساد، والمرء العاقل لا يُلدغ من جُحر مرتين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد