على قدر ما هبت الرياح التركية لمداعبة غصن "الخرطوم"، لاستمالته نحوها، جاءت المغازلة السياسية لـ"أسمرة"، عاصمة إريتريا، من قبل مصر والإمارات العربية المتحدة في تطبيق حرفي لمقولة (الحلف بالحلف والأقوى ينتصر).
– لا صوت يعلو في هذه الأيام فوق صوت صرير الأقلام، وهي تعقد اتفاقيات وتحالفات ليل نهار، وفي كل وقت وحين، في رحب ساحات القرن الإفريقي، فلا يكاد يغلق سجل اتفاقية هنا، حتى يفتح آخر هناك، فالمنطقة برمتها تشهد اضطراباً وغلياناً تاريخياً غير مسبوق، وهذا ما يجعلها تراوح على شفير حرب حامية الوطيس ولا مبالغة في ذلك.
حقيقة الأمر أن جمر النيران المشتعلة حالياً كان مخفياً تحت رماد المصالح المشتركة لدول المنطقة، إلى أن هبَّت عليه الرياح التركية، مُحدثة بذلك ألسنة لهب رأتها الإمارات العربية المتحدة من مشارف الخليج، بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ناء للسودان شعاراً مفاده: "قد جفتنا الدنيا فهلا اعتصمنا، من جفاف الدنيا بحبل الوداد"، فالتقفه البشير، فاتحاً بذلك الباب على مصراعَيه أمام كل السيناريوهات والاحتمالات، بما في ذلك المواجهات العسكرية المباشرة مع الجيران، وفيما يلي شرح لما يجري على رقعة شطرنج القرن الإفريقي:
– اجتماع رؤساء أركان جيوش الدول الثلاث: السودان، تركيا، وقطر، في الخرطوم مؤخراً، لم يكن مصادفة كما رُوّج له، ولكنه كان محسوباً سياسياً وعسكرياً بدقة متناهية، وهذا ما أجج الهجمات وأشعل المنصات الإعلامية على المجتمعين الثلاثة، بسبب ما نتج عنه من اتفاقيات عديدة، بينما كانت إثيوبيا هي الغائب الحاضر في هذا الاجتماع.
هذه الاتفاقات كان أولها إقامة قاعدة تركية عسكرية في عرض البحر الأحمر، تطل بسارية أعلامها على شواطئ السعودية، ومناورات قطرية – سودانية بالذخيرة الحية ثانيها، وغلق الحدود السودانية مع إريتريا (حليف مصر) ثالثها، وخاتمتها إثيوبية، عندما أقامت وليمة عشاء على شرف وفد سوداني زائر لبلاد الحبشة، التي تمثل الضلع الرابع للثلاثي المذكور أعلاه، في رسالة واضحة المعالم لمصر وحلفائها، ونكاية في إريتريا التي استهترت بوفد عمر البشير في الشهر الفارط، الذي حمل رسالة إلى الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، قوبلت بالإهمال ولم يكلف نفسه حتى عناء قراءتها.
– الوليمة الإثيوبية المذكورة وصلت رائحتها للإمارات، ما تسبب في نهوضها من عرينها تمسح عنها غبار نوم طويل، موجهة بذلك استدعاء عاجلاً إلى كل من وزير الخارجية المصري سامح شكري، من نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد، لمناقشة اتفاق القاعدة العسكرية التركية من جهة وتأويل شيفرة التحالف الرباعي الجديد من جهة أخرى.
الخارجية الإماراتية لم تكتفِ باستدعاء مصر، بل امتدت أطراف الدعوة لتشمل بعدها الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، الذي تحول شخصياً من قصره إلى أبوظبي، وكلف نفسه عناء السفر لمحاولة فهم ما يدور حوله في منطقة القرن الإفريقي.
– من خلال ما سبق نجد أن لدينا معسكرين اثنين: المعسكر الأول يضم تركيا، وقطر، والسودان وإثيوبيا، يقابل ذلك معسكر آخر يحتوي تحت جناحه كلاً من مصر والإمارات العربية، وإريتريا، وجنوب السودان بالإضافة إلى متمردي دارفور.
– ومنه فإنه يمكننا أن نستنتج أن ميزان القوى قد أخذ منحى جديداً وخطيراً في نفس الوقت، مما يجعل هذه التحالفات بمثابة برميل بارود قد ينفجر بأي شرارة صغيرة في أي وقت، بسبب قضايا الاختلاف الكثيرة التي لا يمكن حصرها في هذه السطور.
– ما نريد ذكره في هذه العجالة، هو شيء سيحدث خلال الأشهر القادمة، ويراه كل حاذق في لعبة السياسة وهو سباق التسلح الذي سيحدث، بين الدول المتحالفة والمتخالفة؛ إذ سنشهد صفقات تسليح ضخمة سَيسطرها التاريخ.
– أما حوض البحر الأحمر فيبدو أنه سيصير أحمر فعلاً، بسبب إمكانية وقوع تصادم، وذلك لكثرة القواعد العسكرية على خلجانه، ابتدأتها الصين الشعبية بقاعدة في جيبوتي، مروراً بقاعدة إماراتية في إريتريا، وانتهاءً بقاعدة تركية في سواكن السودانية، والمؤكد أن الأمر لن يقف عند هذا الحد، بل سيصبح ساحل القرن الإفريقي خلال المرحلة القادمة مكتظاً بالقواعد العسكرية لدول عديدة، ذلك أن كل دولة تريد وضع قدم في البحر الأحمر وحارساً يقظاً عند باب المندب؛ لكي تكون له كلمة في المضيق، الذي يمثل عصب التجارة العالمية.
أخيراً وليس آخِراً، نشرات الأخبار ستعج بأخبار عاجلة حول البحر الأحمر وباب المندب في المستقبل القريب، ولربما يصبح القرن الإفريقي من أكثر المناطق اضطراباً، فاتحاً بذلك عصراً جديداً من التجاذب والشد والجذب قد تجعل بذلك أسوأ السيناريوهات والمواجهات تحصل.. هذا والله أعلم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.