كتاب نار وغضب وزلة فكر‎

كان أفضل ما يقوم به ترامب هو إقراض الحملة 10 ملايين دولار شرط أن يستعيدها ما أن تتمكن الحملة من جمع أموال أخرى.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/17 الساعة 06:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/17 الساعة 06:15 بتوقيت غرينتش

يذهب عالم السياسة الأميركي موراي إيدلمان في توصيفه للسياسة إلى "أنها تجلب الثروة، وتأخذ الحياة، وتسجن الناس، وتطلق سراحهم، وتطرح تمثيلاً للتاريخ له تداعيات عاطفية وأيديولوجية قوية".

ويطرح تعريف إيدلمان للسياسة رؤية تُمثل السياسة فيها الفاعل والمحرك لتحول نظام مجتمع ما وتفعل فعلها بالناس.

ولعل كتاب "نار وغضب" للمؤلف مايكل وولف فجّر مفاجآت كبيرة وغريبة لم تكن معروفة خارج نطاق مكاتب البيت الأبيض وموظفي فريق ترامب وأعضاء إدارته، بل الأكثر غرابة أن ترامب نفسه لم يكن يتوقع الفوز آنذاك.

يذكر المؤلف وولف في مقتطفات كتابه، أن ترامب كان فاسقاً سيئ السمعة، وخلال الحملة صار الأكثر شهرةً ربما ومع ذلك لم تكن الفكرة السائدة بأن زواجه اسمياً فحسب حقيقة.

كان يذكر ميلانيا غالباً عندما لا تكون موجودة، كان يبدي إعجابه بشكلها في حضور آخرين، وهي في رأيه "امرأة جذابة"، مع أنه لم يكن يشاركها حياتها دائماً، كان يتباهى بالنتائج قائلاً: "زوجة سعيدة هي حياة سعيدة"، مكرراً وجهة نظر شعبية كان يتطلع إلى موافقتها.

قبل سنوات من تباهي الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن حجم زرّه النووي أكبر من حجم زر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، تفاخر سيد البيت الأبيض بأنه أقام علاقات جنسية مع زوجات أصدقائه، أو هذا على الأقل ما ورد في كتاب "نار وغضب داخل البيت الأبيض لترامب"، الذي يقول كل شيء عن إدارة تكاد تكون الأكثر غرابة في تاريخ أميركا.

يضيف مؤلف الكتاب مايكل وولف: "كان الجميع على وعي بشكل واضح حد الألم بازدياد وتيرة تكراره للكلام، فكان معتاداً على تكرار القصص الثلاث ذاتها، كلمة كلمةً وتعبيراً تعبيراً كل 30 دقيقة، والآن أصبح يُكررها كل 10 دقائق، وبالفعل كانت الكثير من تغريداته نِتاجاً لهذه التكرارات، إنه لا يستطيع التوقف عن قول شيء ما".

ويقول في كتابه إنه منذ البداية كانت تهمين على ترامب فكرة أن حملته سيئة، وأن المنخرطين فيها ليسوا جيدين، ففي شهر أغسطس/آب عندما كان يحل خلف هيلاري كلينتون في الاستطلاعات بأكثر من 12 نقطة لم يكن يحلم بالفوز، وكان يعتبره سيناريو بعيد المنال، وقد شعر بالإحباط عندما ضخ الملياردير اليميني روبرت ميرسر وهو داعم للمرشح السابق تيد كروز خمسة ملايين دولار في حملته، وعندما عرض ميرسر وابنته ربيكا خطتهما لتسلم الحملة وإدخال ستيف بانون وكونواي فيها لم يستطِع ترامب المقاومة وإن يكن لم يفهم سبب قيام أحد بذلك. قليلون ممن عرفوا ترامب كانت لديهم أوهام حياله، الجميع في دائرته الاجتماعية الغنية كانوا يعرفون بجهله الواسع.

منذ الأيام الأولى للحملة، أرسل سام نانبرغ لشرح الدستور للمرشح، ووصف بانون حملة ترامب الذي صار رئيساً لها في منتصف أغسطس/آب بأنها مفلسة، فبالكاد كان قد تسلم منصبه عندما لاحظ أنها مهددة بفجوة بنيوية أكثر عمقاً؛ إذ إن المرشح الذي يصف نفسه بالملياردير رفض استثمار أمواله في المعركة.

وبعد المناظرة التلفزيونية الأولى بين المرشحين في سبتمبر/أيلول قال بانون لغاريد كوشنر إنهم سيحتاجون إلى 50 مليون دولار إضافية حتى موعد الانتخابات، فرد عليه صهر الرئيس: "لا مجال للحصول على 50 مليون دولار إلا إذا ضمنا له الفوز". فرد بانون: "25 مليوناً"، فقال بانون: "إذا قلنا (فوز) فإن ذلك ممكن".

وفي النهاية كان أفضل ما يقوم به ترامب هو إقراض الحملة 10 ملايين دولار شرط أن يستعيدها ما أن تتمكن الحملة من جمع أموال أخرى.
لم يكن ترامب يتوقع الفوز بالرئاسة، وهو لا يقرأ الوثائق السياسية التي يوفرها مستشاروه وغير مهتم بالاطلاع على بنود الدستور، ولا يأكل سوى وجبات "ماكدونالد" لأنه يخشى تسميمه.

ويشير الكتاب إلى الانقسامات داخل البيت الأبيض مع التركيز على المعركة الشرسة التي كانت بين بانون من جهة وابنة ترامب إيفانكا وزوجها غاريد كوشنر من جهة أخرى، وهي معركة لخّصها هنري كيسنجر في الكتاب بأنها "حرب بين اليهود وغير اليهود".

ويذكر الكتاب أن الرئيس لم يكن يعرف من هو رئيس مجلس النواب السابق، جون باينر، وأن فريقه لم يكن يعتقد أنه قادر على الفوز في الانتخابات.
ويقول: "بعد الساعة الثامنة مساء بقليل ليلة الانتخابات قال دونالد جونيور لأحد الأصدقاء إن والده أو كما يناديه اختصاراً دي جي تي، بدا كأنه شاهد شبحاً وكانت ميلانيا تذرف الدموع. ليس دموع الفرح".

ويضيف: "في غضون ما يزيد على الساعة بقليل، وبحسب مشاهدات ستيف بانون المستاء، بدأ ترامب المرتبك يتحول إلى ترامب غير المصدق ثم ترامب المذعور، لكن بقي التحول النهائي؛ فجأة أصبح دونالد ترامب رجلاً يصدق أنه يستحق أن يكون رئيس الولايات المتحدة، وقادراً على أن يكون رئيساً".

وعن تسريحة شعر ترامب، ينقل الكتاب عن إيفانكا قولها لأصدقاء إنها على هذا الشكل بسبب تمشيطه شعره من الأمام والجانبين باتجاه الأعلى وتثبيته بالرذاذ. ويقول الكتاب: إن "اللون، بحسب ما تقول "إيفانكا" وما يثير الضحك هو بسبب مستحضر اسمه للرجال فقط، كلما ترك على الشعر أصبح داكناً أكثر، وعدم صبر ترامب نتج عنه شعر برتقالي أشقر".

وعن إيفانكا وطموحاتها الرئاسية يقول وولف إنه "بعد مقارنة المخاطر بالمكاسب، قرر غاريد وإيفانكا قبول أدوار في الجناح الغربي للبيت الأبيض دون الأخذ بنصيحة كل شخص يعرفانه تقريباً. اتفقا على أنه إذا سنحت الفرصة في المستقبل، تترشح هي للانتخابات الرئاسية. الرئيسة الأولى، كما تحلو الفكرة لإيفانكا، لن تكون هيلاري كلينتون، بل إيفانكا ترامب".

وتباهى ترامب أمام أصدقائه كما ورد في الكتاب، بأن تعيين محمد بن سلمان في منصب ولي العهد السعودي نصر له.

ويقول وولف في كتابه إن ترامب تبجح قائلاً: "وضعنا رجلنا في القمة"، وإن ترامب أخبر أصدقاءه بأنه وصهره غاريد كوشنر قد هندسا انقلاباً في السعودية، وذلك بعد تعيين بن سلمان في منصبه.

على صعيد آخر، ذكر ترامب، وفق الكتاب، أنه سيحدث أكبر اختراق في التاريخ على صعيد المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وقال إنه سيغير اللعبة بشكل كبير وغير مسبوق.

وبشكل عام، يقول وولف: إن التفكير الجديد في الإدارة الأميركية حيال الشرق الأوسط يتمثل في أن ثمة أربعة لاعبين هم: إسرائيل ومصر والسعودية وإيران، ويمكن للدول الثلاث الأولى أن تتحد ضد الرابعة، وأن مصر والسعودية ستضغطان على الفلسطينيين للتوصل إلى اتفاق سلام. كما نقل الكتاب كلاماً لمستشار البيت الأبيض السابق ستيف بانون عما سُمي بصفقة القرن قائلاً: إن ترامب يوافق عليها تماماً، وأضاف أن الضفة الغربية ستكون للأردن وقطاع غزة لمصر، وقال بانون أيضاً: إن السعودية على شفا الهاوية ومصر كذلك، وإنهم يموتون خوفاً من بلاد فارس إيران.

عن ترامب وميلانيا، يقول الكتاب: إن هذا الزواج كان مربكاً للجميع تقريباً، كان الاثنان يمضيان وقتاً قصيراً نسبياً مع بعضهما، وقد تمضي أيام من دون حصول أي اتصال بينهما، حتى عندما كان الاثنان في برج ترامب. وغالباً لم تكن تعرف أين هو أو تهتم بذلك، كان زوجها يتنقل بين مقراته كأنه يتنقل بين الغرف ولم تكن تهتم بأعماله أيضاً. وكان أباً غائباً بالنسبة إلى أولاده الأربعة الأوائل، كان أكثر غياباً لابنه الخامس بانون. ففي زواجه الثالث، قال لأصدقائه إنه صار يتقن فن اللعبة وهو أن يعيش ويترك غيره يعيش.

يتناول كتاب "نار وغضب" داخل البيت الأبيض في عهد ترامب أيضاً العام الأول لترامب في الرئاسة، الذي اتسم بفوضى دائمة، ويصف الكتاب كيف ينعزل ترامب غالباً في غرفته اعتباراً من الساعة السادسة والنصف مساء ليتناول همبرغر بالجبنة وهو يشاهد التلفزيون على ثلاث شاشات، ويقوم باتصالات متكررة مع مجموعة صغيرة من الأصدقاء يبدي خلالها "سيلاً من الانتقادات" الموجهة ضد قلة نزاهة وسائل الإعلام وعدم ولاء أعضاء في فريقه.

ومن المثير للاستغراب أن ترامب كان ينتقد قادة أميركا السياسيين معتبراً أنهم يفتقرون إلى الكفاءة منذ عقود؛ لذلك كان يركز في خطاباته المطولة على شخص واحد فقط وهو نفسه، وكان يقول في إعلان ترشحه: "إن بلدنا يحتاج زعيماً عظيماً حقاً".

فهل يا ترى أخطأت أميركا في انتخاب رئيسها؟ وهل ستغض الطرف عنه؟ وهل سيكون كتاب "نار وغضب" ملف إطاحة دونالد ترامب؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد