فوائد قرار “ترامب” وقف الابتزاز المالي الأميركي للسلطة

تصريحات الرئيس وتهديداته بقطع المساعدات الأميركية عن السلطة الوطنية ليست جديدة، فالدولارات الأميركية والأوروبية التي يتم ضخها لم تكن في يوم من الأيام صدقة أو منّة

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/16 الساعة 03:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/16 الساعة 03:19 بتوقيت غرينتش

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقطع المساعدات المالية الأميركية عن السلطة الوطنية الفلسطينية لم يكن مفاجئاً لأحد، لا سيما أن الإدارة الأميركية استخدمت أسلوب الابتزاز المالي مع السلطة مرات عدة ولها تاريخ طويل في ذلك، وبالإضافة إلى قرار "ترامب" من المتوقع أن يقوم الاحتلال الإسرائيلي بإيقاف تحويل أموال الجمارك والضرائب التي يجبيها من البضائع المستوردة إلى فلسطين.

وللإدارة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي وبعض الدول الأوروبية تاريخ طويل في أسلوب الابتزاز المالي للسلطة الوطنية، وذلك بهدف إخضاعها وجعلها تسير وفق الطريق المحدد لها وتطبيق كافة المتطلبات منها، فمثلاً تم إيقاف تحويل الأموال إلى السلطة بعد اتفاق المصالحة في مكة، وبعد الإعلان عن تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سلام فياض، وبسبب هذا الضغط انهارت الحكومة واتفاق مكة، وأخرجت حركة "حماس"، ثم عاد ضخ الأموال مرة أخرى.

والمشكلة فلسطينية من الأساس؛ لأن المفاوض الفلسطيني كان يعلم جيداً أن الاتفاقيات الاقتصادية والمالية التي تشكلت بعد اتفاق "أوسلو" و"باريس الاقتصادي" تعد كحبال مشنقة ملفوفة حول رقاب الشعب الفلسطيني بأكمله، ومن يفعل ذلك ويوقع الاتفاقيات يؤكد أنه يثق ثقة عمياء في الطرف الآخر "المفاوض الآخر"، ولكن ليس لديه البتة أية مسؤولية وطنية؛ لذلك وضع لقمة عيش شعبه في يده "المفاوض الآخر" بكل نوايا حسنة رغم أن المعروف لجميع السياسيين والعسكريين في العالم أن المفاوضات لا يوجد بها أصدقاء أو حلفاء.

ورغم ذلك لم تتوقف السلطة للحظات لتدارس وبحث الموقف الفلسطيني، بل استمرت في معاندة جميع الأصوات المعارضة لها، واستمرت في زيارة أعداد الموظفين وأنشأت العديد من الإدارات المختلفة أكثر مما يحتاجه الفلسطينيون لمتابعة قضاياهم وشؤونهم، وهؤلاء الموظفون والإدارات التي أُنشئت تعتمد بشكل كلي على المساعدات المالية الخارجية التي تقدمها الإدارة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي من الضرائب وبعض الدول الأوروبية؛ حيث أصبحت المساعدات تشكل أقوى عناصر الضغط على السلطة الوطنية في حال خرجت عن المسار الأميركي – الإسرائيلي المحدد لها.

ورغم هذه الخطايا استمرت السلطة في أسلوبها دون الاستماع لأحد، وفتحت أسواق الداخل المحتل للبضائع المستوردة من الدول الصناعية والمنتجة كتركيا والصين والهند وأميركا وأوروبا، وهذا ما أدى إلى تراجع المنتج الوطني وتعطيل الآلاف من عمال فلسطين، والنتيجة كانت رفع أعداد المواطنين الذين يعتمدون بشكل كلي على أموال السلطة التي تحوَّل من الخارج، وتدمير آلاف المواطنين العمال الذي كانوا ينتجون ويعملون في فلسطين، كما أن المكاتب المكيّفة أصبحت المكان الأمثل لمطالبة المواطنين بالعمل الجاد والجد والاجتهاد ومقاومة الاحتلال بكافة الطرق السلمية الشعبية.

تصريحات الرئيس وتهديداته بقطع المساعدات الأميركية عن السلطة الوطنية ليست جديدة، فالدولارات الأميركية والأوروبية التي يتم ضخها لم تكن في يوم من الأيام صدقة أو منّة، بل هي من أقوى عناصر الضغط التي تستخدمها الإدارة الأميركية كلما خرجت السلطة عن المسار الذي يتم تحديده من قِبل الاحتلال الإسرائيلي وهي أيضاً مكافأة لسلطة تنازلت عن وطنها وقبلت بحدود عام 1967.

والحل لمواجهة هذه المشاكل والمعاناة التي وضعتنا بها اتفاقيات أوسلو وباريس هي وقف المساعدات المالية، وبالتالي سيتوقف تلقائياً ابتزاز أميركا للسلطة، كما أن السلطة ستستطيع بعد ذلك الخروج عن المسار الإسرائيلي المحدد، وسيبدأ المواطنون المعتمدون بشكل كلي على الأموال الوظيفية الخارجية بالبحث عن أعمال حرة من خيرات فلسطين وتجارتها، فالمعروف والثابت أن الدول التي تعتمد على المساعدات المالية تعتاد الاعتماد والتوكل على الآخرين، وبالتالي إذا كان شعب فلسطين تعوَّد على الكسل والاعتماد فإنه سينفرط ويتدهور أخلاقياً ويتفكك وتصبح العلاقات بين المواطنين والسلطة قائمة على الخوف والشك المتبادل وعدم الثقة.

وقبل اتفاق أوسلو أيضاً، كانت بعض الدول العربية تضخ الأموال لمنظمة التحرير، وبسبب توقيع اتفاق أوسلو حرمت من هذه الأموال، ومن يستجدي الدول العربية والإسلامية بعد قرار ترامب وتهديداته بقطع المساعدات من أجل ضخ الأموال مرة أخرى للسلطة سيبقى يستجدي طويلاً، ولن يجد من يسمعه؛ لأن الدول العربية لم ولن تجرؤ على أن تساعد السلطة وتضخ الأموال، كما أنه ليس من البسيط ولا السهل أن تساعد الدول العربية بالأموال، وهي متشابكة بنظام عالمي مالي مراقب من قِبَل الأجهزة الأمنية في أميركا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد