تلقَّى ملايين الأردنيين واللاجئين والعاملين في الأردن بتجهيزات مسبقة ومعرفة سابقة قديمة بنوايا الحكومة خبر أو أخبار رفع الدعم عن مادة الخبز وصرف بدل دعم لها للأردنيين، في وقت إقرار الموازنة العامة للحكومة الأردنية، وهي أمام تحديات اقتصادية وطنية جمَّة والشعب في حالة متعبة جداً.
تابع الأردنيون جميعاً بكافة أطيافهم وألوانهم السياسية، بكافة انتماءاتهم، أبناء القرية والريف والبادية والمدينة، مجريات إقرار الموازنة التي حدثت في وقت قياسي وفقاً لمركز راصد لم تتعدّ فيه الـ٥ ساعات ونصف الساعة، وما تابعه الأردنيون بعد ذلك من فرد بطولات للنواب غير الموافقين وأنهم وقفوا في صف الشعب، وإحقاقاً للحق فهم وقفوا في صف الشعب حتى لو كان ذلك مجرد حركة إعلامية وهكذا.
لكن الغريب في الأمر هو محاولة كتلة الإصلاح الإسلامية ركوب الموجة والادعاء بأن الكتلة وقفت بجانب الشعب ودعّمته، وفي حقيقة الأمر تغيَّبت الكتلة عن إقرار الموازنة وهي ثقل نيابي لا ينكره أحد؛ إذ إن عددها ما يقارب الـ١٤ نائباً، لكن الكتلة وحسب قولها لم تحضر الجلسة بناء على المذكرة التي وقّعت مع النواب، ومن أجل تشكيل خيار ضغط على الحكومة.
أنا صدقاً لا أعلم حجم الثقة التي تمتلكها كتلة الإصلاح؛ لكي تضحك على أبناء الشعب وتخرج بأسباب واهية لا يصدقها عاقل، لا أعلم مدى تفكيرهم المتعمد على أنهم وحدهم الصح وما سواهم خطأ، هل هناك صفقات رخيصة من تحت الطاولة جرت بينهم وبين الحكومة على ظهر الشعب؟
بالنسبة للإصلاح والإسلاميين كل شيء حاصل، فهم يهربون في المواقف الوطنية الحساسة، وكان آخرها إقرار الموازنة، ثم يخرجون للشارع الأردني متباكين قائلين إنهم هم الأبطال وما سواهم هو خطأ وكل الخطأ.
يهربون من الجلسات والمواقف الوطنية ثم يقولون إنهم هم المدافعون عن الشعب، والأصعب من ذلك يخرج مؤيدوهم بكلام يدل على مدى فكرهم الضيق وتمجيدهم فقط للشخصيات الكرتونية لمعارضين إعلاميين فقط يهربون من المواقف الوطنية؛ إذ يهاجم أتباع الإصلاح منتقديهم بأنهم لا يجرأون على انتقاد النواب الآخرين الذين صوّتوا مع إقرار الموازنة باعتبار أنهم خائفون أو لأسباب أخرى يطرحها أتباع الإصلاح هنا وهناك.
لكن الغريب في الأمر أن أتباع الإصلاح يهربون من واقعهم بأن نوابهم الـ١٤ هربوا من جلسة إقرار الموازنة، وقد يكون هروبهم لمصالح ذاتية لهم أو صفقات تدار من تحت الكواليس.
الإصلاح هربوا من الجلسة وشعب بأكمله ينظر وينتظر، لكن المفارقة المضحكة هو أنك سوف تجد نواب الإصلاح يدعون لمسيرات ضد الحكومة في أيام الجمع المقبلة، وكأنهم بريئون من إقرار الموازنة براءة الذئب من دم يوسف.
وفي حقيقة الأمر هم سبب كبير لما يجري، لكنهم يجيدون الهروب السياسي بعد الأزمات الكبرى وحتى الصغرى منها؛ إذ إنهم يهربون ويحاولون إقناع الشارع بأنهم المظلومون ودعاة الإصلاح، وأن الجميع يهاجمهم بسبب مواقفهم الوطنية، لكن أي مواقف؟ لا نعلم.. قد يقصدون مواقفهم البطولية بمشاركة الحكومة، لا يهم.
الإصلاح وأتباعهم مثل الكثير من أبناء الشعب المدافعين عن نوابهم مهما كانوا، على حق أو باطل، يستخدمون حالة وقضية "كلهم هيك"؛ إذ يبدأ الأشخاص الدفاع المستميت عن نوابهم ومن يوالونهم حتى إذا أخطأوا بقولهم "كلهم هيك"، أي أن جميع النواب صوّتوا، ويقولون أيضاً "هي وقفت عليهم"، أي أن موقف هذا النائب أو الكتلة لا يهم؛ لأن التوجه والتصويت غير ذلك.
حقيقة الأمر أن حالة الـ"كلهم هيك" أصبحت متفشية، هذا الأمر مثير للاستغراب ويطرح عدة تساؤلات، أو هل إذا قصر نائبك تقف معه؟ لماذا تقف معه وهو حتى على خطأ وتهرب لحالة الـ"كلهم هيك"؟
الأمر ليس فقط أبعاده عشائرية وانتمائية، لكن أعتقد أنه تم إيصال رسالة للشعب بطريقة أو بأخرى بأن النواب وغيرهم هم فقط شكليات أمام الحكومة، ولا شأن لهم ولا يعرفون إلا ما تقرره لهم الحكومة، وتتكلف الاخيرة بإظهارهم بأنهم أبطال أمام الرأي العام لإيصال شخصيات ورقية، ثم يهيأ للجميع أنها شخصيات وطنية همّها الأول والأخير المواطن، لكن حقيقة الأمر ليست كذلك.
كما أن من الأسباب التي أعتقدها هو أن الشعب الأردني فعلياً قد تعب و"قرف" من سياسات الحكومات والشخصيات النيابية جميعها؛ لأنها ليست قادرة على الوقوف بوجه الحكومة وإظهار موقف مشرف أمام الشعب؛ إذ أصبح أبناء الشعب يشكّون بأي نائب وبأي فعل بل وبنواياه.
صفقات تُدار وتُعقد.. والخاسر شعب بأكمله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.