7 سنوات مرت على الثورة التونسية، عام 2011، وهي ثورة يرى التونسيون أنها شقت طريقهم نحو تكريس مبادئ الديمقراطية والحرية، لكنها فشلت في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتحسين الوضع الاقتصادي الذي يزداد تأزماً يوماً بعد آخر.
مؤشرات عديدة تشي بأن الوضع في تونس يزداد صعوبة، بينها انكماش الاقتصاد إلى أقل من 1%، فيما فاقت نسب البطالة الـ15%، وتباطأ نمو الاستثمارات الأجنبية بفعل التوترات الأمنية، منذ الثورة التي أطاحت بالرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي (1987-2011).
بمرور الوقت، سجلت تونس تحسُناً تدريجياً في وضعها الأمني، عقب هجمات إرهابية احتدت وتيرتها، خاصة في 2015، واستهدفت معالم سياحية ومواقع أمنية، وأدت إلى مقتل سائحين ورجال أمن ومدنيين.
ودفعت تلك الهجمات نحو تراجع قطاعات السياحة والاستثمارات الأجنبية بشكل لافت، ما انعكس تلقائياً على النمو الاقتصادي الذي بلغ حينها 0.8%.
ارتفاع سقف الحريات
وفق المحلل السياسي التونسي هشام الحاجي، فإن "ما عرفته تونس يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011 (سقوط نظام زين العابدين بن علي)، يعد حدثاً فارقاً بين وضعية سابقة، ليكتب صفحة جديدة بكل ما فيها من سلبيات".
وتابع الحاجي، في حديث لـ"الأناضول"، أن "تونس أنجزت عدداً من المكاسب السياسية، بينها صياغة دستور جديد (في 2014)، ورفع سقف الحريات، وتطور المشاركة السياسية والانخراط في الشأن العام، فضلاً عن حريات إعلامية لافتة".
كما "أسست البلاد لفكرة التداول السلمي على السلطة، خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية (2014)، علاوة على ظهور فكرة التوافق، باعتبارها فكرة مهمة لمجتمع يعاني الهشاشة"، بحسب المحلل التونسي.
لكنه استدرك: "في المقابل، يوجد إحساس مُتنامٍ بأن المنجز لم يكن في مستوى التطلعات، وأن الخطاب السياسي كان بعيداً عن الواقع، واليوم يطرح المواطن أسئلة مهمة، سواء فيما يتعلق بما هو اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي".
وأردف: "الرهان الكبير اليوم أمام كل التونسيين هو جعل تفاؤل الإرادة يتغلب على تشاؤم العقل، لإعطاء دفع جديد لمشروع التحرر الوطني والاجتماعي؛ حتى لا تكون هذه الذكرى السابعة مجرد حدث لا يعني الكثير لمعظم التونسيين".
مبادئ مشتركة
بعبارات أخرى، قال المحلل السياسي التونسي الأمين البوعزيزي، إن "الثورة انتصرت في التخلص من دولة اللصوص والبوليس، لتنتقل إلى دولة رأسمالية مكتملة الملامح، في ظل حريات سياسية، لكن مقابل فوضى اقتصادية".
واعتبر البوعزيزي، في حديث لـ"الأناضول"، أن "الثورة ليست سبباً فيما تعيشه تونس حالياً من أزمات، فقد تم بناء نظام مخالف لنظام زين العابدين بن علي".
وأضاف أن "كل الأطياف السياسية كانت حاضرة في الثورة، ولكنها فشلت فيما بعد في أن تواصل العمل بعضها مع بعض من أجل بناء الدولة الاجتماعية الديمقراطية".
وشدد على أن "العدالة الاجتماعية لا يمكن أن تقوم إلا بمشهد سياسي يتفق على جملة من المبادئ المشتركة، بعيداً عن إقصاء الآخر".
ورأى أن "التونسيين مستعدون للتضحية، ولكن غياب أفق سياسي واضح يطمئنهم هو ما يجعلهم ينتفضون ويشعرون بالإحباط، خاصة أنه بعد كل ثورة وكل استقلال يحدث ارتباك وانهيار بالبلد، وكله مؤقت إلى أن يسترد عافيته على أسس جديدة".
وثيقة قرطاج
لحكومة الوحدة الوطنية في تونس، أولويات تضمنها "اتفاق قرطاج"، وهي وثيقة وقع عليها، في يوليو/تموز 2016، كل من: "الاتحاد العام التونسي للشغل" (نقابة عمالية) والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية" (الأعراف)، واتحاد المزارعين" (مستقل)، وأحزاب سياسية، أبرزها "النهضة" و"نداء تونس".
وهي وثيقة، رأى الحاجي أنها "اعتمدت غطاء سياسياً وجسر عبور من جانب حكومة الحبيب الصيد (2015– 2016) إلى حكومة يوسف الشاهد الراهنة، والأطراف الممضية على الوثيقة تدرك ذلك جيداً، ما جعلها حبراً على ورق ومجرد وثيقة للمحاجحة والخطاب السياسي السياسي".
أما البوعزيزي، فقال إن "وثيقة قرطاج لم تشكل حكومة الوحدة الوطنية.. الأطراف الموقعة عليها، بما فيها حركة النهضة (إسلامية) صاحبة الأغلبية البرلمانية (68 نائباً من أصل 217)، يحكمهم المنطق الذيلي (تبعية) لـ"نداء تونس" (علماني- 56 نائباً)".
وتابع: "هي ليست وثيقة شركاء في الحكم؛ بل هي وثيقة تزين ممارسات (نداء تونس)، وهو تعبير رجال الأعمال الذين مولوا حملته الانتخابية في 2014".
انفجار الوضع
بحسب وزير المالية الأسبق، الخبير الاقتصادي، حسين الديماسي، فإن "كل المؤشرات تظهر أن الوضع الاقتصاد ساء، مقارنة بالسنوات الأولى للثورة عندما كانت تونس تسجل معدلات نمو بين 4 و5% بين عامي 2010 و2011".
وأضاف الديماسي، في حديث لـ"الأناضول"، أن "جل السياسات الاقتصادية كانت خاطئة طيلة 7 سنوات، والشعب يدفع ضريبة تلك السياسيات".
ومضى موضحاً أن "ميزانية الدولة انساقت إلى زيادات في الأجور، ما نتج عنه ارتفاع في نسب التداين والتضخم المالي، وهذا ما جرنا اليوم إلى انحدار الدينار التونسي مقارنة بالعملات الأجنبية".
وتابع أن "هذه الحكومات لم تعط أهمية للقطاعات المنتجة، وأكبر دليل على ذلك أن موارد الدولة كانت تعاني إضرابات عشوائية وهزات ولم تتخذ الحكومة إجراءات فعالة".
ورجح الخبير التونسي "انفجار الوضع مع التقاء عناصر عديدة، بينها زيادة الضرائب وارتفاع الأسعار وانهيار في قيمة الدينار، والذي أدى بدوره إلى غلاء فاحش، وأوجد قلقاً
لدى الفئات محدودة الدخل".
ومن تونس امتدت الثورة إلى دول عربية أخرى؛ ما أدى إلى تغيير الأنظمة الحاكمة، لا سيما في مصر وليبيا واليمن.
ورغم الصعوبات الاقتصادية، يعتبر كثيرون تونس نموذجاً لثورات "الربيع العربي"، بما حققته من نجاحات على صعيد الشراكة السياسية وتداول السلطة.