حوارات بين يدي انتخابات 2018

‏في أوقات الحرب يشكر الشعب النفعي المحارب على "فروسيته"، وفي أيام الانتخابات يتخلى عن المحارب وفروسيته بل يعاديه ويتنكر لمعروفه، ويبحث عن مصلحته في الإقتصاد والرفاهية والاستقرار والمساواة والحقوق والحرية والعدل.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/05 الساعة 08:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/05 الساعة 08:57 بتوقيت غرينتش

لا يوجد صوت غير مهم في المسار الديمقراطيّ، ومهما كانت الاختيارات، وحتّى عملية إلغاء الورقة الانتخابية، هي جزء من الديمقراطيّة.

‏الشرائح والفئات التي كانت تعمل على مقاطعة الانتخابات في السنوات الماضية أصبحت اليوم موضوع نفس الاتهامات من شباب متشائم وأكثر تطرفاً والأجد دماءً.

‏في الفيسبوك يتجول المتشائمون، كما لو أنهم كتائب إلكترونية، بين التعليقات لقمع أي تعليق يعتبرونه متفائلاً. وهنالك مَن يصدقهم ويخاف منهم.
المدنية الانتقال من العمران الحضري إلى العمران المدني، ففي عملية الانتقال تتم إزاحة الزوائد والهجائن بحسب النماذج القائمة وانتخاب التجارب الناجحة. ‏واستخدمت الإدارات الأميركية منذ 3 عقود محفزات المجتمع المدني لمحاربة الخصوم في الشرق.

ونظر الأميركان للمجتمع المدني في العراق بعد 2003 كما لو كان بذرة يبذرونها لتغيير العادات والتقاليد وحتى الأعراف.

‏في أحيانٍ كثيرة ومثيرة صدم المراقب الأميركي وضابط إيقاع هذه التجربة في العراق، حين وقف دعاة المدنية ضدّ الديمقراطية، كما فعل الحراك المدني الليبرالي والإسلامي باقتحام البرلمان ومؤسسات الدولة والمنطقة الخضراء، رغم سلمية حراكهم وإيمانهم بأن الإدارة يستحقها الأصلح. ‏

وفي هشاشة التجربة المدنية استطاع قادة الأحزاب والتجار تقويض الحراك المدني العراقي التعددي بيساره ويمينه وردّا المدنية إلى السياسة والسلطة.

‏تكمن أهمية معضلة السياسة في العراق، الإدارة السياسية منذ 14 سنة فاشلة وضعيفة، والحركات الجديدة عندها القوة على التحشيد الجماهيري نحو المدنية، ولكنها غير قادرة على الحكم المدني.

‏لا يمكن لأصحاب الحق مقاطعة مسار الديمقراطية، ولو فعلوا فإنهم وحدهم من يتغيب عنها، وعندئذ يمكن للقوى المسيطرة على الحكم والإدارة والسياسة أن تستمر في هندسة التشريعات والسرقات بما يخدم مصالحها الحزبية والطائفية والقومية ولأغراض الحصانة الشخصية.

‏بعض الشباب العراقي ركب الماضي، بدل الحاضر ليصل إلى المستقبل، وهو يطالب بمقاطعة الانتخابات للثأر من الفاسدين، وهو لا يدري أنه بالمقاطعة سوف يضمن لهم التجديد والمستقبل.

قليل من زعامات معارضة ما قبل 2003 لا يعيش فصاماً بسبب تناقض شخصيته في المرحلة التي يعيش فيها اليوم مع مرحلة المعارضة والشعارات التي كان يستمد منها قيمه. ‏

أما اليوم، فإن القيادي الحزبي هو متمذهِب أو قومي أو عنصري أو متطرّف، مع هذا يقال عنه مناضل ومقاوم ومجاهد ورمز.

أصبحت قيمه الحزبية وشعاراته تأتيه من الفيسبوك وتويتر ومن التجييش الإلكتروني. مصطلحاته ومفاهيمه صحفية ومشتتّة وليس لها قيمة نسقية.

‏فلسفة الانتخابات هي البيوع، كلّ الشعارات تتحوّل إلى بضاعة، كلّ مؤتمر يتحوّل إلى تجارة، كلّ مساعدة تغدو مرابحة، وكلّ صوت ناخب يغدو بضاعة.. فانتبه إن لصوتك سعراً وقيمة كبيرة، واجعل سعره الثروات والحقوق والتنمية والعدل والمساواة.

‏في السنوات الثلاث الماضية انهزمت شعبية الأحزاب الشيعية التقليدية على يد فروسية فصائل من الحشد الشعبي. ‏لكن الشعبية الانتخابية ليست مهتمة بالفروسية العسكرية.

المال والإعلام والخطاب والعلاقات وقت الانتخابات هي الفروسية، هنالك يتضِّحُ الصقر من الحمامة.

‏في أوقات الحرب يشكر الشعب النفعي المحارب على "فروسيته"، وفي أيام الانتخابات يتخلى عن المحارب وفروسيته بل يعاديه ويتنكر لمعروفه، ويبحث عن مصلحته في الإقتصاد والرفاهية والاستقرار والمساواة والحقوق والحرية والعدل.

‏الديمقراطية ستنبثق في إطار تمايز الدولة والمجتمع المدني، ‏المجتمع المدني والحراك الحر والأهداف الواضحة والقيادة النظيفة في الشارع وحدها من لها الحق في تغيير الممارسات المجتمعية وتحقق الإصلاح السياسي وبالحوار وبعلاج المشاكل من جذورها ممكن أن يتحقق للعراق التقدم والحقوق والثروات.

‏في هشاشة الدولة العراقية بعد 1958: استطاعت الأحزاب أحادية الحكم تقويض المجتمع المدني التعددي بيساره ويمينه وردّا المجتمع إلى الحكم الأحادي.

تجربة التحالفات القائمة على عودة التعدّديّة من خلال (القوى الإسلامية والقوى الليبرالية) قد تمهد إلى عمل سياسي ناضج إذا ما حصل التوازن والتفاهم، ولكنها مغامرة ليس لها مثال قد نجح في التجارب العراقية السابقة وربما تسبب انشقاقات داخلية في التيار الإسلامي والتيار الليبرالي وهذا ما حدث وسيحدث فعلاً.

قيادات حزب الدعوة الإسلامية العراقية الحاكمة مصابة برهاب من عقدة "إخوة يوسف" يجعلها لا ترى أسباب فشلها ولا تهتم لنقد الآخرين لها، بقدر ما تعتقد أنهم سراق لنصرها وإنجازها وبحسدهم لها.

وهكذا تعزل نفسها بجهل بسيط وآخر مركب، تحاول وسائل الإعلام الحزبية العراقية إضفاء صبغة شيطانية على الأحزاب المنافسة لها انتخابياً، والكل يحاول أن يتكئ على جهد الحشد الشعبي والنصر على داعش وادعاء القرب من المرجعية في النجف.

تحرير مدن العراق من احتلال داعش يعد تحولاً كبيراً في القضاء على الإرهاب، وفرض الأمن في كركوك عنوان هزيمة مشروع الانفصال وحماية وحدة العراق.

أثبتت معركة العراق بالضد من داعش أن التشكيلات العسكرية والقتالية المحررة تحمل مشروعاً يمكنه الانتصار ومشروعاً قابلاً للتسامح والتعايش، لكن الأحزاب الطائفية والقومية تحاول إفساد هذه المشاريع النبيلة، وتشويه صورة القوات العسكرية العراقية.

الإعلام الحزبي يقوم على توجهات الممولين له: مخابرات وتجار وتيارات سياسية، وانعكس هذا في الموقف من معارك التحرير منذ بداياتها.

ركز الإعلام الحزبي على جوانب من المعارك تخدم رؤية الأحزاب انتخابياً وتخدم مصالح المخابرات الدوليّة للحملة الانتخابية 2018، متغافلاً عن التضحيات والتحرير والحرية وفرض القانون.

‏ومن الواضح أن نسبة التذمر في المحافظات الجنوبية والفرات الأوسط متعالية، وهذا ليس دعاية حزبية سلبية من الداخل بل معاينة لواقع وشهادات من جهات ذات مصداقية، ‏لا يمكن الاستماع إلى دعاية القنوات الحزبيّة، و لا إلى قنوات الإعلام الطائفي، منصات السوشيال ميديا أكثر احتراماً لعقل المواطن الجنوبي والفراتي. ‏

مشكلة الأحزاب التي تحرك جماهيرهاً طائفياً أنها ليست طائفية، هي تريد خوض الانتخابات بفن الممكن في نفس الوقت التي تريد فيه أن تستفيد من دعاية أنها طائفية مع أنها غير واقعية حتى في زعم الطائفية.

‏كانت سياسة بعض أحزاب المحافظات الجنوبية والفراتية هي التالي: قدم لهم درجات وظيفية وسندات عقار وأراضي زراعية وأحياناً كروت شحن لرصيد النقال وأسوأ من ذلك بطانيات ومدفآت… اسلب إرادتهم بالعطايا والإحسان، وفي الغضون مرّر دعاية انتخابك، سيصوّتون لك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد