يبدو أن الصراع في منطقة الخليج سوف يتعدى الجغرافيا ليصل إلى إفريقيا، إذ امتدت الأزمة الخليجية المستمرة منذ 6 أشهر إلى منطقة القرن الإفريقي، ما قد يؤجج الصراعات الإقليمية التي تغلي ببطءٍ هناك.
جيمس دورسي زميل بارز في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة أشار في مقال له موقع LobeLog الأميركي إلى تصاعد التوتُّر في منطقة القرن الإفريقي، التي تنتشر فيها قواعد عسكرية أجنبية تنتشر على طرق التجارة الرئيسية في المحيط الهندي الذي يمتد خطه الساحلي مسافة 4 آلاف كيلومتر، بعد منح السودان الشهر الماضي، ديسمبر/كانون الأول، لتركيا حق إعادة بناء مدينة ساحلية عثمانية مُدمّرة وبناء حوضٍ بحري للسفن المدنية والعسكرية على ساحل البحر الأحمر في البلاد.
استدراج شرق إفريقيا للنزاع
ويرى دورسي أن الاتفاق الذي تبلغ قيمته 650 مليون دولار هو الإشارة الأحدث على استدراج شرق إفريقيا إلى النزاع الخليجي والصراعات الأخرى المرتبطة به في الشرق الأوسط.
وازداد القلق بعدما بدا أنَّ المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية التي تقودها السعودية والإمارات على قطر أصبحت هي الوضع الطبيعي الجديد.
ويرى دورسي أن التنافس على النفوذ بين البلدان الخليجية يمتد إلى ما يتجاوز منطقة القرن الإفريقي التي تشرف على مضيق باب المندب، الذي يربط خليج عدن بالبحر الأحمر والذي يعاني من جرَّاء الأزمة الحرب القريبة في اليمن، وصولاً إلى منطقة الساحل ووسط وغرب إفريقيا.
وزار أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الشهر الماضي 6 بلدان في غرب إفريقيا لحشد الدعم لدولته في خلافها مع شقيقاتها الخليجيات.
ولا تُعَد إفريقيا ساحةً للأزمة الخليجية فحسب، بل وأيضاً للتنافس الشرس بين السعودية وإيران الذي كثيراً ما يُخاض في بلدانٍ كنيجيريا والسنغال والكاميرون وموريتانيا، بالأساس كصراعٍ طائفي بين الإسلام السُنّي والشيعي.
الاتفاق السوداني التركي
ويقول جيمس دورسي ان الاتفاق السوداني – التركي اثار القلق في العواصم الواقعة على كلا جانبي البحر الأحمر.
فالسعودية والإمارات كلاهما تشعران بالقلق حيال التوسُّع العسكري التركي بسبب دعم الأخيرة لقطر. وتمتلك تركيا قاعدةً عسكرية في قطر، وقالت إنَّها ستُعزِّز حضورها هناك ليصل إلى ثلاثة آلاف جندي في الأشهر المقبلة.
وتمتلك تركيا أيضاً قاعدة تدريبٍ في الصومال، وتجري مباحثاتٍ لإقامة قاعدة في جيبوتي، وهي بامتيازٍ دولة تُؤجِّر القواعد العسكرية في منطقة القرن الإفريقي ولديها مرافق عسكرية أجنبية تعمل فيها فرنسا والولايات المتحدة والسعودية والصين واليابان.
وفي إشارةٍ إلى العلاقة بين الحضور التركي في السودان والسعودية، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في زيارةٍ له إلى السودان الشهر الماضي، هي الأولى لزعيمٍ تركي، إنَّ ميناء سواكن القديم سيُعزِّز السياحة ويُمثِّل نقطة ترانزيت للحجاج المتجهين إلى مكة المكرمة في السعودية.
كان ميناء سواكن هو الميناء السوداني الرئيسي إبَّان حكم العثمانيين، لكنَّه هُجِر وأُهمِل على مدار القرن المنصرم بعد بناء ميناء بورتسودان، على بُعد 60 كيلومتراً إلى الشمال. وقد سمحت جزيرة وميناء سواكن للعثمانيين بتأمين الوصول إلى ما تُعرَف اليوم بمنطقة الحجاز في السعودية والتي تضم ميناء جدة المُطلّ على البحر الأحمر.
قلق متبادل
تخشى السعودية والإمارات، اللتان تمتلكان قواعد في بربرة الواقعة في جمهورية أرض الصومال الانفصالية وفي إريتريا، من أن يسمح الاتفاق لتركيا، التي توتَّرت العلاقات معها بسبب الخلافات حول قطر وإيران والحركات الإسلامية كجماعة الإخوان المسلمين، بوضع قواتٍ قريباً من جدة.
وتشك السعودية والإمارات في أنَّ قطر تُموِّل عملية التطوير في سواكن. وما يزيد التوتُّر هو حقيقة أنَّ تركيا تشك في أنَّ الإمارات دعمت الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو/تموز 2016 بحسب دورسي.
ويزداد الشعور بالمرارة من الاتفاق لأنَّ العلاقات بين السعودية والسودان تحسَّنت كثيراً بعد قطع البلد الإفريقي علاقاته الدبلوماسية مع إيران مطلع 2016، وهو ما مثَّل نصراً سعودياً مبكراً في معركة المملكة مع الجمهورية الإيرانية للفوز بإفريقيا.
منذ ذلك الحين، ساهم السودان بستة آلاف جندي إلى جانب مقاتلين من ميليشيات قبائل الجنجويد لصالح التدخُّل الذي تقوده السعودية في اليمن. وخفَّفت إدارة ترامب العقوبات الاقتصادية على السودان في أكتوبر/تشرين الأول بناءً على طلب السعودية.
وقد وافقت السعودية هذا الأسبوع على إعادة العلاقات المصرفية مع السودان بالرغم من الانتقادات في الصحافة والشبكات الاجتماعية السعودية للاتفاق السوداني – التركي. وأصرَّ الرئيس السوداني عمر البشير على أنَّ بلاده ستُبقي على قواتها في اليمن بصرف النظر عن الاتفاق.
تأجيج النزاع بين مصر والسودان
ويرى الكاتب أن مصر أيضاً تشعر بالقلق إذ تشك في أنَّ الاتفاق سيؤجِّج النزاع الحدودي مع السودان حول منطقة حلايب. وقد اتَّهم السودان مؤخراً مصر بنشر قواتها في الجانب السوداني من الحدود وإرسال طائراتٍ حربية للتحليق فوق المنطقة الساحلية.
والشهر الماضي، قدَّم السودان إلى الأمم المتحدة شكوى تفيد بأنَّ اتفاق ترسيم الحدود الذي توصَّلت إليه مصر والسعودية في 2016 قد انتهك ما يدَّعي السودان أنَّها مياه سودانية قبالة حلايب.
واستدعى السودان أمس الخميس سفيره للقاهرة للتشاور دون الكشف عن دوافع تلك الخطوة.
وتخشى مصر بصورةٍ أكبر من أن تؤدي التوتُّرات المتصاعدة إلى تعقيد الخلافات الحادة بالفعل مع السودان وإثيوبيا حول سدٍ ضخم تبنيه إثيوبيا. وتعتقد مصر أنَّ السد سيُقلِّص حصتها الحيوية من مياه نهر النيل الذي يُمثِّل شريان الحياه للبلاد. وقد وصلت المفاوضات حول السد إلى طريقٍ مسدود، ويبدو أنَّ السودان يميل باتجاه إثيوبيا في النزاع.
ووجَّه عماد أديب، الإعلامي المصري، في عمود رأيٍ له بعنوان"عمر البشير والانتحار السياسي" اتهاماتٍ للسودان قائلاً: "الرئيس السوداني عمر البشير يلعب بالنار من أجل الدولارات.. في ظل جنونٍ تركي، وتآمرٍ إيراني، ومشروع إثيوبي لتعطيش مصر، وتمويل قطري للإضرار بالدور المصري، يخالف السودان قوانين التاريخ والجغرافيا ويتآمر على مصر".
وقد وضعت الأزمة الخليجية ترتيبات السلام الهَشّ في منطقة القرن الإفريقي في خطر، حتى قبل أن تدخل تركيا على خط الأزمة.
فرداً على قرار جيبوتي وإريتريا تخفيض مستوى العلاقات مع قطر بُعيد اندلاع الأزمة الخليجية في يونيو/حزيران، سحبت الدولة الخليجية قوات حفظ السلام التابعة لها والبالغ عددها 400 جندي من جزيرة دميرة الواقعة في البحر الأحمر.
وعلى الفور استولت إريتريا على الجزيرة التي تطالب جيبوتي أيضاً بها، في خطوةٍ قد تُشعِل في نهاية المطاف صراعاً مسلحاً قد تُجَرّ إليه إثيوبيا.
ويري دورسي أنه في حين تجني منطقة القرن الإفريقي فوائد الاهتمام المتزايد بها، تزادت مخاطر التوتُّر والصراع العنيف في ما أصبحت لعبة شطرنج عالية المخاطر بالنسبة لكلٍ من الخصوم الأفارقة والشرق أوسطيين.
وقد حذَّر باتريك فيراس، مدير مرصد القرن الإفريقي، من أنَّ "نشاط ما بعد الربيع العربي.. قد يساهم على نحوٍ غير مفاجئ، في عسكرة منطقة القرن الإفريقي، بل والأكثر خطورة، في تغيير توازن القوى في تلك المنطقة التي تعاني من الصراعات".