البداية كانت لتجمعات غاضبة وصغيرة ومتفرقة، حيث ركزت على المظالم الاقتصادية، وانتشرت في عدة مدن إيرانية وكانت الهتافات ضد الفساد المالي والمخصصات المالية للمؤسسات الدينية وإفلاس صناديق التقاعد.
لكن، إذا ما وضعنا كل هذه الأمور معاً، فإنه يمكننا أن نلاحظ أن الاحتجاجات التي تعصف بالشارع الإيراني خلال هذه الأيام، سببها الأساسي المشاكل الاقتصادية للبلاد، وفقدان الأمل في إمكانية حل هذه المشاكل.
وتم خلط المطالب السياسية المتضادة بالمطالب الاقتصادية المختلفة، وذلك عائد إلى عدم وجود أي زعيم أو هدف موحد لهذه التجمعات وتخبُّط المعارضة بين من يريد إسقاط نظام الولي الفقيه بأكمله ومن يريد بعض الإصلاحات الاقتصادية والسياسية.
وحسب ما رأيناه إلى حد الآن، فإن هذه التجمعات لم تستطع إنزال أعداد ضخمة من الناس إلى الشوارع. وما يعزز موقف الحكومة الإيرانية، هو أن الشارع لم يتجاوب -إلى حد الآن على الأقل- مع التحركات السياسية الموجودة ومطالبها.
من جهة أخرى، عندما يشاهد المواطن الإيراني ما يحصل اليوم في سوريا أو ليبيا أو العراق أو اليمن، فإنه سيتخوف من أن إعلان زعماء دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل دعمهم التحركات السياسية داخل البلاد يدعم نظرية وجود فتنة خارجية من شأنها أن تجعل إيران تواجه المستقبل نفسه.
وتواجه حركات الاحتجاجات في الشرق الأوسط عقبات قمعية وهائلة، ونادراً ما يكون لها نهايات سعيدة. وحتى عندما ينجح المتظاهرون في إسقاط الحكم الاستبدادي، فإنهم نادراً ما ينجحون في إنهاء الاستبداد.
ومع ذلك، وفي ظل هذه الخلفية المشؤومة، كانت احتجاجات إيران المناهضة للحكومة، أصغر بكثير من حجم انتفاضة البلاد عام 2009، التي لم يسبق لها مثيل في نطاقها الجغرافي وشدتها.
لكنَّ غير المتوقع هو ما في "مشهد"، وهي مدينة للحج الشيعي، غالباً ما تُعتبر معقلاً للنظام، حيث ردد المتظاهرون شعارات مثل "دعوا سوريا لتقرر بنفسها". وسرعان ما انتشروا إلى مدينة قُم، حيث عبَّر المحتجون عن حنينهم إلى رضا شاه، وهو الطاغية المستحدث في القرن العشرين، الذي قمع رجال الدين دون رحمة.
واستمرت هذه التجمعات في عدة مدن ومحافظات، حيث كان الآلاف يرددون: "نحن لا نريد جمهورية إسلامية" في مدينة نجف آباد، و"الموت للحراس الثوريين" في مدينة رشت، و"الموت للديكتاتور" في خرم آباد. وقد انتشرت منذ ذلك الحين إلى طهران، وتم اعتقال المئات، وفقاً لما ذكرته الـ" بي بي سي" نقلاً عن مسؤولين إيرانيين.
ماذا يمكن للولايات المتحدة أن تفعل؟
من الطبيعي أن تجد شعارات شعبية ضد نظام يحمل شعاره الرسمي "الموت لأمريكا" دعماً قوياً من السياسيين الأميركيين.
السؤال دائماً: ما هي الطريقة الأكثر شيوعاً لدى واشنطن "لدعم" هذه الاحتجاجات؟ ففي أعقاب حرب الخليج عام 1991، قام الرئيس جورج بوش الأب بتشجيع الشيعة العراقيين على الاحتجاج ضد صدام حسين، وعندما فعلوا ذلك ذُبحوا ووُجِّه الغضب الدولي إلى بوش أكثر منه إلى صدام. وفي عام 2009، عرضت إدارة أوباما الدعم فقط لانتفاضات "الحركة الخضراء" في إيران، وهو ما وصفته هيلاري كلينتون لاحقاً بأنه أكبر أخطائها كوزير للخارجية.
أحد الاقتراحات الملموسة، هو توضيح أن الشركات والبلدان في جميع أنحاء العالم المتواطئة مع الجهاز القمعي الإيراني -وضمن ذلك أولئك الذين يقدمون تكنولوجيا الرقابة- سيواجهون اللوم من الولايات المتحدة. كما يجب على الولايات المتحدة أن تعبّئ الشركاء العالميين الذين لهم علاقات عمل مع إيران -وضمنهم أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية والهند- لإضافة أصواتهم المثيرة للقلق والإدانة لقمع طهران، حيث كانت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، صامتة بشكل ملحوظ.
كيف ستنطفئ الثورة فجأة؟
كل ما ذُكر سابقاً سوف يتلاشى بمجرد تجاوب الحكومة الإيرانية مع مطالب المتظاهرين، وخاصة الاقتصادية منها، وإلا فإن استمرار المظاهرات يذكرنا بما حصل في سوريا حين كبرت الحوادث يوماً بعد يوم، ثم تطورت إلى ما نراه اليوم هناك.
ويمكن القول إن رد فعل الرئيس روحاني على هذه المظاهرات خلال الأيام الأخيرة، كان يشير إلى أن الحكومة تحاول إيجاد صيغة لتلبية المطالب، ولكن نظراً إلى الظروف الدولية والاقتصادية التي تواجهها البلاد، فإن أيديها مكبلة، الأمر الذي ينذر على الأقل بوصول المتشددين المعارضين للغرب إلى السلطة في الانتخابات المقبلة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.