بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، كان قرار القيادة الفلسطينية رداً على ذلك بالتوجه لمجلس الأمن لاستصدار قرار بإدانته، لكن الفيتو الأميركي حال دون ذلك، مما دفع اليمن وتركيا بالنيابة عن المجموعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لطلب عقد جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة وفق القرار رقم 377 لعام 1950 المعروف بقرار "الاتحاد من أجل السلام"، وذلك لطرح مشروع قرار يعتبر أي تغيير في وضع القدس ليس له فاعلية قانونية، ويعد باطلاً وملغى.
كان الحادي والعشرون من الشهر الماضي شاهداً على اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية الساحقة لهذا القرار، رغم كل التهديدات غير المسبوقة التي أطلقتها مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي.
أثارت التوصيات التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القدس تحت بند "الاتحاد من أجل السلام" جدلاً بشأن الطبيعة القانونية لهذه التوصيات، وإن كانت تتمتع بالصفة الإلزامية أم لا؛ حيث ادعى البعض بأن هذه التوصيات واجبة التنفيذ من قِبل الدول المخاطبة بأحكامها، وكذلك الدول الأعضاء في ميثاق هيئة الأمم المتحدة، وربما كانت بداية هذا الجدل بتصريح من الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، أعلن فيه أن الدول العربية ستطلب من الجمعية العامة تمرير قرار"ملزم" لكل مؤسسات الأمم المتحدة، يدين الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وذلك استناداً إلى بند "الاتحاد من أجل السلام".
لكن قراءة القرار رقم 377 لعام 1950 المعروف بقرار "الاتحاد من أجل السلام" بشكل متعمق تقود إلى الاستنتاج بأن الصيغة المستخدمة للتعبير عما تم قبوله من قِبل الجمعية العامة في جلساتها الطارئة المنعقدة في إطار هذا القرار هي "توصيات – Recommandations" وليست "قرارات – Decisions"، والتوصيات غير ملزمة للدول الأعضاء في ميثاق هيئة الأمم المتحدة ولها حق الأخذ بها أو لا؛ حيث ينص القرار رقم 377 لعام 1950 على أنه إذا أخفق مجلس الأمن بسبب عدم توافر الإجماع بين أعضائه الدائمين في القيام بمسؤولياته الأساسية في حفظ الأمن والسلم الدوليين في الحالات التي يبدو فيها أن هناك تهديداً للسلام أو خرقاً للسلام أو أن هناك عملاً من أعمال العدوان، تبحث الجمعية العامة الموضوع فوراً لإصدار "التوصيات" اللازمة للأعضاء لاتخاذ التدابير الجماعية والمناسبة، بما في ذلك استخدام القوات المسلحة عند اللزوم للمحافظة على السلام أو لإعادته إلى نصابه.
ولكن يبقى السؤال عن الفرق بين التوصيات التي تصدرها الجمعية العامة تحت بند "الاتحاد من أجل السلام"، والتوصيات التي تصدرها بشكل دائم في جلساتها الدورية، ما دام أن كليهما لا يتمتع بالصفة الإلزامية.
وللإجابة عن هذا السؤال يجب التنويه بالمادة 12 من ميثاق الأمم المتحدة؛ حيث تنص على أنه: "عندما يباشر مجلس الأمن، بصدد نزاع أو موقف ما، الوظائف التي رسمت في الميثاق، فليس للجمعية العامة أن تقدم أية توصية في شأن هذا النزاع أو الموقف إلا إذا طلب ذلك منها مجلس الأمن".
وبناء عليه لا تمتلك الجمعية العامة حق مناقشة وضع القدس بينما هي قيد النظر في جدول أعمال مجلس الأمن؛ حيث وفق الفقرة السابعة من قرار مجلس الأمن رقم 1322 لعام 2000 يجب على الأمين العام مواصلة متابعة قضية القدس وإبقاء المجلس على علم بها.
ومنذ ذلك الوقت وقضية القدس على جدول أعمال مجلس الأمن بحيث يجتمع كل شهر لمناقشتها في جلسة عادية وكل ثلاثة أشهر لمناقشتها في جلسة علنية شاملة.
لكن الاستثناء الوحيد لهذه المادة الذي استخدمته تركيا واليمن هو قرار رقم 377 لعام 1950 المعروف بقرار "الاتحاد من أجل السلام" والذي يمنح الجمعية العامة حق البحث في أية مواضيع هي قيد النظر أو المعالجة في مجلس الأمن بشرط أن يخفق مجلس الأمن في معالجتها بسبب عدم توفر الإجماع بين أعضائه، وذلك في الحالات التي يبدو فيها وقوع تهديد للسلم أو إخلال به.
لذلك واستناداً لهذا القرار تمكنت الجمعية العامة من مناقشة موضوع القدس بين أروقتها في جلسة طارئة رغم أن الموضوع ما زال قيد النظر في مجلس الأمن.
مع العلم أن القدس ليست بحاجة إلى قرار ملزم لإبطال قرار ترامب؛ حيث إن القرار رقم 478 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، في شهر سبتمبر/أيلول 1980، هو قرار يتمتع بالصفة الإلزامية ويفرض على دول العالم عدم نقل سفاراتها إلى القدس، ولكن العنجهية الأميركية تضرب كل قرارات هيئات الأمم المتحدة الملزم منها وغير الملزم بعرض الحائط.
تصرفات أميركا كلها تتخذها استناداً لمصالحها السياسية وليس استناداً للقانون الدولي وقرارات هيئات الأمم المتحدة.
النقطة الأخيرة والمهمة التي يجب الإشارة إليها فيما يخص الفرق بين التوصيات التي تصدرها الجمعية العامة تحت بند "الاتحاد من أجل السلام" والتوصيات التي تصدرها بشكل دائم في جلساتها الدورية هي إمكانية اتخاذ الجمعية العامة توصية باستخدام القوات المسلحة في جلساتها التي تعقدها تحت بند "الاتحاد من أجل السلام"، مع العلم أنه في الوضع الطبيعي يعتبر إصدار قرار كهذا من اختصاص مجلس الأمن وحده فقط في إطار الفصل السابع من الميثاق.
ولكن يبقى تنفيذ توصية كهذه للجمعية العامة باستخدام القوات المسلحة هو مرتبط تماماً بالإرادة السياسية للدول الأعضاء في الجمعية، فبينما تم تنفيذ القرار الذي اتخذ أثناء الحرب الكورية، لم ينفذ القرار الذي اتخذ أثناء أزمة هنغاريا.
ولذلك تبقى الأمم المتحدة عاجزة عن القيام بدورها المنوط بها من دون إرادة سياسية حقيقية للدول الأعضاء ومن دون اعتماد ميثاق جديد قائم على مبدأ المساواة القانونية بين الدول وإصلاح مجلس الأمن بإلغاء حق النقض الذي يتمتع به الأعضاء الدائمون في المجلس، وإعطاء الجمعية العامة الحق في إصدار قرارات ملزمة على اعتبار أنها تمثل الإرادة الجماعية لجماعة الدول.
وهذا ما يمليه التغيير الكلي فى الظروف السياسية والاقتصادية التي رافقت اعتماد ميثاق الأمم المتحدة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.