إعلان القدس عاصمةً لإسرائيل لم يكن حدثاً عابراً أو عبثياً لا تترتب عليه نتائج وتبنى عليه مواقف، طبعاً ليس لأن ترامب أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، أو أن ثمة صِداماً سيحدث بين المسلمين واليهود، أو الأميركان فقط، بل هو أكبر من ذلك، فما هو ظاهر للعيان هذه الأيام من أزمة وترقّب لما سينتج من قرارات من المعسكرات الثلاثة ذات صلة، والتي لها من الوسائل ما يجعلها قادرة على المواجهة مع الأخذ في الاعتبار قوة وفاعلية هذه الوسائل.
قرار الاعتراف الذي اتخذه ترامب والذي كان مناسبة لإعلان الرئيس الأميركي الدخول إلى صفحات التاريخ لقيامه بهذا الإنجاز (حسب وصفه)، بعد تأخّر وتقاعس الرؤساء الذين سبقوه عن فعله، كان سبباً لوجود المعسكرات الثلاثة أو ظهورها على الساحة مرة أخرى بصورة أدق، وهي كالتالي:
– المعسكر الأميركي وحلفاؤه سواء المؤيدون للقرار أو الممتنعون عن التصويت ضده.
– المعسكر العربي والإسلامي الرافض طبعاً للقرار جملةً وتفصيلاً.
– معسكر الأمم المتحدة.
ربما التساؤل الذي سيطرح هو ما الفرق بين المعسكرين الثاني والثالث طالما كلاهما متفقان على الرفض؟ وجه الاختلاف هو أن القدس بالنسبة للعرب والمسلمين قضية مركزية على المستويين الرسمي والشعبي، ورغم أن البيانات الرسمية للأنظمة الإسلامية لا تتعدى مستوى الشجب والاستنكار، فإنها لا تستطيع تجاهل الأمر طالما شعوبها غاضبة، فالأمر إلى جانب وصفه بالقضية المركزية يعتبر مساساً بالجانب الديني، فالقدس لها رمزية دينية بالغة الأهمية والخطورة بالنسبة للشعوب والمؤسسات الدينية ذات التأثير.
أما الأمم المتحدة فالقدس بالنسبة لها حالة نزاع قانوني لا شأن له بالقداسة أو أحقية السيطرة لأحد عليه، على الأقل لحين التوصل لحل يُرضي إسرائيل وفلسطين عبر اتفاق رسمي، وقرار الأمم المتحدة الرافض لاعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل جاء من منطلق الرد على عدم احترام الإدارة الأميركية لقرارات المنظمة الدولية الخاصة بالقدس في الوقت الذي تعلن فيه إدارة ترامب نفسها استمرار رعايتها لعملية السلام! التي لم يكن ليصدقها هو نفسه فما بالك بغيره بل كيف لعملية السلام أن تمضي بعد قراره الأخير؟!
يبقى معسكر ترامب وغرضه من قرار الاعتراف، وبعيداً عن رغبة ترامب في دعم انتخابي مبكر أو اتفاقية عابرة، كما يصورها البعض، فالجواب عن دوافع ترامب تمت الإجابة عنه في المؤتمر نفسه الذي تم فيه الاعتراف فيه بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وهو أن تأخر هذا الإعلان في الماضي جاء لدفع عملية السلام لكن دون نتيجة، فلا سلام تحقق ولم تحصل إسرائيل على حقها التاريخي (حسب كلام ترامب)، والأهم وكما أشرنا هو رغبة ترامب نفسه في حدث تاريخي يخلد فيه اسمه وهو ما حدث فعلاً بقصد أو بغير قصد، فبعد وعد بلفور صار لدينا وعد ترامب وهذا ليس غريباً بالنسبة لرجل مثل دونالد ترامب.
ويجب ألا ننسى أن ثمة رأياً لا يعترف بالشجب أو العودة إلى القرارات الدولية وطبعاً قرار ترامب لا أهمية له، ويعتبر أن القدس للفلسطينيين فقط، لكن المشكلة أن الشعارات التي يدعو لها لا تخرج عن إطار التصريحات والوعيد دون تحرّك جاد.
أزمة القدس الحقيقية هي التناقض، فمن يشجب لا يريد سوى القدس الشرقية ويعطي الغربية لإسرائيل، وكأنه قبول جزئي لقرار ترامب، ومن يدعو إلى احترام القانون (الأمم المتحدة) لا يراعي أصوات الفلسطينيين (كشعب يدافع عن أرضه)، بل اتفاقات سياسية غير متكافئة، ومن يدعو إلى التحرير الشامل يكتفي بالتصريحات، أما ترامب فهو لم يكتفِ بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، بل وعد بمعاقبة مَن يقف معارضاً لهذا القرار، وهذا طبيعي؛ لأنه لا يتكلم من منطلق القوة فقط، بل لأنه نجح في استغلال التناقض والزوبعة التي سرعان ما ستنتهي، دون أن تعيد القدس، القدس الشرقية على الأقل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.