يقضون نصف يومهم في السجن ليتمكنوا من رؤية أُسرهم في النصف الثاني.. 3 شبان عرب في تجربة إجبارية

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/02 الساعة 07:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/02 الساعة 07:55 بتوقيت غرينتش

طبع أحمد ماهر قبلة سريعة على جبين أمه المريضة بالسرطان، قبل أن يسرع ليصطحب حقيبته التي تضم بعض الطعام وملابس النوم، بالإضافة إلى المفكرة التي يأخذها معه كل يوم، ولينطلق إلى قسم الشرطة ليسلم نفسه في رحلته اليومية كـ"مراقَب". لكن على العكس من كل يوم، لم يعد ماهر إلى منزله.

عندما وصل ماهر إلى قسم الشرطة بمنطقة التجمع الخامس، شرقي القاهرة، كان قد تأخر على موعده اليومي نصف ساعة بعد اضطراره للبقاء بجوار أمه دقائق إضافية أثناء إفطار ذلك اليوم من شهر رمضان الماضي، لكن ضابط القسم لم ينتظر، ووجده ماهر قد حرر ضده محضراً يتهمه فيه بالهروب من المراقبة. لم يُعر الضابط أي اهتمام لأحمد عندما كان يخبره بمرض والدته المفاجئ، وقام بتحويله للنيابة، وأخبره أن طلب الإجازة التي تقدم به للاستعداد للامتحانات قد رُفض من قبل الأمن الوطني.

بعد تحرير المحضر، وضع أحمد في غرفة الحجز، وتم ترحيله في اليوم التالي إلى النيابة في سيارة ترحيلات مع 70 شخصاً آخرين. كانت يداه مقيدتين بقيود حديدية، وهو ما اعترض عليه قبل أن يتعرض للسب من قبل الضباط المرافقين. في النيابة تم التحقيق مع ماهر في النيابة، التي أمرت بإخلاء سبيله في نفس اليوم، قبل أن تحكم محكمة الاشتباه ببراءته في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعدما قدم لها ما يثبت مرض والدته.

ماهر ليس الوحيد، ومعاناته تجسد محنة عشرات النشطاء الخاضعين لإجراءات احترازية تقوم بها السلطات، بعد سجنهم بسبب اعتراضهم على قانون التظاهر.

في هذا التحقيق نقترب من عالم هؤلاء النشطاء، ونكشف عن معاناتهم الممتدة خارج أسوار السجون.

إطلاق سراح مشروط: لا شفاء من خطيئة المعارضة!


منذ أطلق سراح ماهر في شهر يناير/كانون الثاني 2017، وهو يتردد على القسم كل يوم لتنفيذ حكم بالمراقبة لمدة 3 سنوات، بعد مدة مماثلة قضاها في السجن على خلفية الاحتجاج أمام نيابة عابدين بوسط القاهرة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، اعتراضاً على تطبيق قانون التظاهر الذي كان قد أصدره الرئيس السابق عدلي منصور في الشهر ذاته، والذي يلزم كل من أراد تنظيم مظاهرة بالحصول على موافقة الشرطة.

في هذا الوقت، كانت الشوارع لا تزال تمتلئ بالمظاهرات التي أطلقتها جماعة الإخوان المسلمين بعد أشهر من الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي صيف ذلك العام، ولم يكن قد مضى سوى 3 أشهر على مقتل مئات المتظاهرين أثناء فض الاعتصام الذي أقامته الجماعة في ميدان رابعة العدوية، لكن التيارات السياسية المصرية التي شاركت في الزخم الذي سبق الإطاحة بالإخوان، رأت في القانون استهدافاً لها.

أعلن ماهر -الذي كان قد أسهم في تأسيس حركة 6 أبريل على إثر مظاهرات عمالية اندلعت عام 2008- عن اعتراضه على القانون في أول أيام تطبيقه. لم تنتظر السلطات طويلاً قبل أن تفرق الوقفة الرافضة للقانون أمام نيابة عابدين بالقاهرة، ولتستدعي عدة نشطاء بينهم ماهر، ومحمد عادل، المتحدث باسم حركة 6 أبريل، بالإضافة لآخرين مثل الناشط الشهير أحمد دومة، والمدون والناشط علاء عبدالفتاح.

عقاب سريع للتظاهر


خلال أسبوع، قُبض على دومة من منزله في القاهرة، وبعد ذلك بنحو 3 أسابيع قُبض على عادل، الذي يبلغ من العمر 29 عاماً، بينما كان علاء عبدالفتاح، 36 عاماً، قد سبق الاثنين إلى السجن بعدما قبضت السلطات عليه قبل تسليم نفسه للنيابة مع ماهر، حيث استُدعي الاثنان معاً للمثول أمام المحقق.

لم يكد يمر شهر بعد القبض على ماهر، حتى صدر الحكم عليه وعلى عادل ودومة، البالغ من العمر 32 عاماً، بالسجن 3 سنوات، في حين حوكم علاء بسبب المشاركة في مظاهرة أمام مجلس الشوري قبلها بيوم واحد، وحُكم عليه بالسجن لخمس سنوات. لكن مصطلحاً جديداً على النشطاء ظهر في جميع تلك الأحكام، المراقبة.

ماهر ذو السبعة والثلاثين عاماً، الذي انحسر الشعر عن مقدمة رأسه قليلاً مع سنوات السجن، لم يفهم لأول وهلة معنى أن يخضع للمراقبة بعد إخلاء سبيله، فعادة ما كانت المراقبة تطبق على المدانين في قضايا البلطجة أو الدعارة، ولم يكن قد تم استخدامها مع السياسيين منذ عقود.

والمراقبة، بحسب القانون رقم 98 لسنة 1945، هي أن يقضي المتهم مدة مماثلة لفترة الحكم عليه تحت المراقبة الشرطية، إذا كان الحكم بالسجن 10 سنوات تكون المراقبة 10 سنوات أيضاً، إذا كانت 5 سنوات تكون المراقبة 5 سنوات، حيث يظل المراقب في قسم الشرطة التابع له منذ غروب الشمس وحتى شروقها، أي من السادسة مساء وحتى السادسة فجراً.

غاب النشطاء الأربعة عن الساحة السياسة، ولم تظهر أخبارهم إلا من خلال الصور الملتقطة من قاعات المحاكمة، التي ظهروا فيها خلف القضبان والأسلاك.

إفراج.. (كده وكده)


بعد انقضاء مدة سجنهم، خرج ماهر من السجن، في يناير/كانون الأول الماضي، وبعده بأيام أفرج عن محمد عادل، ورغم انقضاء مدة الحكم على أحمد دومة، استمر في السجن بسبب الحكم عليه في قضايا أخرى.

استرشد عادل بالظروف التي عرفها عن مراقبة ماهر الذي سبقه في السجن والحرية بنحو شهر، فاختار أن يقضي فترة المراقبة في قسم شرطة أجا بمحافظة الدقهلية، التي تبعد عن القاهرة 108 كيلومترات، ليقيم مع والدته وأسرته.

طوال سنوات سجنه لم يكن عادل يرى والدته إلا قليلاً، كما أنه كان مقيماً في القاهرة معظم الوقت خلال السنوات الأولى للثورة، لذلك قرر العودة إلى أجا ليعوضها عن غيابه طوال هذه المدة.

يشعر والد محمد، ببعض الراحة لأنه يرى ابنه كل يوم، لكنه في الوقت نفسه لا يعتبر أن الوضع قد تحسن كثيراً. يقول: "فضّلنا قضاء المراقبة في: البلد، إلى أن يرتاح ابني قليلاً، لكن المراقبة سيئة سواء هنا أو في القاهرة".

ويرى فهمي، الذي عمل عسكرياً في السابق، أن تنفيذ المراقبة في القسم "تعسف من السلطات"، ويتساءل بغضب: "المراقبة يجب أن تُطبق على اللصوص والبلطجية، فهل ابني لص؟"

كل الطرق تنتهي إلى قسم الشرطة


في القاهرة الجديدة، وعلى بعد 3 كيلومترات من قسم الشرطة يسكن أحمد ماهر في حي التجمع الخامس بالقاهرة، ويذهب إلى هناك كل يوم بعد أن توصله زوجته أو أحد أفرد أسرته، يدخل إلى غرفة مخصصة للخاضعين للمراقبة. ينام أحمد هناك في غرفة تعد جزءاً من سور القسم على فراش ملاصق للأرضية الخرسانية، ويكون وحيداً في الغرفة التي تبلغ مساحتها حوالي 20 متراً أحياناً، بينما يصحبه بعض الجنائيين في أوقات أخرى، يصل عددهم أحياناً إلى 12 شخصاً.

قبل اليوم الذي تأخر فيه ماهر عن موعد الوصول للقسم، كان يقضي مراقبته في غرفة مستقلة، تقع تحت أحد سلالم القسم، ويبلغ عرضها متراً واحداً، وطولها متران. وقتها كان يستطيع أن يتحرك داخل القسم بصحبة ضابط أو أمين شرطة، فيذهب للبوفيه أو الحمام بعد أن يستأذن لفعل ذلك، وكان يسمح له بإحضار "كرسي وترابيزة".

بالرغم من أنه كان ينام حينها على الأرض أيضاً، لكن الوضع كان أفضل، فالغرفة بها بلاط، وأنظف نوعاً ما. وقت نقله للغرفة الحالية التي كانت مخصصة للجنائيين، قال له أحد الضباط: ستذهب إلى هناك لتعرف النعمة التي كنت فيها. يشعر ماهر بالاستياء الشديد عندما يستيقظ من النوم ويجد الحشرات تغطي وجهه وجسده، ويزيد استيائه عندما يحاول رش مبيد لقتلها، لكنه لا يجدي معها نفعاً.

في ليالي الزحام يتكاثف دخان السجائر في الغرفة. لا توجد أي منافذ للتهوية، فقط شباك صغير يطل على الجهة القبلية، لا يسمح بتجديد الهواء. والباب حديدي لا يحوي أي فتحات. اشتكى أحمد أكثر من مرة لضباط القسم من دخان السجائر الذي تسبب له في أضرار صحية، حيث إنه مصاب بضيق في التنفس والشرايين، وتسبب له السجائر التي توقف عن تدخينها منذ 3 سنوات آلاماً في الرئة والعين. لم يتجاوب أحد في القسم مع شكواه كما يؤكد.

الجنائيون الذين قد ينضمون لماهر في غرفة المراقبة عادة ما يكونون من المدانين في قضايا مخلة بالشرف. فبحسب المحامي الحقوقي حليم حنيش، غالباً ما تفرض المحاكم مراقبة بواسطة الشرطة على من يدان في قضايا معينة مثل قضايا الآداب والدعارة والقضايا المخلة بالشرف، للتأكد من عدم عودتهم للجرائم السابقة.

لكن حنيش يضيف أن القوانين التي أقرت مؤخراً، باتت تسمح بما تسمى عقوبات تكميلية، يحكم على الشخص بتنفيذها بعد قضاء العقوبة الأساسية، مثل الحكم الذي صدر على المحامي محمد رمضان في الإسكندرية، بمنعه من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي.

حسب حليم، هناك 25 متهماً على الأقل حُكم عليهم بقضاء مدة مراقبة بعد سجنهم في قضية التظاهر وحدها. بالإضافة إلى المحامي محمد رمضان بسبب كتابته منشورات معارضة للنظام على حسابه بفيسبوك.

اتهم محمد رمضان في أبريل/نيسان الماضي بإهانة رموز الدولة وإساءة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي والتحريض على أعمال عنف. وحكم على رمضان غيابياً بالسجن لمدة 10 سنوات، وبالمنع من مغادرة منزله أو دخول مواقع التواصل الاجتماعي لمدة 5 سنوات، وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب الذي أقرته السلطات في 2015.

تتشابه إجراءات المراقبة مع إجراءات التدابير الاحترازية التي باتت النيابة تفرضها في كثير من الأوقات على المخلى سبيلهم على ذمة التحقيقات، وتكون هذه الفترة قبل صدور الحكم، لكنها تلزم المتهم بالمرور على القسم والبقاء هناك لعدد ساعات معين يحدده قرار النيابة. ولا توجد إحصائية توضح عدد المرَاقبين أو المخلى سبيلهم بتدابير، وفقاً لحليم حنيش.

ضابط القسم: كل شيء بأمره!


يقع في سلطة قسم الشرطة أن يمنح الخاضعين للمراقبة إجازة من الحضور، أو أن يخفف عدد ساعات المراقبة، كما يقول علاء عبدالتواب محامي محمد عادل.

"الحكم الذي يصدره القضاء يكون بمراقبة الشخص لمدة معينة، لكنه لا يحدد معايير التنفيذ"، إذ يتولى القسم تحديد شكل المراقبة، هل هي يومية أو أسبوعية، وهل تتضمن الحجز في القسم لساعات معينة، أم تكون مجرد الحضور والتوقيع بتنفيذ المراقبة ثم الانصراف.

محمد عادل مثلاً، لم يستطع الحصول على إجازة على الإطلاق، إلا لمدة 24 ساعة فقط عندما اضطر لإجراء عملية جراحية، ورفض ضابط القسم منحه أكثر من ذلك.

يرى ماهر أن السلطات قررت تطبيق المراقبة بأسوأ شكل ممكن، إذ تحولت لحكم آخر بالحبس، حيث إن بإمكان الضابط تطبيق مراقبة منزلية، يبقى فيها المراقب في منزله، وتمر عليه قوة من الشرطة تتأكد من وجوده بشكل يومي.

ولا يقضي ماهر أو عادل فترة المراقبة بهدوء. يقول ماهر بأسى "عادة ما يستكثرون عليك أن تجلس في حالك، سيجدون شيئاً ليضايقوك به، ويمارسوا سلطاتهم على المراقبين كأنهم عبيد" في أحد الأيام، طلب من أحمد وباقي المُرَاقَبين أن ينظفوا القسم، وعندما رفضوا القيام بذلك صار باب غرفة المراقبة يغلق طوال الوقت. ويشتكي ماهر: "تحولت الغرفة إلى زنزانة حجز". ويضيف متذكراً "عندما تأخرت بسبب مرض والدتي، تعرضت للإهانة والاعتداء بالأيدي، وعندما قدمت شكوى لمأمور القسم، تجاهلني تماماً".

ولا يختلف وضع عادل كثيراً، إذ تعرّض لمضايقات الجنائيين الذين حرضهم القسم عليه، بحسب شخص مقرب من عادل رفض ذكر اسمه. العكس تماماً يحدث مع ماهر، فمنذ نقل إلى غرفة الجنائيين، بات الكل يمنع من اصطحاب الموبايل بعد أن كان دخوله شيئاً عادياً، ولا يسمح لهم بالتأخر في الحضور عن الساعة السادسة، وقد كان عادياً قبل ذلك أن يتأخروا لما بعد السابعة. يوضح ماهر "يبرر القسم هذه الإجراءات للمراقبين، بأن المقصود هو أحمد ماهر".

هل تكفيهم نصف حياة؟


عمل أحمد ماهر كمهندس مدني في إحدى الشركات الخاصة في السنوات التي سبقت سجنه، كان يومه يبدأ في الثامنة صباحاً، ويمتد إلى ما بعد منتصف الليل، بسبب انشغاله بعد إنهاء ساعات العمل بالشأن السياسي في مصر، بعد اندلاع ثورة يناير 2011، كان يوم أحمد أكثر ازدحاماً، بسبب التنسيق للفعاليات، التي لم تنقطع حتى 3 يوليو/تموز 2013، عندما أُغلق المجال العام تماماً.

اليوم، "ليس هناك ما أفعله سوى النوم" يقول ماهر، ويتابع: "لا وقت للذهاب إلى أي مكان، وفي المراقبة، لا إضاءة كافية، والمكان غير مناسب للقراءة أو الدرس، وغالباً ما أكون منهكاً، فأنام! عندما كنت في غرفة بمفردي، كنت أقرأ كثيراً، لكن كيف أفعل ذلك الآن في غرفة بها 12 شخصاً يصيحون ويتشاجرون ويمزحون، بالإضافة إلى الدخان الذي يملأ المكان".

لا يُسمح لعادل بإحضار هاتف نقال أو حاسب محمول لاستكمال عمله، أو للتواصل مع العالم الخارجي، وهو الأمر الذي يعاني منه ماهر كذلك.

يعمل محمد عادل كمبرمج حر، ولذلك فإن استخدامه الكمبيوتر أساسيّ لعمله، لكن عادل يضطر لجلب أوراق لكتابة الأكواد والخوارزميات التي يستخدمها في عمله، وهو ما ليس مجدياً على الإطلاق، حيث لا يمكنه اختبار ما يعمل عليه.

لكن خبرات عادل جلبت عليه بعض المتاعب أيضاً، ففي يوليو/تموز الماضي، استخدم المبرمج أداة بسيطة تقوم بنشر تقارير وأخبار ومنشورات في حساباته على مواقع التواصل، في نفس الوقت الذي يكون فيه متواجداً في القسم، وهو ما ضايق المسؤولين الذين قاموا بتحرير محضر خرق المراقبة ضده، حبس على إثر تلك الواقعة 4 أيام.

ورغم عدم وجود أي قوانين تمنع النشر على مواقع التواصل أثناء المراقبة، إلا أن الضباط لم يفهموا كيف يمكن لعادل أن يفعل ذلك أثناء احتجازه بدون هاتفه، وهو ما أثار حفيظتهم. "عندما يصل عادل إلى القسم، تجد الجنود والضباط يخفون هواتفهم بعيداً عنه، فهم يخشون مما يمكنه فعله!" يقول المصدر المقرب من عادل.

ولا يستطيع عادل اصطحاب أي كتاب سياسي، سوى بعض أوراق المناهج الدراسية، حيث التحق مع ماهر ببرنامج دراسي عن بُعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة مذ كانا في السجن.

"المقارنة بين السجن والمراقبة تكون بين السيئ والأسوأ" يعبر أحمد ماهر عن غضبه مشيراً إلى أنه على الرغم من انعزاله الكامل خلال فترة السجن، إلا أن مكان المراقبة أكثر قذارة من السجن، ووقعه أشد وطأة عليه!

يركز ماهر في حديثه على كونه غير محتجز أو مسجون، بل هو خاضع للمراقبة فقط، وهو الأمر الذي يفترض أن تكون ظروف تواجده في القسم مختلفة، ولا يخضع لكل هذه القيود.

المراقبة.. معاناة جماعية للعائلات


بالنسبة لعادل، فالأمر له بُعد آخر، الذهاب والعودة يومياً إلى القسم يضغط على الأسرة بشكل يوميّ، فعندما كان في السجن كانت الأسرة تذهب لزيارته كل أسبوع على الأكثر، أما الآن فهناك حالة استنفار تحدث في بيت أسرته مرتين يومياً، الأولى عند ذهابه، والأخرى في انتظار عودته.

يقيم عادل في قرية تبعد عن القسم عشر دقائق بالسيارة، ولذلك يقوم أحد أقاربه بتوصيله للذهاب إلى هناك بسيارته، لكن لا ينتظره أحد أثناء عودته في الصباح الباكر، ولذلك عندما غفا عادل في إحدى المرات بسبب إرهاقه في غرفة المراقبة وتأخر في العودة إلى منزله لساعة، بدأت أسرته في التواصل مع المحامي لاعتقادهم بأن مكروهاً قد حدث له في القسم.

أما ماهر، الأب لطفلين في العاشرة والسادسة، فلا يستطيع تفسير غيابه المطول لأطفاله سوى بظروف العمل، "عندما يريدون السفر، أضطر للسفر يومياً إليهم لأعود في المساء إلى قسم الشرطة".

فبسبب رفض القسم السماح بأي إجازات، كان على ماهر أن يسافر إلى الإسكندرية التي تبعد 220 كيلومتراً عن القاهرة كل يوم لمدة خمسة أيام، وفي مرة أخرى إلى العين السخنة التي تبعد 115 كيلومتراً عن القاهرة، فقط لكي يقضي ساعات قليلة كل يوم مع طفليه.

تتحمل زوجة ماهر العبء الأكبر في القيام على شؤون الأسرة، بجانب مراعاة الأولاد، تضطر للقيام بكل شيء في المساء بمفردها، ولا يكفي الوقت في النهار ليساعدها أحمد في كل الأمور، إذ إن وقته مقسم بين العمل، ومراعاة والدته المريضة، والاهتمام بزوجته وأولاده.

بعد ذهابه للقسم في أحد الأيام، تعرضت أغراض صيانة المطبخ التي اشتراها أحمد لمحاولة سرقة. ترك أحمد هذه المشتريات أمام المنزل حينما لم يجد وقتاً لنقلها لشقته، أو إحضار عمال للقيام بذلك. حزن أحمد لعدم وجوده بجوار أسرته وقت تعرضهم لهذا الموقف الذي لم يكن ليمر لولا حضور شقيق زوجته بالصدفة، بالإضافة إلى صراخ الجيران الذي أربك اللصوص ودفعهم لمغادرة المكان بسرعة.

لا مستقبل في الأفق


عندما تخرج أحمد ماهر في كلية الهندسة قبل 13 عاماً، بدأ عمله فوراً في شركة خاصة، لكن انشغاله بالسياسة، وارتباط اسمه بحركة 6 أبريل، يفزع أصحاب الأعمال الآن، إذ يخشى الجميع ارتباط شركاتهم باسم أحمد ماهر. "حتى هؤلاء الذين لا يلتفتون للسياسة، لن يقبل منهم أحد أن يوظف شخصاً سينهي العمل كل يوم عند الساعة الثالثة كي يعود إلى منزله ليقضي بعض الوقت مع أسرته قبل أن يعود للسجن في المساء!"

عادل، من جهته، لا يرى أمامه سوى الانتظار. إذ تعيقه المراقبة عن اتخاذ أي خطوات جادة في حياته، فالشاب الذي يبلغ من العمر 29 عاماً لم يتزوج بعد، ولا ينوي الإقدام على الارتباط في الفترة القادمة. "كيف يمكنك أن تعطي لأحد وقتاً لا تملكه؟".

يحاول عادل وماهر الاستمرار في حياتهما ما استطاعا إليها سبيلاً، لكن الأفق يبدو غائماً تماماً. يقول ماهر "لا يمكنني أن أقرر ما سأفعله بعد انتهاء فترة المراقبة، هل أسافر؟ كيف سأترك والدتي المريضة؟ الأمر أكثر تعقيداً مما تظن!"

علامات:
تحميل المزيد