اتّخذت السلطات المصرية، بشكل لافت وغير مسبوق، خلال 3 أسابيع، 7 إجراءات، ثلاثة منها في يوم واحد، مقابل إجراء سوادني واحد، بشأن مثلث حلايب وشلاتين الحدودي المتنازع عليه بين البلدين منذ سنوات.
وتنوعت الإجراءات المصرية، وفق رصد الأناضول، بين إعلان مصر التوجه بشكوى لمجلس الأمن ضد السودان، وبناء 100 منزل بحلايب، وبث لبرنامج تلفزيوني، بخلاف بث خطبة الجمعة من المنطقة المتنازع عليها، وإنشاء سد لتخزين مياه السيول، وميناء للصيد في "شلاتين"، فيما يعكس تكريساً للسيطرة المصرية القائمة بالفعل على المثلت الحدودي.
في المقابل، اتَّخذت السودان، التي اعتادت أن تقدم شكوى أممية سنوياً حول مثلث "حلايب وشلاتين"، إجراءً واحداً لافتاً بإعلانها عدم الاعتراف باتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية، مرجعة ذلك لمساسها بحق السودان في المثلث الحدودي، كونها اعترفت بحلايب ضمن الحدود المصرية.
تمصير مثلث حلايب
ويرى محلل بارز بالمركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية (غير حكومي مقره القاهرة)، أن مصر ستستمر في تلك الإجراءات لترسيخ "تمصير" المثلث، ولن تتراجع في ذلك، في مقابل سعي سوداني للبحث عن حل يرضيها، معتبراً في ذات الوقت أن الحديث عن حل ربما يبدو بعيداً حالياً في ظل خلافات ثنائية تعود لأمور بينها المثلث الحدودي وسد النهضة الإثيوبي.
وتطل منطقة "مثلث حلايب وشلاتين" على ساحل البحر الأحمر، وتقع على الطرف الجنوبي الشرقي من الجانب المصري، وعلى الطرف الشمالي الشرقي من الجانب السوداني، وتبلغ مساحتها الإجمالية 20.5 ألف كم².
ويطلق على هذه المنطقة اسم مثلث؛ نظراً لأنها تضم ثلاث بلدات كبرى هي "حلايب" و"أبوالرماد" و"شلاتين"، ويتوزع سكانها بين عدة قبائل من أصول سودانية، أشهرها "البشارية" و"العبابدة".
التسلسل الزمني للإجراءات المصرية
وكانت الإجراءات المصرية السبعة والإجراء السوداني بحسب التسلسل الزمني كالتالي:
9 ديسمبر/كانون الأول: إنشاء سد كبير
كشف سامح صقر رئيس قطاع المياه الجوفية بوزارة الموارد المائية والري المصرية، في تصريحات نقلتها الوكالة الرسمية المصرية للأنباء، أنه تمت معاينة موقع لإنشاء سد كبير في منطقة شلاتين بمحافظة البحر الأحمر (شرق)، لتخزين 7 ملايين متر مكعب من مياه السيول.
وأكد المسؤول المصري ذاته، أن هذا الإجراء "ضمن منظومة حصاد الاستفادة من مياه الأمطار والسيول، وتقليل المخاطر التي قد تنجم عنها"، وتكرّرت التصريحات ذاتها على مدار أيام تالية.
وبعد يوم من الإعلان المصري عن السد، أوضح رئيس كتلة نواب حلايب بالمجلس الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان السوداني)، أحمد عيسى عمر، أن هناك اتصالات بين المجلس ووزارة الخارجية السوادنية لتقصي أمر السد.
وأضاف في تصريحات وقتها "دائماً ما تحاول مصر إظهار تقديم الخدمات لمواطني المثلث لاستمالتهم إليها، لكن قبول المواطنين لتلك الخدمات لا يعني أنهم مصريون، ولن يغير من قضيتهم في إثبات سودانية المنطقة"، حسب قوله.
كما قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري والكهرباء السودانية محمد عبدالرحيم جاويش حينها في تصريحات: "قناعتنا أن أية منشآت سواء كانت سدوداً أو غيرها يتم تنفيذها في مناطق المثلث ستعود حتماً للسيادة السودانية".
20 ديسمبر/كانون الأول: شكوى سودانية
أعلنت وزارة الخارجية السودانية، في خطاب للأمم المتحدة رفض بلادها اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية لشموله حلايب.
وأرجعت الخرطوم هذا الإجراء إلى تضمين الاتفاقية تبعية مثلث حلايب المتنازع عليه مع السودان لمصر، بما يمس سيادة جمهورية السودان وحقوقها التاريخية على الحدود البرية والبحرية للمثلث.
واتفاقية تعيين الحدود، شملت إقراراً مصرياً رئاسياً في 24 يونيو/حزيران 2017، بأحقية السعودية في جزيرتي "تيران وصنافير" المطلتين على البحر الأحمر، اللتين كانتا تحت السيادة المصرية، دون دخول الاتفاقية حيز التنفيذ بعد، وسط رفض واسع من قطاعات من المصريين.
21 ديسمبر/كانون الأول: رد مصري
أعلنت الخارجية المصرية، أنها ستخاطب الأمم المتحدة، للتأكيد على مصرية المثلث الحدودي، دون تحديد موعد لذلك، رافضة ما وصفته بـ"مزاعم" السودان.
وتعتبر خطوة التوجه المصري للأمم المتحدة نادرة، بينما في بداية كل عام، درجت السودان على تجديد شكواها سنوياً أمام مجلس الأمن الدولي بشأن السيادة على المثلث.
26 ديسمبر/كانون الأول: 100 منزل لأهالي حلايب
أعلنت مصر، بناء 100 منزل متكامل لأهالي مدينة حلايب الحدودية، ذلك عقب اجتماع عقده الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مع رئيس المخابرات العامة خالد فوزي، ووزير الأوقاف محمد مختار جمعة.
26 ديسمبر/كانون الأول: برنامج تلفزيوني وإذاعي من المنطقة
أعلنت مصر اعتزامها بث برنامج تلفزيوني وإذاعي أسبوعي من منطقة حلايب وشلاتين الحدودية، وفق بيان الهيئة الوطنية للإعلام (أعلى جهاز إعلامي رسمي بمصر) دون توضيح موعده وطبيعته وآلية بثه.
26 ديسمبر/كانون الأول: خطبة لوزير الأوقاف المصري من شلاتين
نقل التلفزيون المصري شعائر صلاة الجمعة الماضي من حلايب، وألقى وزير الأوقاف مختار جمعة الخطبة من هناك، في سابقة هي الأولى من نوعها.
28 ديسمبر/كانون الأول: تسوية المواقف التجنيدية
أعلنت وزارة الدفاع المصرية عن إتمام تسوية للمواقف التجنيدية للشباب من أبناء مثلث حلايب وشلاتين، الذين تخلّفوا عن التجنيد حتى تجاوزوا سن "30 عاماً" وتسليمهم شهادات المعاملة التجنيدية الخاصة بهم.
30 ديسمبر/كانون الأول: ميناء صيد مصري بشلاتين
طالب أحمد عبدالله محافظ البحر الأحمر بسرعة الانتهاء من أعمال الإنشاءات بميناء الصيد بمدينة شلاتين خلال جولته بالمدينة، وفق بيان.
وكشف محافظ البحر الأحمر، أنه بنهاية عام 2018 ستتسلم كل أسر مدينة شلاتين وحدات سكنية.
تفاصيل أزمة السيادة
ومن آنٍ إلى آخر تشهد العلاقات بين البلدين توتراً بسبب النزاع على المثلث الحدودي، وموقف السودان من سد "النهضة" الإثيوبي، حيث تتهم القاهرة الخرطوم بدعم موقف أديس أبابا، وتخشى تأثير السد سلباً على حصة مصر من مياه نهر النيل، في مقابل نفيّ سوداني متكرر للاتهامات المصرية.
وإضافة إلى الخلافات بين الجارتين بشأن المثلث الحدودي وسد "النهضة"، تتهم السودان مصر بدعم متمردين سودانيين مناهضين لحكم الرئيس السوداني عمر البشير، وهو ما تنفيه القاهرة مراراً.
ورغم نزاع الجارتين على هذا المثلث الحدودي، منذ استقلال السودان، عام 1956، فإنه كان مفتوحاً أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين دون قيود حتى عام 1995، حين دخله الجيش المصري وأحكم سيطرته عليه، إثر محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق في أديس أبابا، حيث اتهمت القاهرة وقتها الخرطوم بالوقوف وراءها.
ومنذ ذلك الحين، يتم فتح ملف النزاع حول المنطقة بين الحين والآخر، حيث يطرح كل طرف الحجج والأسانيد القانونية التي يعتمد عليها في إثبات حقه في السيادة على هذه المنطقة.
وتعتمد مصر على اتفاق بين السودان وهيئة المساحة المصرية (حكومية) عام 1909، قام بمقتضاه الطرفان برسم خريطة للمنطقة، أشير فيها إلى الحدود السياسية، وفق دائرة عرض 22 شمالاً (خط الحدود بين البلدين)، بما يشمل تبعية حلايب لمصر، جنباً إلى جنب مع خط آخر اصطلح على تسميته بالحدود الإدارية، يضع حلايب تحت تبعية السودان.
ويعتمد الموقف المصري على فكرة أساسية، وهي أن السودان لم يكن يباشر إلا اختصاصات محددة في المناطق الواقعة إلى الشمال من خط عرض 22 شمالاً، وهي اختصاصات اقتضتها الضرورات العملية لتنظيم شؤون السكان على جانبي الحدود، وهذه الاختصاصات لم تصل إلى الدرجة التي تستحق معها أن تكتسب صفة أعمال السيادة.
بينما يقول السودان إنه على فرض أن التعديلات التي دخلت على خط الحدود كانت ذات صفة إدارية بحته، إلا أن قبول مصر لاستمرار السودان في إدارة هذه المناطق، وعدم الاعتراض على هذا الوضع طوال الفترة ما بين عامي 1899 (بداية الاحتلال الإنكليزي للسودان) و1958، يدل على أن مصر قد تنازلت عن حقوقها السيادية في هذه المناطق.
مستقبل النزاع
يرى المحلل المصري مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية (غير حكومي مقره القاهرة)، أن "ما يحدث في إطار المكايدة السياسية بين البلدين. السودان يقدم شكوى ضد مصر، فترد مصر بإحكام السيطرة على حلايب".
ويوضح في تصريحات للأناضول، أن "الخلاف بين مصر والسودان ليس متوقفاً على حلايب وشلاتين فقط، فهناك أزمة سد النهضة، حيث ترى مصر أن الجانب السوداني يميل لإثيوبيا".
وحول إمكانية حل الأزمة، يضيف غباشي: "هناك إصرار مصري على مصرية المثلث، ويكاد يكون تغيير ذلك الإصرار مستحيلاً، بينما السودان يتمسك بحل يرضيه، ويرفض التخلي عن حلايب، فيما يبدو إطار الحل الدبلوماسي صعباً بحكم ما وصل إليه الطرفان من مكايدة".