هل العرب متخلّفون؟

لن تستطيع الهروب من المقارنة، ستقارن نفسك مع شعوب العالم، فالانفتاح جعل ثقافة ونِتاج كل الأمم في متناول اليد، هاتفك الذي بين يديك الآن يحتّم عليك أن تقارن الذي صنعه بالذي يستخدمه، سيارتك التي ستعود بها إلى البيت أيضاً تقودك وأنت تقودها إلى سؤال: بمَ يختلف عنا صانعوها؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/31 الساعة 03:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/31 الساعة 03:52 بتوقيت غرينتش

لن تستطيع الهروب من المقارنة، ستقارن نفسك مع شعوب العالم، فالانفتاح جعل ثقافة ونِتاج كل الأمم في متناول اليد، هاتفك الذي بين يديك الآن يحتّم عليك أن تقارن الذي صنعه بالذي يستخدمه، سيارتك التي ستعود بها إلى البيت أيضاً تقودك وأنت تقودها إلى سؤال: بمَ يختلف عنا صانعوها؟

يشعر العربي بأنه دون شعوب العالم حين ينتهي من المقارنة، ثم يلوم حظه العاثر، وكأن تخلُّفه عن الأمم قضية جينات فُطر عليها وليس هناك سبيل للتخلص من التخلف الذي ولدته هذه الجينات، لكن الحقيقة لن يجرأ أي عالم أحياء على أن يقول إن هناك اختلافاً جينياً بين العرب وغيرهم من الأمم التي حققت شوطاً كبيراً في التقدم العلمي والتكنولوجي؛ لأن الحقائق العلمية ستخذله، فالتخلف ليس جينياً، لكن العقل البشري أيضاً ليس نِتاج نفسه فحسب، وإنما هو نِتاج البرمجة الاجتماعية والمحيط الذي يعيش فيه؛ لأنه -العقل العربي- جهاز يتطور كباقي الأمم، وليس صندوقاً مغلقاً فحسب.

إن أهم سبب يجعل العرب أمة متخلفة هو انغلاقها، فالمجتمعات العربية مجتمعات مغلقة فكرياً، سواء اعترفت بذلك أم لم تعترف، والانغلاق يعطل العقل ويقف حائلاً دون أي تطور، ولكن لهذا الانغلاق أسبابه، نزعم أننا نطرح بعضها الآن، فإن أحببت فتابِع القراءة، أو واصل الانغلاق.

الدين هو المتهم الجاهز دون أن تثبُت إدانته، بوصفه "المانع" من التطور، فيُتهم العرب بأنهم متخلِّفون لأنهم ما زالوا أسرى الدِّين، الذي يُدخلهم في دائرة الانعزال عن التطور، حينها تبدو قضية فصل الدين عن السياسة كأنها السلب الوحيد حتى يزدهر المجتمع ويتقدم كما الأمم ولا يكون العرب متخلفين.

السياسة بوصفها الحكم الفصل في التحكم بحياتنا، تلعب الدور الأكبر في تنظيم حياتنا؛ لأنها تمثل الدولة، لكن هل لك أن تذكر حالة واحدة كان فيها دمج بين الدين والسياسة وكان الدين هو الرابح من هذه العلاقة؟! لا، لا يوجد؛ لأن المستفيد من دمج الدين بالسياسة هو السياسة نفسها ليس الدين.

بل إن ما يحصل حقاً ليس دمجاً نابعاً من تقديس الدين وإعطائه السلطة لإدارة السياسة، ما يحصل هو تطويع الدين لخدمة السياسة، والتي هي في الأساس سياسة ديكتاتورية قمعية تهميشية، تسخّر كل ما يُتاح لخدمة الكرسي، فتسخر هذه الأنظمة السياسية الدين كي تُكسب هذه السياسة صفة القداسة، فيصبح الاعتراض عليها اعتراضاً على الله.

حينها، تبقى الشعوب ترزح تحت وطأة هذه النظم وتكون أداة للجم الشعب وحصر المال بيد الطغمة الحاكمة، فكيف يتطور شعب لم ينعتق بعدُ من قيوده، وما زالت العبودية تشكل طوقاً حول عنقه؟ بل العكس، لا بد للعرب من أن يكونوا متخلفين ما داموا في هذه البنية الاجتماعية

الإعلام، المنبر الذي يشرعن للسلطة ويحوّل أتفه إنجازاتها إلى مشاريع ضخمة، هو أيضاً يدفع عجلة التقدم إلى الوراء، أعني إلى الخلف، فهو ما زال محتكَراً بيد السلطة، سواء كانت سلطة شمولية أو دولة أحزاب، فإعلام دولة الحزب الواحد يمارس دوره للحزب الواحد، وإعلام دولة الأحزاب يسوّق للأحزاب.

ومن ثم، تم توزيع المهام فحسب، فبدلاً من محطة واحدة تنقل أخبار سيادته، يصبح هناك حزمة قنوات وصحف وحسابات في مواقع التواصل، تقنع الناس بأنها تُمطر، فيما يكون سيادته يبصق على مستقبل الشعوب.

لكن كيف لإعلام السلطة الديكتاتورية أن يكون تنويرياً يحتضن المبدعين والمخترعين؟ فهو مشغول بممارسة دوره التسطيحي التخديري، فيما جلالته وسيادته وسموه يتمتعون بمال الشعوب، ينتج عن هذا الإعلام الذي ينقل الفراغ المحشوّ باللاشيء شرعنة للطغيان السياسي وممارسة للانغلاق الثقافي، وهذه قاتلة للإبداع والاختراع والاكتشاف، حينها يتحول العرب إلى متخلفين.

إن إعلام السلطة وُجد أصلاً ليلمع صورة السلطة بالدرجة الأساس، وليس لتوعية الشعب، كما أنه ليس من مصلحة إعلام السلطة أن يلعب دور الإعلام؛ لأن الحقيقة تجعل الشعب يفيق من سباته العميق فينتفض على هذه السلطة، لذا تجده تجهيلاً لا إعلاماً.

إن لشعور الدونية لدى الفرد العادي تأثيراً سلبياً، يجعل التخلف ينساب بطريقة التشرب التلقائي والتنشئة العفوية، ما يعطي مفعولاً يجعل الناس يشعرون بأنهم حقاً متخلفون.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد