بعد قتالٍ ومعاركَ وضحايا ونازحين بالآلاف، استمرَّت 3 سنوات، ها هي حكاية داعش انتهت، ليُسدل الستار أخيراً على واحدة من أعنف مظاهر الإرهاب في تاريخ البشرية، مارستْ القتلَ والتعذيب، ولاقت ترحيباً هائلاً من مجتمعات لا تضخّ سوى الكراهية، وربما تكشف أيضاً أننا قد ندخل إلى مرحلة جديدة من العنف، تعقب مرحلة داعش، لكن بصيغ وأشكال جديدة.
وعلى الرغم من أن غالبيةً هائلةً من الشعب العراقي، ستعتقد أن الحكاية ستنتهي هنا، وأن الحرب ستضع أوزارها، لتبدأ فصلاً جديداً من الازدهار والانتعاش، بلا إرهاب، ولا قتل، ولا تفجيرات، ولا أي شيء، إلا أنهم لا يتذكرون كثيراً كلَّ تلك القصص عن الفساد والرشاوى والابتزاز واستغلال المنصب، وكل ما يمكنك أن تتوقعه في بلاد غابت عنها القيم الإنسانية والأخلاقية.
يتفق العراقيون بنسبة كبيرة منهم، على أن الفساد والمحاصصة، وعدم إدارة الدولة بشكل صحيح، وتوزيع المناصب على أساس حزبي وطائفي، بلا مهنية أو كفاءة، وانتشار مظاهر الرشوة في الأجهزة الأمنية، والخطاب الديني والسياسي المتشنّج والعدائي، كانت أبرز أسباب ظهور الأفكار والتنظيمات المتطرفة، ولاحقاً تحولت إلى تنظيمات إرهابية، وانتهاء بداعش.
تبقى هناك أسئلة كبيرة وهائلة تتعلق بالحياة ما بعد داعش، وهي كيف يمكن ردم الصدع الذي خلّفه الإرهاب بالمجتمعات والمدن التي ظهر فيها، كيف ستكون قصة النسيج الاجتماعي، كيف تستطيع الأقليات أن تتعايش مع الأغلبية ذات الانتماء الديني الواحد، وأن تحافظ على كيانها ووجودها الديني والإثني، دون أن تتعرض إلى انتكاسة جديدة، تزهق فيها الأرواح مرة أخرى.
كيف يمكن إعادة المجتمعات للحياة في تلك الأماكن، ما شكل الخطاب الذي سيكون دافعاً معنوياً لإعادة الناس هناك دون أن يخافوا من بعضهم البعض، هل سيكون هناك خطاب وطني يدعو لنبذ الكراهية، أم أن الخطاب الديني سيكون حاضراً حتى لو كان معتدلاً، فالناس هناك يخشون من الدين، بسبب ما حصل لهم.
سنوات طويلة والمنظومة الأمنية تترهل بفعل الفساد، والمحاصصة، وتوزيع المناصب، ونخر الفساد الأجهزة الأمنية والاستخبارية حتى بان كل شيء، وتحوّلت تلك الأجهزة إلى مصدر صراع وإسقاط في البرلمان والحكومة والمحللين السياسيين ومشروع استهداف مستمر، كانت النتيجة أن تكون مؤسسات خاوية لا تستطيع أن تحل مشكلة واحدة.
هذا الترهل كان الضربة القاضية التي تلقاها العراق في الخاصرة، كيف تضع فاشلين في أكثر الأجهزة الحساسة، والجميع يعرف أن عماد حفظ النظام في أي دولة بالعالم يعتمد على قوتها الاستخبارية، فهي الرجل الخفي والمتواجد في كل الأماكن، ويعرف كلَّ ما يجري بالبلاد، كان من المفترض أن تكون أجهزة عابرة للمحاصصة والطائفية والمساومات، أجهزة لا تخضع إلى حزب أو كيان سياسي، أو تدين بالولاء لأي جهة غير الولاء للبلد.
لم نتعلم من التجارب العالمية والحروب التي حصلت، كيف كان العالم يقوم على أساس الاستخبارات، ورأينا كيف أن تلك الدول استطاعت أن تحافظ على نفسها، وقويت أجهزتها الأمنية بشكل لافت، وصارت لديها تجربة كبيرة بهذا المجال، أيضاً لم نتعلم من صدّام كيف استطاع أن يخلق جهازاً استخبارياً قوياً، نستثني منه بالتأكيد القمع الذي مارسه، لكن الآلية والعمل الذي قام به.
المطلوب اليوم هو أن يكون هناك تحديث أمني، وجرد واسع للأجهزة الأمنية، وبالذات الأجهزة الاستخبارية، هذا إن كنّا نسعى لبناء البلد، وعدم إفساح أي مجال، وإغلاق كل الثغرات الأمنية التي يعاني منها العراق طوال سنوات التغيير وحتى هذه اللحظة، بفعل الإرهاب والفساد، وعدم تحول الأجهزة الاستخبارية لوظيفة فقط، بلا إنجاز أو كفاءة.
الأخطر من تنظيم داعش، هو أن تترك تلك الأجهزة تتلاعب بها الأحزاب وتحولها إلى ممرات فارهة لها، تمرّر من خلالها كل أجنداتها، من أجل المحاصصة وتقسيم النفوذ، يحتاج ذلك بشكل واسع لموقف كبير من قبل صنّاع القرار في العراق، وألا نعود مرة أخرى إلى الوراء، وظهور تنظيمات إرهابية جديدة تأخذ منا سنوات طويلة لكي تستنزف كل شيء فينا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.