صار المواطن السوري يتساءل، وبكل جرأة، بعد أن عرف الحقيقة، وتجاوز حواجز الوهم التي صاحبته وعايشها، خلال السنوات السبع العجاف التي عاش معها في ظل الظروف القاسية: ما هو السرّ وراء إلغاء وجود الهوية السورية التي كانت، وإلى وقتٍ قريب تتجلى بالكثير من المقوّمات والصور التي بات يُدركها المواطن العربي وفي كل مكان من هذه المعمورة؟!
وفي هذا، فإنَّ هذه الأخطاء المقصودة أريد منها أن تُلفت وجهة نظر، أو تُحقّق مأرباً بالنسبة للمواطن السوري الذي تحمّل الكثير، وبلع أياماً من الفاقة والصمت، وتكميم الأفواه والإبعاد وجَور القائد، وسخط الحكومة الفاسدة، والذل والخنوع، ومراحل الشتات التي أنهكت كاهله، وبعد ذلك، يقول البعض من المنتفعين: إنَّ هذا الخطأ غير مقصود، وإنما مجرد فقاعات يقصد منها الإيقاع بالآخرين!
وفي بلاد العم سام، التي سبق أن زُرتها في أكثر من مرّة، ترى أشخاصاً، لأول مرّة، وبعد أن يتمّ التعارف بينك وبينهم، وتربطك بهم علاقات مشوبة بكثير من الود، وأيام من الصداقة. ومع مرور الوقت، وقد يضطرّك الموقف لقاء ذاك الشخص مجدداً، في مكان ما، إلاّ أنه يُحاول إلغاء وجودك، وكأنه لم يسبق أن التقى بك من قبل، ما يعني إلغاء هويتك، وحتى السلام والتحية يبخل بهما عليك، وإذا حاولت الإجابة عن هذا التصرّف البغيض، تتساءل: ما هي هذه الأخلاق التي تربّوا عليها، هنا، في الولايات المتحدة؟!
والأنكى من ذلك، أنَّ هؤلاء هم من أصل عربي، وُلدوا في أميركا، وتطبّعوا بطبائع أهلها، وهذا التصرّف، أكثر ما يثير لديك بذرات ضيق، ويعود بالذاكرة إلى أن تعيد حساباتك حيال أمثال هؤلاء الذين يحملون الهوية، ويدّعون أنهم متأمركون، ولكن، ومع الأسف، تستخفّ من تصرفاتهم التي كرّست الكثير من اللامبالاة والأستذة الكاذبة!
فأيّ أصل عربي يتغنّون به، ما دام أنه لا يعنيهم السلام كمبدأ، ولا بالمصافحة العربية، التي تعلّمناها التزاماً، وإنما يكتفون بالإشارة، وعن بُعد، وغالباً ما يلعنون العروبة التي يعود مرجعهم إليها، وهذا ما جعلهم مندمجين في الولايات المتحدة، مع الأميركان، متخلّين عن دينهم وطبائعهم، وحتى في طريقة اللباس الذي يرتدون، والتغيرات الكثيرة التي طرأت على شخصيتهم، وندرة منهم ما زالوا ملتزمين بمبدأ الهوية العربية، والحفاظ عليها، وهم كثر أيضاً!
وهناك الكثير من الإخوة العرب الذين التقيت بهم، في لويزيانا، التي عشت فيها بعض الوقت، أو في غيرها من الولايات الأميركية والدول الأوروبية التي احتضنت كماً هائلاً من اللاجئين، وكان همّهم الأول والأخير، السؤال عن أحوال السوريين، وكيف يعيشون؟ وما هو مصيرهم الآن بعد أن تكشّفت لهم الكثير من المسائل حول فحوى المؤامرة التي تسوقها الدول الكبرى للقضاء على كل ما هو جميل في سوريا الحضارة، سوريا الإنسان والتاريخ؟ بالإضافة لبعض الدول العربية ومشايخها الذين كانوا أوّل من رفع الحربة في وجه إخوتهم السوريين، وها هم اليوم صاروا أول المناهضين لهم!
وإذا ما حاولنا العودة إلى ما خلّفته الحرب القائمة في سوريا، اليوم، فإن ذلك يحتاج إلى وقفة طويلة ومتأنية. هناك الكثير من المآسي، فقد شردت وقتلت، ودمّرت آلاف المنازل السكنية، وعشرات الآلاف من المحال التجارية، وكل ما هو مرسوم في ذاكرة أهلها الطيبين البسطاء!
ومن بين هؤلاء، يُواجهك بالمصير المحتوم، ويتساءَل عن النهاية المحتملة لكل ما يجري، وكأن ما يحدث هناك، يعتب عليهم، أو يهمهم أمره، وإنما يبقى مجرد حديث عابر!
بالطبع، تساؤلاتهم هذه، من باب التسلية أولاً، وضياع الوقت الطويل القاتل، هنا، في الولايات المتحدة، وخاصةً بالنسبة لأصحاب المحال التجارية، المالكين والمستثمرين لها، أما بالنسبة للعمّال الصغار، فلا حول ولا قوّة لهم، ومصيرهم، وإن كانوا من طينة إخوتهم السوريين، إلاّ أنَّ السؤال الذي ظل حاضراً: ما الفائدة التي يرجونها من كل ما يحصل، ويدور؟!
وان كانت نيّات البعض، من هؤلاء العرب المتأمركين، تخلو من الغل تجاه إخوتهم السوريين، إلاّ أنَّ أسئلتهم فيها إحراج كبير لذاك المستمع، والذي بات يفضّل السكوت عوضاً عن الحل الذي بقي مجرد تساؤل!
المشكلة صارت أكبر من أي ظن، والاكتفاء بالصمت، وتغيير مجرى الحديث؛ لأن المعنى الشامل لهذه الثورة لم نفهم منه شيئاً، فالمتضرّر الوحيد منها الشعب السوري أولاً، الذي فقد كل شيء، وحُرم من أساسيات الحياة والأمان، ناهيك عن الغلاء الفاحش الذي أصاب الناس في مقتل!
ومن بين هؤلاء، من استلّ رمحاً، أو سيفاً، أو حتى بندقية ومدفعاً، ويدفع بنفسه لمقاتلة أهلنا في سوريا، وكأنه يعلم من أي الفريقين على حق؟
ومنهم مَن يؤيد فريقاً على آخر، ويبدي رغبةً في تزكية الموقف، ناذراً لوجه الله تعالى، ذبح عددٍ من الخراف، وعلى حسابه الشخصي، في حال تغلب الفريق المنافس على الفريق الأضعف.. والهدف، هو خلق مبدأ الغلبة، ومن أي الأطراف تعرف ذلك.
وهذا كله مجرد إرضاء نزواتهم، على حساب المواطن السوري الذي تحمّل وخسر وما زال الكثير، وصار في شتات قسري لا يعرفُ له مصيراً، ما ألزمه الخوف من المستقبل، تاركاً خلفه ذكريات وأحبّة، ودياره التي أصابها الدمار والخراب ما اضطره إلى اللجوء والهجرة التي أحكمت مصيره، وها هو اليوم تحول إلى مجرد نقطة في آخر السطر!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.