في العراق.. صوت الانتخاب مفقود!

الفساد كان عاملا مهماً في سقوط المدن بيد الدواعش ، وسيكون عاملاً آخر في تحريف الانتخابات.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/25 الساعة 04:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/25 الساعة 04:09 بتوقيت غرينتش

يؤكد رئيس الوزراء السابق ومن ورائه حزب الدعوة ودولة القانون المزعومة إجراء الانتخابات في موعدها، وهم يعتقدون على الأرجح أنهم سيفوزون بالانتخابات القادمة بالتزوير كما حصل في المرة السابقة، وهم ما زالوا يطرحون نفس النغمة السابقة، التي تسلقوا من خلالها على سلم السلطة، نتيجة خداع المواطنين.

وإذا كانوا يعتقدون أن الخطاب الطائفي سيكون دوماً بديلاً عن الخدمات المقدمة للمواطنين أو بديلاً عن محاكمتهم نتيجة الفساد الذي عمموه خلال فترة حكمهم العجاف فهم واهمون؛ لأن الانتخابات لن تجرى إذا لم تتوفر الشروط والظروف الموضوعية لإجرائها، وهي على أقل تقدير تمكين المواطنين، كل المواطنين، من الانتخاب، مع ضمان عدم تزويرها.

إن وجود ملايين النازحين من مدنهم وسكناهم في المخيمات، سيحول دون توفر هذه الشروط لإجرائها، واذا كان هناك تحالف سابق بين حزب الدعوة وقيادات كردية لتقاسم أرض وثروات العراق، فإن هذا التحالف قد انقضى، وبالتالي فإن المؤامرات التي حيكت على أبناء الشعب العراقي لن تمر مثلما مرت في السنوات السابقة، وإن خطط التغيير الديموغرافي الجارية اليوم بحجة تطهير المدن من الدواعش وعدم إعادة المهجرين إلى بيوتهم لن تؤدي إلى أي نتيجة اللهم إلا تعذيب أبناء البلد الواحد، وإن بقاءهم في المخيمات سيحول دون مشاركتهم مشاركة فعالة في الاقتراع، كما سيسهل تزوير إرادتهم والتحكم بأصوات الناخبين.

ولعل من أخطر المشاكل التي تواجه العملية الانتخابية إضافة إلى ما ذكرنا، وجود ميليشيات مسلحة تملأ الشوارع في كل أرجاء العراق، وهذه الميليشيات تتبع أحزاباً وكتلاً سياسية إضافة إلى المافيات التي نشأت نتيجة الفساد الإداري الذي جرى سابقاً وما زال.

إن تواجد هذه العناصر المسلحة في المراكز الانتخابية وحولها سوف يحول دون تحقيق الممارسة الديمقراطية المرجوة من الانتخابات نتيجة التهديد بالسلاح أو التلاعب بصناديق الاقتراع كما جرى سابقاً وعلى رؤوس الأشهاد.

كما أن الوضع الاستثنائي الذي يعيشه إقليم كردستان وتشتت كتله وأحزابه وقياداته وخلافاتهم مع بعضهم البعض ومع الحكومة المركزية والتي قد تصل إلى حد الانسحاب مما يسمى بالعملية السياسية أو مقاطعة الانتخابات ستكون واحداً من أهم المحددات للعملية الانتخابية أيضاً.

إن إصرار رئيس حزب الدعوة على إجراء الانتخابات في موعدها بحجة المحافظة على العملية السياسية يقصد منها المحافظة على المحاصصة الطائفية، التي يعتاش عليها هو ومن ائتلف معه في دولة القانون، وحتى المجلس الأعلى الذي انشطر إلى حزبين وطرح التسوية التاريخية التي ماتت في مهدها، يعزف على نفس النغمة.

إن كل هذه المحاولات تجري بهدف بقاء نفوذهم وفساد أحزابهم التي لم يلمس الشعب العراقي من خلال حكمهم أي تحسن في البنية الاجتماعية أو الاقتصادية على مدى السنوات الأربع عشرة العجاف الماضية.

وما وجودهم في السلطة الآن إلا نتيجة لعمليات التزوير التي لم يشهد لها العراق مثيلاً، وقد تم رصد مئات الألوف من الأسماء الوهمية في أقضية ونواحي البصرة الآن عند تحديث سجلات الناخبين، وهذا مثال واحد يثبت الطيف الواسع من عمليات التزوير التي أوصلت حزب الدعوة ورئيسه إلى سدة الحكم، والتي شملت كل أرجاء العراق شمالاً وجنوباً بلا استثناء.

ومن وراء هذا الجوق الطائفي يقف جوق طائفي آخر انتهازي وطفيلي يعتاش على فتات الموائد المحاصصية لما يسمى بالعملية السياسية، فرئيس البرلمان حاول الظهور بمظهر مدني وهو يغادر الحزب الإسلامي، والإخوة الأعداء ينظمون مؤتمرات في عمان وإسطنبول لتشكيل تحالفات طائفية طفيلية أخرى هدفها تلميع صورهم السوداء أمام ناخبيهم وهم يعلمون سلفاً أنهم منبوذون منذ أمد بعيد، وليس بسبب نهبهم لأموال المهجرين والأموال المخصصة لإعادة البنى التحتية لمدنهم المهدمة فقط، بل ولتجاهلهم مطالب أبناء جلدتهم من المحافظات المنكوبة.

وفوق كل هذا وذاك، فإن الفساد المستشري سيكون عائقاً آخر أمام انتخابات سليمة ونظيفة؛ حيث سيتم توظيف المال السياسي الحرام في حرف إرادة الناخبين من خلال الرشى والعطايا؛ لذلك نرى السيد رئيس الوزراء قد أعطى الأولوية في محاربة الفساد في مرحلة ما بعد داعش، فالفساد كان عاملا مهماً في سقوط المدن بيد الدواعش ، وسيكون عاملاً آخر في تحريف الانتخابات.

إن ممثل الأمم المتحدة في العراق السيد كوبيتش يعتقد أن عدم عودة النازحين إلى مدنهم سيكون عائقاً كبيراً في إجراء انتخابات حقيقية ونزيهة.

وبعد كل هذا هل هناك رجل رشيد يطالب بإجراء الانتخابات في ظل هذه الأجواء غير الطبيعية والمنافية لأبسط حقوق المواطنة، ويتوقع تغييراً بالعملية السياسية نحو الأحسن.

يقول أينشتاين: الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة.

إن الأمر يتطلب إعادة النظر بالإدارة الحكومية في العراق بصورة جذرية وإنهاء، المحاصصة الطائفية والعنصرية، والقضاء على آفة الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة، خصوصاً أننا في هذه المرحلة بحاجة إلى التقاط الأنفاس بعد نزيف الدم الذي رافق تطهير أراضينا من رجس الدواعش أعداء الله والإنسانية، إضافة إلى ترتيب البيت الداخلي العربي والكردي، وإعادة النازحين والمهجرين إلى مدنهم، ومن ثم يصار إلى تعديل الدستور بما يضمن عدم جواز تأسيس أحزاب طائفية أو إثنية مع تجريم الدعوات والتكتلات الفئوية والعنصرية، وإزالة كل ما يشير إلى أن العراق مكونات، فالعراق شعب واحد لا يقبل التقسيم بأي حال من الأحوال.

عندئذ فقط يمكن إجراء انتخابات يتوفر فيها الحد الأدنى من النجاح وتمثيل كل قطاعات الشعب تمثيلاً أقرب إلى الصواب.

إن الانتخابات وسيلة ديمقراطية وهي ليست هدفاً بحد ذاته، ولا يمكن القبول بانتخابات بأي ثمن، حتى ولو كانت بالضد من إرادة الناخبين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد