الحكم الأميركي بالديمقراطية لأجل الصهيونية “4”

‎أميركا لا تدعم مفهوم الديمقراطية بمعناها السياسي في شعوبنا، بل بتأييد موجه للسيطرة بالشكل الذي يوافق مصالحها في منطقتنا بكل ما تحملها من خيرات، والأهم من هذا كله القيام بحراسة الصهيونية بالطريقة المناسبة، ‎مقدمة لإسرائيل خدمات جليلة مخلصة في الخيانة للأسف لا متناهية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/21 الساعة 02:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/21 الساعة 02:16 بتوقيت غرينتش

‎على مر تاريخ الولايات المتحدة الأميركية تنوعت شخصيات رؤسائها، واختلفت مواقفهم تجاه القضية الفلسطينية؛ تارة محايدة، وتارات أُخرى كثيرة تشابهت في دعمها للصهيونية.

‎لكن الشيء الذي اجتمعوا عليه منذ نشأتها وحتى أن أصبحت أكبر وأقوى قوّة في العالم المناداة بالديمقراطية، وهي حكم الشعب بالشعب لأجل الشعب.

‎فيا لهذه الديمقراطية التي جعلت من أميركا هدية السماء للعالم!

‎لكن السؤال هنا: لمن بالتحديد في هذا العالم؟ وهل نحن مشمولون فيه؟!

‎الغرب يُسمَّي عالمنا العربي (دول العالم الثالث)، ‎وهذا يعني أن هناك عالمين آخرين غيرنا ونحن نوع ثالث منه، ‎فهل أسست أميركا الديمقراطية في عالَمين قبلنا وانتهت منهما وجاء الدور علينا؟!

‎يشهد عالمنا العربي نزاعات مستمرة فما إن ينتهي نزاع، يظهر آخر.. وكأننا لن يُكتب لنا الاستقرار والعيش بسلام كما تنادي بذلك أميركا.

‎هذه النزاعات بدأت بحدود سايكس بيكو، واستقرت في استمرارها بوعد بلفور واحتلال اليهود فلسطين وانتهاك مقدساتها، فأصبحت دولة إسرائيل هي المسمار الذي يُدق دائماً في نعش عروبتنا وإسلامنا وكرامتنا.

‎فمن هو الذي يستمر بضرب هذا المسمار في عالمنا العربي والإسلامي؟ ومتى سيستقر ليصبح جزءاً منّا؟
‎إنه الغرب.. ‎وبضربة قاضية من الرئيس الخامس والأربعين لأميركا (دونالد ترامب)، ‎قالها سابقاً ووعد بها في حملته الانتخابية ووفّى بوعوده، فأعلن أن القدس عاصمة لإسرائيل وحدها، ‎وسبق ووعد ونفّذ أيضاً في منع مواطني 6 دول مسلمة من دخول ‎أراضي الولايات.

‎ومع ذلك ذهب هو لدولة عربية مسلمة وحلب منها (كما شبّه هو نفسه هذا التشبيه) مئات المليارات من الدولارات.

‎بعد مائة عام على وعد بلفور جاء وعد ترامب، فأعطى ما لا يملك لمن لا يستحق.

‎والوعود ليست جديدة، ‎لكننا لا ندرك ذلك أو نتظاهر بالغباء، وهذا أقبح من ذاك.

‎كان اتفاق أوسلو (1993م) هو البداية؛ حيث تم الاعتراف بإسرائيل دولة لها حدود اغتصبتها، وشملت الجزء الغربي من القدس، ‎لكن اليهود عندما أدركوا أنهم وصلوا لهذه المرحلة، فهموا جيداً أن بإمكانهم الوصول لأبعد منها.

‎فبعد ذلك بسنتين (1995م) قام في الكونغرس الأميركي إجماع على أن القدس بكاملها هي عاصمة لدولة إسرائيل.

‎كل هذا على مرأى ومسمع كل الدول العربية التي تدّعي وقوفها ضد الاحتلال، وتستمد شرعية بقائها على رأس السلطات بهذا النفاق المبدئي، ‎فَلَو كانوا صادقين لما وافقوا بداية على أوسلو، ولم يتجاهلوا إجماع الكونغرس.

‎اليوم أعلنها صراحة، وقال بملء فيه: (تأخرنا كثيراً) وصدق، ‎فالدعم الأميركي لإسرائيل قديم، ويفترض أن الإعلان يكون قديماً بقِدم الدعم.

‎لكن لم يكن لأحد من الرؤساء الأميركيين أن يجرؤ على ما فعله ترامب، ليس لأنه شجاع، بل لأننا في وهن وضعف لم يسبق له مثيل، وبخيانة جريئة.

قالت صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية: "ترامب لم يكن ليقدم على قراره بشأن القدس لولا دعم حكام المنطقة".

القدس لم يأكلها الذئب، بل ألقاها إخوتها في الجب، ثم جاءوا يبكون.

‎صرّح (بوش) بأن مجرم الحرب بكل المقاييس (شارون) رجل سلام وكأنه بصق على حياة الفلسطينيين الأبرياء ويشوه أرضهم التي ضاعت وخُرِّبت بواسطة شارون وجيشه الصفيق.

‎وتستمر الولايات المتحدة الأميركية بدعمها لإسرائيل وهي التي تهزأ بـ64 قانوناً دولياً على الأقل بشكل يومي منذ أكثر من نصف قرن.

‎والمدهش أكثر أن بوش قال: إسرائيل هي النموذج المثالي للديمقراطية.

‎الديمقراطية التي سمّاها القذافي يوماً: (ديمو كراسي)، ‎واستهزأ به مَن سمعه من حكام وشعوب، ‎فهم لم يفهموا ما أراد قوله، والرجل صدق باستيعابه للديمقراطية، وهو كذوب، ‎وأخطأ مَن ظنّ أنه مجنون.

‎أميركا لا تدعم مفهوم الديمقراطية بمعناها السياسي في شعوبنا، بل بتأييد موجه للسيطرة بالشكل الذي يوافق مصالحها في منطقتنا بكل ما تحملها من خيرات، والأهم من هذا كله القيام بحراسة الصهيونية بالطريقة المناسبة، ‎مقدمة لإسرائيل خدمات جليلة مخلصة في الخيانة للأسف لا متناهية.

‎الذي جَدَّ في الأمر أن هذا الإعلان جاء تعرية للدور الأميركي الذي لطالما ادّعته، وأنهى كل مساعي السلام التي كانت تزعم أنها تقودها.

وإن العمالة كانت خفية فيما سبق.. الآن هي على الملأ، فقد صرح نتنياهو بأن علاقة دولته المزعومة قوية ووثيقة مع دول عربية سُنّية، لكن الدول العربية التي لم يسمّها يخجلون من الاعتراف والجهر بهذه الخيانات الواضحة.

‎لا تحاول نقض هذه الحقائق بالتصريحات العربية أو الغربية، التي جاءت بعد إعلان ترامب، ‎فما هي إلا مخدر مؤقت يمتص غضب الشعوب العربية لثنيهم عن التحرّك والثورة على هذا الاغتصاب المعلن ليس إلّا.

‎نهايةً.. الأمر بدايةً وانتهاءً بيد الشعوب، ‎فهذا كله يُثبت ما هو مُثبت أصلاً، فلا مجال هنا للراكضين خلف السراب؛ ‎فما قام به ترامب ليس تهوراً منه، بل قناعات باتت تحرك سياسات أمثاله.

‎إن القدس عاصمة العرب والمسلمين الروحية، ‎وعلى الشعوب جميعها أن تعي جيداً بأنه لا أحد يمثّلها في هذه القرارات المصيرية، فهي وحدها التي تستطيع أن تنتصر لقضيتها.

وبعد هذا كله.. إذا مر ما أُعلن عنه مروراً كسابقه، فسنشهد (صفقة القرن) التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من واقعنا المفروض علينا، وهم يرقبون المشهد الشعبوي الآن؛ كي يحددوا الوقت المناسب لتطبيقها بوقاحات مستمرِّة.. في أحلك أيام القضيَّة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
* ‎مصدر: ‎خيانة المثقفين، إدوارد سعيد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد