أنثى ولدت من رحم الثورة!

هذهِ الأنثى لم تعرف عن الدلال سوى ساعة النصر، كان شعور النصر أجمل ما يحصل بالنسبةِ لها، ونشوة الحق حين يعلو صوتهُ وتقام مراسيمهُ وأمام أعين الجميع تُتلى كلماتهُ هو بهجة أفراحها وساعة عُرسها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/21 الساعة 02:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/21 الساعة 02:18 بتوقيت غرينتش

ما معنى أن تعيشي وتكبري وتزهر طفولتكِ ثم شبابكِ في بيئة تنشط فيها الحروب والثورات والانتفاضات، وتسقط فيها حكومات وتتبدل فيها أنظمة ويتنازل فيها ديكتاتور عن عرشه، ويحكم الشعب نفسه، وتقيم ثورات وثورات، وتتحول الثورة لانقلاب، وينقلب الانقلاب على شعب ليقدم الناس أرواحهم فداء الوطن، وتتوالى التضحيات، وتنقلب البطولات على الشهداء الذين سفكت دماؤهم في سبيل أن تنتصر الثورة!

ويصبح البطل هو من أخرس آخر أنفاس الحق، وصوب أربع رصاصات في وجه تلك الفتاة التي تزينت بالأبيض، وكأنها تعلم بأن عُرسها شهيدة في إحدى أكبر ساحات الحرية في أرض أجدادها؛ لتكون قريباً من الحلم، حتى وإن كانت بعيدة.

ويؤسفنا القول بأن قاتلها هو أخوها بالدم والعقيدة!
ما معنى أن تقفي شاهدة ومتابعة بأم عينيكِ على حادثة قتل صديقتكِ المقربة، وتعتقل الأخرى بتهمة ملفقة، ويقتاد أخوك للمعتقل ويعترف تحت التعذيب بأنه قام بجرائم قتل وتآمر وتخابر أقل ما يمكن القول عنها إنها أقرب للخيال من الواقع؟!

لا معنى لذلك سوى أن أثر الثورة سيبقى مزروعاً فيكِ بذورهُ تسكنكِ ولا توجد قوة قادرة على انتزاعُ منكِ، هو يكبر وينمو في روحكِ وعقلكِ.

هو عقيدتكِ، تاريخكِ، تراثكِ، وأصلكِ، أنتِ منهُ وفيهِ، وهو منكِ.

ستنجبين ثورة وتتزوجين حبيباً ثورياً، ولا ترضي بالذل ولا الهوان حتى الرمق الآخير لكِ في الحياة.

سيحاولون ويحَلقون لإسقاطكِ مراراً وتكراراً في كل حقيقة تثبتين فيها أن الحق أنتِ، والله معكِ، إلى جانبكِ مهما عكست الأدوار وكان القرار رهن السلاح، وفي حضرة السلاح يكون الظلم للظالم حلالاً ومُباحاً.

إن وقفتِ ذات نهار في قفص الاتهام بذنب أخفوهُ عنكِ وألصقوا خطيئة الظلم باسمكِ بمسميات متعددة كمتهمة، إرهابية، مجرمة، ربما يقيدون حركتكِ وتحركاتكِ وخطواتكِ، يحجبون نور الشمس عنكِ، وضياء القمر لا يسمحون لهُ أن يزين ظلمتكِ، لكنهم لن يستطيعوا أبداً أن يطفئوا النهار الساطع في عقلكِ، وضياء الإيمان بالقضية الأبدية في روحكِ.

أنتِ تلك الفراشة التي تدخل أكثر المعارك شراسة وتخرج منها من دون خدش، هكذا كبرتِ وكَبرت معكِ تلك الأحلام، تعلمتِ أن تحملي في يمينكِ القلم وإن كان على يساركِ هنالكِ جبالٌ من الصبر والألم، بغياب الأب كنتِ أباً، وبغياب الأم أصبحت بالفطرة أماً، وأخذتِ على عاتقكِ كل مأساة وضعتها الحياة في طريقكِ رغماً عنكِ، تارة أنتِ أخ يعتمد عليهِ، وتارةٍ آخرى تصبحين أحن أخت.

هذهِ الأنثى في البلاد العربية ليست تلك الأيقونة المدججة بالألوان والإضافات والزهري من الكذب والكلام.
هذهِ الأنثى لم تعرف عن الدلال سوى ساعة النصر، كان شعور النصر أجمل ما يحصل بالنسبةِ لها، ونشوة الحق حين يعلو صوتهُ وتقام مراسيمهُ وأمام أعين الجميع تُتلى كلماتهُ هو بهجة أفراحها وساعة عُرسها.

هذهِ هي المرأة العربية التي تتوارى عن أعين الجميع دائماً، لا تغريها الكاميرات ولا المنمق من الكلمات.

إلى تلك التي تحارب كل صباح ومساء في سبيل الأسرة والوطن، تتحدى كل الصعاب ولا تهاب مخاوف هذه الحياة، وتقاوم كل المِحن في كل مكان وتحت كل الظروف، وتصنع المستحيلات دون تردد أو تراجع وخوف، نقول لها ومن أجلها: يعجبنا فيكِ ذاك الشموخ الذي يجعل رؤوسهم ترتفع عالياً للنظر نحوكِ وملاحقة خطوات العَسكر في مسيرتكِ، والانبهار بالملاك القابع في براءة ملامحكِ، وشراسة اللبوة أمام الحق والظلم والنبذ والعداء والكراهية في صفاتك.

تباغتين الظن في أفكارهم، لستِ مبالية بكل سوء الظن المنطلق كشرارة نار من أعينهم، وتكملين خطوات العسكر باتجاه الثكنة العسكرية لتنظيف خرطوش البندقية على أنغام الموسيقى الصوفية.

أنتِ ابنة الأرض الغنية بالثروات، المباركة بدماء شهداء الثورات العربية.

أنتِ تلك التي حملت السلاح والحجارة والنار في أزقة القدس، وركضت تحمل رضيعها في أكثر الليالي ظلمة تحت أضواء القنابل في غزة.

أنتِ تلك التي دفنت أحلامها تحت ركام وحطام الموصل، ونزحت من شمال الوطن لتنجب وطناً آخر.

أنتِ ذاك الحلم الجميل الذي ما زال يحوم حول حَلب يطوف الشام، ويبكي أهلها، ويدعو اللَّه في كل صلاة أن يزهر الحلم وتكون هنالك من جديد فوق هذه الأرض حياة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد