زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجزائر صنعت الحدث والجدل في آن واحد، بين مؤيد لها وشاجب رافض ومنتقد من جهة أخرى؛ لتصبح هذه الزيارة حديث العام والخاص بالفضاء الافتراضي والواقع، بين ناشطين حقوقيين، وصحفيين، وسياسيين ومواطنين، تحولت فيها أغلب الحوارات إلى حلبة صراع للمزايدة بالوطنية وتهم الخيانة والولاء لفرنسا.
المعارضون لزيارة ماكرون أطلقوا حملة ضدها بهاشتاغات، وشعارات، وصور تعود للفترة الاستعمارية، إضافة لتظاهر ناشطين صبيحتها.
أما ما يقابلها على المستوى الرسمي فسياسة الترقيع والتنظيف بالأماكن المبرمجة للزيارة دليل على الترحيب بالوافد الفرنسي مع تواجد مهللين ومطبّلين بموقع الحدث منهم المتواجدون بإرادتهم وآخرون تم استقدامهم، فتلاميذ المدارس الذين حضروا والحافلات المتواجدة تؤكد ذلك.
إلى المنتقدين للزيارة ورافضيها، فمن ناحية دبلوماسية، فالرئيس الفرنسي جاء بدعوة رسمية من نظيره الجزائري، فحضوره لم يكن مفروضاً منه أو محل صدفة.
أما سياسياً واقتصادياً فأي رئيس يقوم بزيارة أي بلد فهدفه تحصيل امتيازات اقتصادية قدر الإمكان لرعاية مصالح بلده مع التشاور وتوضيح وجهات النظر حول قضايا وانشغالات الدولتين الإقليمية والدولية.
كما أن الزيارة تاريخياً ليست أول زيارة لرئيس فرنسي للجزائر منذ الاستقلال، فقد جاءت تباعاً زيارة فاليري جيسكار ديستان في عهد الرئيس هواري بومدين 1975، ثلاث زيارات لفرانسوا ميتران في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد 1981 و1984 و1989، جاك شيراك 2003، نيكولا ساركوزي 2007، فرونسوا هولاند 2012، إيمانويل ماكرون 2017 والزيارات الأخيرة كلها في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وللتنويه فاستقبال كل الرؤساء كان بنفس الطريقة والحفاوة بحضور رسمي قوي وجماهيري بأعداد هائلة أحياناً.
أما للمرحبين والمستقبلين لماكرون بفضول أو لحاجة في أنفسهم فهم أحرار، لكن نذكرهم بأنهم لن ينالوا الفيزا بضربهم الشيتة بالزغاريد والعناق ولمس يده المباركة، فقد رد عليكم بصريح العبارة: "الفيزا ليست مشروع حياة"، والبلد الذي جاء منه بلد قانون لا يشوب قاموسه "الشيتة" والمعريفة".
كما أن تواجد الرئيس الفرنسي بالأماكن العمومية في بلده يعتبر لا حدث، كما كانت هذه الزيارة بوسائل الإعلام الفرنسية خاصة بوفاة أسطورة الروك جوني هواليداي الذي غطى المشهد الإعلامي الفرنسي.
أما الذين تم إيفادهم للتواجد بأماكن الزيارة بإيعاز من المسؤولين فننوّه بأن فرنسا الديمقراطية لا تستقبل أي رئيس أو مسؤول من الجزائر أو بلد آخر بزخم رسمي وجماهيري أو حتى إعلامي، فيكون تواجد المسؤولين محدوداً، وتغطية الحدث عادية، والتواجد الجماهيري منعدماً.
لقد لخّص ماكرون موقفه من قضية الذاكرة التاريخية بعبارتين: "أنا هنا في الجزائر بصفتي صديقاً، وشريكاً بنّاء يرغب في تعزيز الروابط بين بلدين…"، وأيضاً: "لدي نظرة رجل من جيلي، نظرة رئيس تم انتخابه على أساس مشروع انفتاحي، أنا أعرف التاريخ، ولكنني لست رهينَ الماضي، لنا ذاكرة مشتركة، وعلينا إدراك ذلك".
إن الذاكرة التاريخية معروفة للجميع ولطالما أثارت الكثير من التصريحات وأسالت الكثير من الحبر في مواقف تجاذب بين البلدين، لكن مهما تعنّت أي طرف فإن التاريخ لا يرحم باقٍ ولن يمحى، أما عن الحال اليوم فأغلب الشباب الجزائري يحلم بالإقامة في فرنسا أو زيارتها يقابله حنين الفرنسيين للجزائر.
ليت ماكرون يُبرمج زيارة لـ48 ولاية كل شهر حتى نحقق مشروع الجزائر البيضاء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.