منذ عشرات السنين وفرنسا تحاول جاهدة الظهور على أنها الآمِر الناهي في الجزائر، فتراها تحاول نشر الثقافة الفرنسية على الأرض الجزائرية، بحيث تحاول إظهار الجزائر فرنسية، سواء عبر الترغيب أو حتى الترهيب، وهذا كما ثبت من زيارة ماكرون الأخيرة مطلع الشهر الجاري، هذا الأمر لم ينجح رغم كافة الجهود المقدمة سواء كانت علناً أو سرّاً.
هذا ما يبدو واضحاً أيضاً، وبالاعتماد على السرد التاريخي لما يحصل حول الجزائريين، فإن تونس قد خضعت للمد الأوروبي بشكل من الأشكال، المغرب هو بمثابة الوريث غير الشرعي الناتج عن متعة بين الأم الفرنسية التي تجيد عدة لغات، منها الإسبانية، والأب الإفريقي الذي يدين بدين الإسلام قلباً واليهودية قالباً، والذي يجيد العبرية والعربية معاً، لكن الجزائر وبما حوَت بقيت متمردة على السلطان الفرنسي "الكاثوليكي" المتزمت؛ لهذا أصيبت فرنسا بعقدة نفسية رهيبة كما يبدو تسمى: عقدة الجزائر.
على أرض الجزائر أمازيغ يفخرون بنسبهم البربري، وهم يعرفون هذا جيداً، إلى درجة أنهم لا يستحيون بالانتماء إلى مجد "الأجداد"، بل ويطالبون بالاعتراف بحقهم في الوجود كثقافة وحضارة لا تمتد إلى العروبة بصلة ولا إلى الفرنسية بصلات، ولا إلى إفريقيا بأية وصلة من الوصلات، وهذا ما يدبّ حاسة القهر في العقل الفرنسي الخبيث.
بعد فشل فرنسا في جعل الجزائر فرنسية، حاولت جعلها "مستعربة" بمحاولة طمس الأصل الأمازيغي مستعملة حججاً دينية، وهذا ما أدخل الجزائر في حروب دموية بعد الاستقلال، ولم تكتفِ بهذا إذ إنها وضعت السكان الأصليين الذين حاربوا أتباع فرنسا على الأرض الجزائرية حين طالبوا بالحق في العدالة الاجتماعية، مما جعلها توعز لبعض الأغبياء المتفرنسين من الجزائريين بمحاربة الأمازيغ تحت ادعاء أنّ هؤلاء يثيرون الفتن وأنهم يرفضون البقاء تحت سلطان (السيادة) الجزائرية، لكن الأمر لم ينجح لحد الآن، فسكان الأمازيغ رجال حاربوا فرنسا على أرض الجزائر كما لم يفعل غيرهم، وهذا ما يستفز فرنسا فهي لن تنسى أنّ أوّل رصاصة أطلقت ضدها قد خرجت من جبال جرجرة.
تحاول فرنسا كذلك أن تصوّر الغرب في أعين الجزائريين مختزلاً في العالم الفرنسي فقط، وهذا لم ينجح أيضاً، فالشباب الجزائري اليوم يتجاوز اللكنة الفرنسية إلى غيرها من إنكليزية وإسبانية وإيطالية وحتى روسية.
تحاول فرنسا أن تختزل في ضمائر الجزائريين مفهوم الحضارة في نمط الحياة الفرنسية من لباس وعادات، لكن الشباب الجزائري المعاصر فهِم اللعبة جيداً، وها هو ينبذ كل ما هو فرنسي ليهجر الأكل الفرنسي واللباس الفرنسي والعادات الفرنسية، بل إن هذا النمط من الحياة الذي يسمى بالنمط الباريسي صار مستهجناً لدى هذا الشباب الجزائري اليافع؛ لأنه صار يمثل بالنسبة له نوعاً من أنواع التخلف والرداءة، فترى الشاب الجزائري يلبس سروال الهيب هوب، ويستمع إلى موسيقى الجاز أو البوب، ونفسه تهفو إلى النمط الأميركي عبر ما يصله من الشبكات المعلوماتية الحديثة.
كل رهانات فرنسا على الأرض الجزائرية سقطت في مطلع القرن الواحد والعشرين، والدليل هو اجتهاد الإعلام الفرنسي بالتعاون مع الإعلام الجزائري الرسمي في إظهار الاستقبالات الهائلة التي تحتفي بالرؤساء الفرنسيين أثناء زياراتهم للجزائر، ولو تأملت في تلك الصور الساخرة التي ترافق الرؤساء الفرنسيين بين شوارع الجزائر، ستلاحظ أنّ من يهتف بحياة "فرنسا" ما هم سوى قلة قليلة من كبار السن المستفيدين منها، أو بعض الشباب الأميين، لكن الجزائري الذي يفرّق بين أذى النار وأذى السكين، فإنه لن يشارك في تجمعات أو استقبالات كهذه؛ لأنه يدرك أن ماكرون الفرنسي ومشتقاته من ساركوزي وهولاند وشيراك وحتى ديغول ما هم سوى مصاصي دماء اجتهدوا في إفراغ ثلاجة بيته الصغير من أجل صناعة أمجاد لقطاء باريس.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.