الثقافة السياسية للمجتمع المصري

أما شرعية عضوية إسرائيل، فقد سقطت بتخلف إسرائيل عن شروط قبول العضوية، فهي عضوية مشروطة، وما دامت إسرائيل هي الوحيدة التي نشأت بقرار الجمعية، وهي الوحيدة التي قُبلت عضويتها بشروط، فإن الذي بقي لإسرائيل القوة والقهر والإرهاب فهو المذنب الرسمي لدى إسرائيل، فهذا الإرهاب لا يمكن أن يكون أساساً لشرعية دولة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/11 الساعة 02:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/11 الساعة 02:06 بتوقيت غرينتش

هذه السلسلة من المقالات هدفها تبسيط المفاهيم للمجتمع المصري في إطار مشروعنا للرهان على ارتباط مستقبل مصر بالوعي السياسي الصحيح لمجتمعها مقابل رهان الحاكم على تضليل المجتمع وقهره وتغييب عقله لكل أدوات السلطة فينتج وضع شاذ: شعب يقال إنه مصدر السلطات، وحكم يستغل جهله ليستولي على أُذنه فيصبح الشعب كالببغاء؛ فيتلاعب الحاكم بمصيره.

الحلقة الأولى: إطلالة عامة حول الاعتراف بالدولة والحكومة وشرعية إسرائيل

العلوم السياسية تفرق بين الدولة والحكومة وشكل الحكم أو نظم الحكومات والنظم السياسية. وللأسف، لقد تم تداول هذه المصطلحات بطرق تتسم بالجهل والتلفيق المتعمد والعشوائية.

وهدف هذه المقالة ضمن سلسلة من المقالات الأخرى، هو تقديم الثقافة السياسية الصحيحة كما هي في الدول الحقيقية الديمقراطية ومن منظور العلوم السياسية مع إطلالة مناسبة على الواقع المصري؛ حتى لا تنفصل النظرية عن التطبيق.

ذلك أن هذا الواقع قد أفرز الكثير مما جعله منفصلاً تماماً عن أي نظرية، ونسوق مثالاً سريعاً قبل أن ندخل في موضوعنا، حيث يردد المسؤول أن مصر دولة قانونية؛ أي يحكمها قانون ودولة دستورية؛ أي يحكمها دستور، ولكن الواقع هو أن القانون يتم تلفيقه بالذراع التشريعية للسلطة، الجاهزة دائماً لإنتاج ما تريد من قوانين، كما أن الذراع القضائية تحكم بما تريده السلطة دون أي علاقة بين الأوراق والحكم، وصارت النيابة التي تنوب عن المجتمع جزءاً من منظومة التلفيق.

في مثل هذا المناخ، لا نجد أي علاقة بين النظرية والواقع، ولكن هذا الواقع الذي انفصل عن النظرية لا يمكن أن يساعد على إثراء النظرية؛ ولهذا السبب فإن كل الممارسات السياسية والقانونية والتشريعية وغيرها في هذه المرحلة ويلحق بها الفقه المصري من ذاكرة العلم- لا يمكن مطلقاً التعويل عليها.

فالدولة هي الإقليم للشعب والسلطة السياسية الحاكمة، وهذه السلطة -كما الدولة- في مجملها تحتاج أحياناً إلى اعتراف الدول الأخرى بها، وهذا الاعتراف قاصر على التعامل معها، ولكنه لا يكون مصدراً لشرعيتها في حالتي السلطة السياسية والدولة.

والسلطة السياسية هي الحكومة؛ أي إن شكلها وأسلوبها في إدارة السكان أي الشعب وفي إدارة العلاقات الخارجية؛ فلذلك نفصل في العلوم السياسية بين أشكال الحكومات والنظم السياسية، فالدولة التي تحتاح إلى اعتراف دولي هي الدولة الجديدة، سواء نشأت على أرض الغير في إسرائيل أو انفصلت مناطقها وشكّلت دولاً أو اتحدت كدول لتشكّل كياناً جديداً، في كل هذه الأحوال لا بد من الاعتراف الدولي بالدولة.

أما الاعتراف بالحكومة، فلا يكون إلا في حالة الحكومات الانقلابية التي تأتي بغير الطريق الذي رسمه دستور البلاد. وهناك فرق بين الاعتراف الواقعي وحكومة الأمر الواقع والاعتراف القانوني؛ الأول تقتضيه ضروارت التعامل، والثاني اعتراف بعناصر مشروعة وظروف مشروعة تقوم في ظلها الحكومة، فالتغيير في الحكومات لا يتطلب اعترافاً إلا في ظروف محددة، كما ذكرنا.

وأحياناً، يتم الاعتراف بالدولة وحكومتها في وقت واحد مثلما حدث مع إسرائيل ورواندا بعد الحرب الأهلية وسيطرة التوتسي عبى الحكم في يونيو/حزيران 1994، لقد تغيير تركيب سكان الدولة وإن ظلت حدودها وإقليمها ثابتاً، كما تغيّر الحكام وسياستهم وتوجهاتهم، فكان الاعتراف واجباً، وكان الأمر بالنسبة لإسرائيل أشد وجوباً؛ لأنها الدولة الوحيدة في التاريخ التي قامت على قرار من الجمعية العامة يتناقض مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ولم تحترمه إسرائيل.

ولذلك، أعتقد أن اعتراف الدول بإسرائيل خارج قرار التقسيم يعتبر اعترافاً واقعيااً؛ ولذلك فإن هاجس شرعية إسرائيل سيظل يطاردها إلى أن يوافق أصحاب الأرض عليها، فهذا هو السبب في إلحاح إسرائيل على الاعتراف الفلسطيني وكذلك حساسيتها تجاه شرعيتها؛ ذلك أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في التاسع من مايو/أيار 1949 هو القرار الوحيد الذي قبل إسرائيل في عضوية الأمم المتحدة بشروط ثلاثة؛ هي: احترام القرار في الجزء المتعلق بحصة الفلسطينيين الأقل في الأرض وعدم التعرض لهم، والشرط الثاني: احترام حقوق الأقليات غير اليهودية وهي تشير إلى الأقلية العربية التي بقيت بالأرض المخصصة لإسرائيل. أما الشرط الثالث، فهو أن تصْدر إسرائيل دستوراً يحفظ حقوق الأقليات ويؤكد احترامها لقرار التقسيم.

لم تحترم إسرائيل أي شرط من هذه الشروط، وأنما استخدمت حوار التقسيم لغرض واحد؛ وهو مبدأ اعتراف الأمم المتحدة بحق اليهود في فلسطين، وهذا تفسير لا يسنده أي منطق؛ لأن القرار هو الذي أعطى هذا الحق ابتداءً وليس فيه ما يشير إلى أنه يكرس واقعاً تاريخياً بصرف النظر عن الخرافات التاريخية والدينية التي ابتدعها المشروع الصهويني.

ومعنى ذلك أن شرعية وجود إسرائيل تعتمد اعتماداً مطلقاً على قرار التقسيم، وهو قرار انتهكت به الجمعية العامة اختصاصها في ميثاق الأمم المتحدة، فهو قرار باطل، ومع ذلك قبلنا أن يكون هذا القرار أساساً لشرعية قانونية.

أما شرعية عضوية إسرائيل، فقد سقطت بتخلف إسرائيل عن شروط قبول العضوية، فهي عضوية مشروطة، وما دامت إسرائيل هي الوحيدة التي نشأت بقرار الجمعية، وهي الوحيدة التي قُبلت عضويتها بشروط، فإن الذي بقي لإسرائيل القوة والقهر والإرهاب فهو المذنب الرسمي لدى إسرائيل، فهذا الإرهاب لا يمكن أن يكون أساساً لشرعية دولة.

أما اعتراف الحكومة الواجب، فهي الحكومة الانقلابية، وفي تقديري أن جميع الحكومات في إسرائيل كلما حصلت على دعم شعبي كانت أقرب إلى الإرهاب؛ لأن الشعب في إسرائيل يكرس عقيدته الصهيونية؛ لينفرد بالأرض، بالإضافة إلى سياسات الحكومة الإسرائيلية الشعبية التي تحصل على الشعبية بمزيد من دماء الفلسطينيين.

ولذلك، لوحظ أنه قبل أي انتخابات عامة في إسرائيل يتم القيام بمذبحة ضد الفلسطينيين حتى تكون ورقة رهان للحصول على منصب رئيس الوزراء، فكيف يستقيم هذا الواقع مع شروط العضوية بالأمم المتحدة الخمسة في المادة الرابعة ووفقاً للرأي الاستشاري بمحكمة العدل الدولية، وأهم هذه الشروط أن تكون دولة لا عصابة، وأن تكون مسالمة لا أن تقوم على الإرهاب والدماء، وأن تتسق مع أهداف الأمم المتحدة ومبادئها لا أن تكون نظاماً عنصرياً إرهابياً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد