الاعتقال الإداري.. عقاب بلا جريمة

الاعتقال الإداري سياسة قديمة حديثة انتهجتها سلطات الاحتلال الصّهيوني العنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/05 الساعة 01:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/05 الساعة 01:59 بتوقيت غرينتش

الاعتقال الإداري سياسة قديمة حديثة انتهجتها سلطات الاحتلال الصّهيوني العنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين.

وتستند إجراءات الاعتقال الإداري المطبقة في الكيان والأراضي المحتلة إلى المادة (111) من أنظمة الدّفاع لحالة الطوارئ التي فرضها الانتداب البريطاني في سبتمبر/أيلول من العام 1945، ولقد استخدمت سلطات الاحتلال هذه السّياسة وبشكلٍ متصاعد منذ السنوات الأولى لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزّة.

فقد اتخذت سلطات الاحتلال من سياسة الاعتقال الإداري وتجديده سيفاً تسلطه على رقاب المعتقلين، ففي الوقت الذي يعدُّ فيه المعتقل نفسه لانتهاء فترة اعتقاله، والعودة إلى أهله وذويه ومزاولة عمله السّابق أو إكمال تعليمه، تقوم إدارة المعتَقل بتمديد فترة اعتقاله لفترةٍ ثانية تصل أحياناً إلى نحو أربع عشرة مرة متتالية، الأمر الذي يشكل ضغطاً نفسياً على المعتقل وذويه، فغالباً ما يتم تجديد فترة اعتقاله الإداري في يوم انتهاء محكوميته.

وتستغل سلطات الاحتلال المادة (87) من القرار العسكري رقم (378) الصّادر عام 1970، التي تبيح إمكانية تجديد الأمر بالتتابع لفترة ستة شهور؛ حيث نصّت المادة على ما يلي:
(إذا كان قائد المنطقة يدعو إلى الاعتقاد عشية انتهاء مفعول الأمر الصّادر بموجب الفقرة (أ) بأن أسباباً تتعلق بأمن المنطقة، أو سلامة الجمهور ما زالت تستوجب حجب الشخص المعتقل في المعتقل، يجوز له بأمرٍ موقعٍ بإمضائه، أن يأمر من حينٍ إلى آخر بتمديد مفعول أمر الاعتقال الأصلي).

إلا أن الخط البياني للاعتقال الإداري (والحق يقال) سجّل انخفاضاً ملموساً مع مطلع العام 1977 استجابةً للضغوطات الدّاخلية والخارجية؛ حيث تمّ إطلاق سراح آخر معتقل فلسطيني إداري من السجون الإسرائيلية في 2/3/1982، وهو المواطن عوض جمال من سكان مدينة جنين، وذلك بعد إمضائه ست سنوات وتسعة أشهر في الاعتقال الإداري دون أن يوجه له أي تهمة أو يمثل أمام المحكمة، كما صدر بحقه أمر الإقامة الجبرية حتى شهر شباط 1984.

بيد أن سلطات الاحتلال عاودت تطبيق سياسة الاعتقال الإداري بتاريخ 4/8/1988 وذلك ضمن سياسة القبضة الحديدية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع الانتفاضة الفلسطينية في 8/12/1987، صعدت سلطات الاحتلال من استخدام هذه السياسة؛ ليطرأ ارتفاع ملحوظ على عدد المعتقلين الإداريين الفلسطينيين.

أصدرت سلطات الاحتلال الغاشم فيما بعد أوامر عسكرية عدة لتسهيل عملية الاعتقال الإداري، كان منها: القرار 1228 الصادر في تاريخ 17/3/1988 والذي أعطى صلاحية قرار التحويل للاعتقال الإداري لضباط وجنود أقل رتبة من قائد المنطقة، وعلى أثر ذلك، تمّ افتتاح معتقل (أنصار 3) في صحراء النّقب، لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المعتقلين الإداريين.

ولليوم تواصل سلطات الاحتلال العنصرية الطارئة على أرضنا وزماننا سياسة الاعتقال الإداري ضد أهلنا في الأرض المحتلة دون تقديمهم للمحاكمة أو الإفصاح عن التهم الموجهة إليهم، أو حتى السّماح لهم أو لمحاميهم بمعاينة المواد الخاصة في الأدلة، في خرق وقحٍ لبنود القانون الدولي الإنساني، وبذلك يكون الكيان الصهيوني هو الجهة الوحيدة في العالم أجمع التي تمارس هذه السياسة، كيف لا وهو صاحب سجل لا يوازيه أي سجل في مجال انتهاك حقوق الإنسان والبشرية على مر العصور.

وكما عودّنا الاحتلال بذرائعه الواهية هو وإدارات السجون بأنّ المعتقلين الإداريين لهم ملفات سرّية لا يمكن الكشف عنها مطلقاً، فلا يعرف المعتقل المضطهد مدة محكوميته ولا التهمة الموجهة إليه.

وغالباً ما يتعرض المعتقل لتجديد مدة الاعتقال غير مرة لمدة ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو ثمانية وقد تصل أحياناً إلى سنة كاملة، لدرجة أن هناك مَن قضى ما يربو على أربع سنوات رهن الاعتقال الإداري في الكيان الصهيوني، الذي أصمّ آذاننا أنه كما يدّعي ويتشدق في وسائل الإعلام العالمية، الدّيمقراطية الوحيدة في منطقة الشّرق الأوسط.

تركزت عمليات الاعتقال الإداري في صفوف نخبة من المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين من: أطباء، معلمين، محامين، طلبة جامعات، رجال دين، قيادات سياسية وشعبية، ونواب في المجلس التشريعي، ولم تستثنِ سلطات الاحتلال الصّهيوني المرضى وكبار السّن والنّساء وحتى الأطفال دون سن الثّامنة عشرة.

أمّا بالنسبة لأعداد الأسرى الإداريين فهي غير ثابتة، فقد وصل أعلى رقم لهم في عام 1989 (أوج الانتفاضة الفلسطينية الأولى) إلى 1794 أسيراً، وفي المقابل تدنى العدد في شهر أبريل/نيسان لعام 2009 إلى 560 أسيراً، وذلك في أعقاب الخطوات النّضالية التي خاضها الأسرى بشكلٍ عام والأسرى الإداريون بشكلٍ خاص، المتمثلة في خوض سلسلة متواصلة من الإضرابات الطويلة عن الطعام، فردية وجماعية، ورافقتها موجة من الاحتجاجات الرسمية الشّعبية والدّولية خلال عام 2013، وثمرة لهذا النّضال تراجع عدد الأسرى الإداريين في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام 2013 إلى 150 أسيراً (حسب إحصاءات وزارة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين ونادي الأسير الفلسطيني).

لكن منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول/2015 اعتقلت سلطات الاحتلال 647 مواطناً اعتقالاً إدارياً، دون تقديم لائحة اتهام ومن دون محاكمة.

وصدر (1144) أمراً إدارياً منذ بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول ما بين أوامر جديدة وتمديد، إذ مددت محكمة الاحتلال العسكرية في "عوفر" غالبية الأوامر التي صدرت بحقّ الأسرى.

ولا ريب أنّ سلطات الاحتلال وسّعت من نطاق الاعتقال الإداري عقب إيعاز الحكومة الإسرائيلية للجيش بذلك في الشّهر المذكور، في محاولة لفرض العقوبات الجماعية على الفلسطينيين.

ويجدر هنا الإشارة إلى أن خضر عدنان القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، خاض إضراباً عن الطعام لمدة 56 يوماً؛ ليضغط على السلطات الإسرائيلية لكي تفرج عنه وتتعهد بعدم اعتقاله إدارياً، وكان المئات من أبناء مخيم جنين في استقباله حينها وهو يعتبر مفجّر ثورة الاعتقال الإداري.

ويمكث في سجون الاحتلال سبعة صحفيين معتقلين إداريين هم: عمر نزال (مريض)، وعلي العويوي (مريض)، وحسن الصّفدي، ومحمد القدومي، ومالك القاضي (مريض)، وأديب الأطرش، ونضال أبو العكر.

وتبقى زفرات الأسرى المفعمة بنسائم الوطن والإيمان والتحرر تخمد حرائق الحقد والعنصرية وشتائم السّجان، مفتتةً قلاع العدو المحصنةِ بالجهالة والتكبر والتجبر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* المصادر والمراجع:
– الموسوعة الفلسطينيّة، الطبعة الأولى، دمشق، 1984.
– تاريخ فلسطين الحديث، د. عبدالوهاب الكيالي.
– نادي الأسير الفلسطيني.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد