في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة.. تشريع لاغتصابهن في العراق

ففي اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، أفصحت الأمم المتحدة عن أرقام مرعبة ومخيفة، مبينةً أن واحدة من كل ثلاث نساء تعرضن للعنف الجسدي والجنسي، فضلاً عن مظاهر عنف أخرى كإجبارهن على الزواج المبكر، كاشفة عن وجود نحو 750 مليون سيدة متزوجة قبل بلوغهن عامهن الثامن عشر، وهو ما يشكل خطراً على صحتهن ويصادر حقهن في متابعة التعليم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/02 الساعة 03:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/02 الساعة 03:01 بتوقيت غرينتش

رغم الكم الهائل من الأخبار التي ترد يومياً حول أشكال الانتهاكات التي تحدث ضد المدنيين في كل بقاع العالم، فإن تلك التي تخص المرأة والطفولة ما زالت صاحبة الوقع الأكثر شجوناً وتأثيراً لمشاعر الرأي العام.

ففي اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، أفصحت الأمم المتحدة عن أرقام مرعبة ومخيفة، مبينةً أن واحدة من كل ثلاث نساء تعرضن للعنف الجسدي والجنسي، فضلاً عن مظاهر عنف أخرى كإجبارهن على الزواج المبكر، كاشفة عن وجود نحو 750 مليون سيدة متزوجة قبل بلوغهن عامهن الثامن عشر، وهو ما يشكل خطراً على صحتهن ويصادر حقهن في متابعة التعليم.

العراق الذي لطالما استأثر بالصدارة خلال الأربعة عشر عاماً مضت في حصاد معظم إحصائيات الأسوأ من بين دول العالم، اليوم وفي ظل مساعي أحزاب سياسية ودينية تدعو فيه نحو إجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، فهو مرشح قوي لإدراجه مجدداً ضمن قائمة أبشع دول العالم في التعامل مع الحق المدني، خاصة أن مقترح التعديلات المطروحة وُصِف بأنه شرعنة لاغتصاب القاصرات، بحسب بيان عن المرصد العراقي لحقوق الإنسان.

فالقانون ذو الرقم 188 لسنة 1959 الذي تدفع جهات دينية نحو إضافة فقرات فيه وإلغاء أخرى كان قد سُنَّ قبل نحو نصف قرن على أساس المواطنة ويحظر الزواج قبل سن 18 عاماً ويمنع، خصوصاً رجال الدين، من مصادرة حق الأهل بالتوجه إلى محاكم الدولة بعد أن أشرف على وضعه نخبة من القضاة ممن كانوا فوق الميول والتوجهات آنذاك.

والتعديل في المادة العاشرة من القانون على سبيل المثال سيسمح بزواج القاصرات بعمر الـ9 سنوات ويسمح للزوج بتعدد الزوجات بدون إذن الزوجة، كما يسمح له بأخذ الرضيع بعمر السنتين من أمه، أما ما يخص الإرث فحدِّث ولا حرج، فالأمر أشبه بالسرقة في وضح النهار.

الأمم المتحدة وبريطانيا وأميركا عرّابو العملية السياسية في العراق أصابهم الذعر والحرج، وباتوا يطلقون الدعوات الواحدة تلو الأخرى لإلغاء مقترح التعديل فهو فضيحة لمساعيهم، وسيعرّي تجربة الحكم التي تبنوها تحت بند تحرير الشعوب من الأنظمة المستبدة ونشر الديمقراطية، فإذا بنا نعود لأجواء عصور تجارة الرقيق والعبيد، وكأن الأمر جزايا وعطايا للترفيه عن فصائلهم المسلحة التي قاتلت الـ"إرهاب" وزكتها المرجعيات وحان الوقت لتعمدها بدم العذارى من الصبايا، متخذين من قوله تعالى "فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ " حجة على مَن أدّعى.

الأحزاب الساعية لتكريس الحكم الديني وزيادة نفوذها في العراق تستثني وتفسر الآيات القرآنية بحسب ما طاب لها وكيفما شاءت، فهي تغض النظر عن قوله تعالى: "حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ"، والقصد هنا واضح وهو صلاحية كل من الزوج والزوجة للزواج، وتحمل مسؤولياته وتبعاته وباتوا مهيئين للإرشاد والتربية، كما ذهب بعض المفسرين إلى أن البلوغ كما يكون بالعلامات الجسدية فكذلك يجب أن يكون بالسن وفقاً لظروف البيئة، فيما قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: "لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُت"، وهو حديث نبوي مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، ويستدل منه أنه لا بد من أخذ إذن البنت البكر عند الزواج، وهذا يتطلب أن تكون بالغة راشدة، حتى يتسنى أخذ إذنها ومشورتها وهو ما لا ينطبق على من لم تبلغ خمسة عشر عاماً فكيف بالتي تبلغ تسع سنوات.

ورغم الآثار الكارثية وخطورة دعوة التعديل المشؤومة، فإن قلة من المؤسسات والمنظمات التي أعلنت موقفاً واضحاً ورافضاً لهذا الإجراء، ومن صمت منهم فإما خوفاً من ردة فعل انتقامية أو يأس ضناً بأن الأمر سيمرر لا محال عاجلاً أم آجلاً، ومع هذا فقد نظمت تيارات مدنية تظاهرات محدودة ضد القانون الجديد، فيما انفردت هيئة علماء المسلمين في العراق بالتحذير من التعديلات المقترحة، وأكدت أن الناظر على القانون المقدم يرى بوضوح لا لبس فيه أنها محاولة لترسيخ النزعة الطائفية وتمزيق للنسيج الاجتماعي العراقي مبيّنة أن سلوك طرق كهذه لتمرير قوانين وإجراءات وسياقات ذات طبائع خاصة سيخلق واقعاً مضطرباً لا يستفيد منه المواطنون، وسيتسبب بحالة من الإرباك والبلبلة التي لربما ستؤدي إلى نتائج غير محمودة العواقب.

ووسط رغبات كهذه أقل ما يمكن وصفها بأنها رجعية، فمن المؤلم أن نعلم أن المسلمين كان لهم فضل السبق الحضاري في تحديد سن الزواج قبل الغرب بأكثر من مائة وخمسين عاماً تقريباً؛ حيث أقر الفقهاء في منتصف القرن التاسع عشر تحديد سن الزواج بخمسة عشر عاماً في المادة (986) من مدونة الأحكام العدلية التي وضعها الفقهاء إبان الدولة العثمانية، في حين تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في ديسمبر/كانون الأول عام 1979 وأصبحت نافذة المفعول في سبتمبر/أيلول عام 1981، وقررت الاتفاقية حينها القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في الفقرة الثانية من المادة (16) أن لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني.

الظرف الطارئ الذي يعيشه العراق اليوم لا يحتمل مزيداً من الحماقات التي ستكون نتائجها كارثية لا محالة، وكان الأجدر بمن يبحثون عن إشباع نزواتهم ورغباتهم الجنسية بذرائع دينية، إيجاد سُبل لحل الأزمات الراهنة التي باتت تعصف بالمجتمع العراقي وتسير به نحو التآكل والانحلال، خاصة مع توثيق 145 حالة طلاق يومياً، أي ما يعني حالة كل 10 دقائق، فكيف سيكون عليه الحال مع فتاة ستجد نفسها بين ليلة وضحاها من طفلة كانت تمشط شعر دميتها إلى زوجة عليها إرضاء بعلها الأقرع الذي أكل الزمن وشرب من فروة رأسه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد