الصراع الأميركي – الإيراني في العراق

فالولايات المتحدة وحلفاؤها لا يصدقون أن إيران يمكن أن تؤدي دوراً متعاوناً فيما يتعلق بجلب السلام والاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط، وأما إيران وحلفاؤها فإنهم يعتقدون أن الهدف النهائي لأميركا وحلفائها ليس هو تغيير السلوك الإيراني وإنما إنهاء الحرس الثوري وأذرعه في دول الهلال الشيعي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/29 الساعة 08:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/29 الساعة 08:10 بتوقيت غرينتش

تعي الأحزاب العراقيّة جيداً أن منصب رئيس مجلس الوزراء في العراق يمثل تحدياً هائلاً لا يمكن إنجازه دون تضافر جهود الولايات المتحدة مع الدول المجاورة مجتمعة وخاصة إيران، وكما يقال في بغداد، فإن مصير أمن العراق يرتبط "إرتباطاً لا فكاك منه" بمستقبل العلاقة الأميركية – الإيرانية.

وبالمثل، فإذا أخذنا في الاعتبار الصلات الدينية العميقة والروابط الاقتصادية التي تربط أحزاب العراق بإيران، فإن هذه الأخيرة تقف في موقف يؤهلها لأن تلعب دوراً حاسماً في مستقبل العراق، وفي اختيار من يتولى منصب رئاسة الوزراء، ومن الممكن أن تساعد السفارة الأميركية في بغداد الفعالة في جعل هذا الدور الحاسم للنفوذ الإيراني دوراً إيجابياً وليس دوراً سلبياً، فبالرغم من 38 عاماً من الحرب الباردة، فإن الولايات المتحدة وإيران تجمعهما نقطة تقاطع هامة في العراق.

وإذا أخذنا في الاعتبار الحدود المشتركة بين إيران والعراق التي تمتد عبر 1200كم، وأسست إيران أهم أحزاب وفصائل المعارضة الإسلامية العراقية على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، لوجدنا أن إيران وحلفاءها في العراق ليست في وضعية مستقرة بسبب استمرار انعدام الاستقرار والأمن في العراق. ومع هزيمة تنظيم داعش عسكرياً في العراق، فإن إيران تنتظر من بغداد تقديم الشكر لما قدمته من مساندة خاصة لقوات الحشد الشعبي، لعلها تقلل شعور طهران بالمهانة بعد أن نوّهت إدارة ترامب بأنها جزء من "الإرهاب الدولي"، وأن تعاونها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الحد من مشاريعها "النووية" أيام إدارة أوباما قد ذهب هباء منثوراً.

والمراقب يستطيع أن يتوقع القادم من خطوات إيران في عمقها العراقي والسوري، حيث تعمل بجهد على تقويض الدور الأميركي والتحالف الدولي، قد تدفع إيران بحلفائها إلى اتباع أساليب تكتيكية عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية مفيدة نسبياً في الإضرار بمصالح أميركا وحلفائها في العراق.

الولايات المتحدة في العراق بين خيارين؛ إما أن تتعامل مع طهران كشريك كامل و"طرف مسؤول" في العراق، وعند ذلك تضر بمصالح حلفائها في الخليج وتركيا، وإما أن تخلق صراعاً دولياً ميدانه العراق، وهو توجه غالي التكلفة، لكنه يحمل في طياته فوائد هائلة لأميركا وحلفائها ومفاسد كبيرة على العراق وشعبه.

إدارة ترامب اختارت أن تمضي قدماً في التوضيح لطهران أنها لا ترغب في مجرد تحالف تكتيكي معها أو شراكة منعزلة في العراق وسوريا، وإنما ترغب بالأساس في تحجيم حلفائها في دول الهلال الشيعي التي أنفقت إيران مليارات الدولارات على مدى العقود الثلاثة الأخيرة لتأسيسها واستعمالها في المنطقة العربية للمناورة بالوكالة عنها، وبنت علاقة مخابراتية واسعة النطاق مع قادتها.

وإدارة ترامب لا تمتلك الفهم الذي كانت تعمل عليه الإدارات السابقة والتي تعتقد أنه من المهم فهم حجم التأثير الإيراني الكبير في الداخل العراقي والسوري وأيضاً أبعاد ذلك في الصراع العربي – الإسرائيلي والانتشار النووي والإرهاب والنفط والغاز ومياه الخليج، وكذلك الخيوط التي تربط بين كل هذه القضايا، فمن الضروري أيضاً تحجيم أسباب القوة الذاتية الإيرانية قبل تحجيم حلفائها في المنطقة.

وإذا علمنا أن إدارة طهران لحلفائها في دول الهلال الشيعي لا تتولى تنفيذها الحكومة من خلال وزارة الخارجية الإيرانية، وإنما يشرف على تنفيذها جنرالات في الحرس الثوري الإيراني، ولذلك سعى الكونغرس الأميركي إلى إضفاء وصف الكيان الإرهابي على الحرس الثوري الإيراني، وعلى الفصائل العراقية المتعاونة معه، وخاصة العابرة للحدود الوطنية.

وعلى ذلك، فإن المنبع الكامن للتوتر في العلاقة الأميركية – الإيرانية داخل العراق يتمثل في انعدام الثقة.

فالولايات المتحدة وحلفاؤها لا يصدقون أن إيران يمكن أن تؤدي دوراً متعاوناً فيما يتعلق بجلب السلام والاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط، وأما إيران وحلفاؤها فإنهم يعتقدون أن الهدف النهائي لأميركا وحلفائها ليس هو تغيير السلوك الإيراني وإنما إنهاء الحرس الثوري وأذرعه في دول الهلال الشيعي.

وعليه يتعين على الأحزاب العراقية أن تكون على وعي بكل الاحتمالات الممكنة. فالمناقشات البناءة حول انتخابات 2018 يمكن أن يكون لها مردود إيجابي على النزاع على رئاسة الوزراء القادمة، والذي يعد ميداناً من أهم ميادين أزمة الثقة بين أميركا وإيران، والسبب الكامن وراء التوتر القادم في الميدان العراقي.

وإذا كانت الطموحات الإيرانية في تحويل دول الهلال إلى بدر شيعي تعكس إحساساً بانعدام الأمن فيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة وحلفائها، فإن خلق قوى حزبية وفصائلية شيعية تحمل البعد العروبي والنوايا الطيبة في العراق تجاه العرب وأميركا يمكن أن يؤدي إلى إرساء لهجة وسياق جديدين يمثلان أساساً للعلاقة الإيرانية – العراقية، مما يمكن أن يهون من الرؤية الإيرانية للتهديد ويرغم قادة الحرس الثوري على إعادة تقييم جوانب عديدة من سياستهم الخارجية التي من بينها توجهاتهم التوسعية.

فالتعاون بين أميركا والأحزاب الشيعية العراقية ودول الخليج العربي قد يكون في صالح الدول الثلاث، تماماً مثلما كان عداء الأحزاب الشيعية العراقية الموالية لإيران مضراً بمصالح الدول الثلاث أيضاً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد