تستمر بعض الدول الاستعمارية في تفاديها الاعتذار عن الماضي الكولونيالي الاستعماري، في ظل وجود مطالب دائمة بضرورة اعتذارها. والدول أو القوى المقصودة هنا هي تلك التي انتهت من ممارسة الفعل الاستعماري العسكري المباشر، حيث يبدو أن هناك ميثاق شرف يجمع بين الدول الاستعمارية في عدم الاعتذار، يقوم على مبدأ "أن الأبناء والأحفاد لا يمكن أن يعتذروا عما فعله الآباء والأجداد!".
كيف يمكن تفسير أسباب الرفض أو التهرب من الاعتذار أو حتى التباهي علانيةً بالماضي الكولونيالي أحياناً؟ وما أهمية الاعتذار وما يعنيه بالنسبة إلى الأطراف ذات العلاقة؟
فرنسا وبريطانيا: لا اعتذار!
تطالب الجزائر منذ استقلالها عام 1962م باعتذار فرنسي رسمي عن جرائم الاستعمار الفرنسي إبان الثورة الجزائرية، ولم يتم الاعتذار بشكل مباشر من قبل فرنسا حتى اليوم، فمن ساركوزي إلى هولاند تماثلت تصريحات الرئيسين السابقين في التوجه نحو نسيان وطي صفحة الماضي والتركيز على المستقبل دون اعتذار.
والرئيس الفرنسي الحالي ماكرون على الرغم من تصريحاته إبان الحملة الانتخابية الناقدة للماضي الفرنسي الكولونيالي، فإنه لم يقدم بعد تسلمه الحكم وحتى اليوم اعتذاراً رسمياً واضحاً للشعب الجزائري.
بريطانيا من جانب آخر، لم تعتذر للشعب الفلسطيني على وعد بلفور الذي مهّد لإنشاء "إسرائيل" على الأرض الفلسطينية؛ بل تتباهى اليوم وتحتفل به على لسان رئيسة حكومتها، تيريزا ماي، بعد قرن من إطلاقه.
ألمانيا وإيطاليا: نماذج مارست الاعتذار
منذ عام 1952م، وبموجب اتفاقية عرفت باسم لكوسمبورغ، وألمانيا تدفع تعويضات إلى من يُعرفون بضحايا الهولوكست اليهود، كاعتذار رسمي متواصل عن أفعال النازية الألمانية بحق اليهود إبان حكم هتلر.
أما إيطاليا، فمثلت استثناءً مقارنة مع بقية الدول الاستعمارية، حيث اعتذرت في عام 2008م عن حقبة الاستعمار بشكل رسمي على لسان رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني، الذي تعهد بدفع بلاده 5 مليارات دولار تعويضات في شكل استثمارات على مدى 25 عاماً.
بالنسبة للاستثناءات المذكورة، فإن ألمانيا لم يأتِ اعتذارها لليهود من باب تحسين العلاقات فحسب، فقوة الكيان الإسرائيلي المحتل والدعم الأميركي اللامحدود له جعله يستطيع فرض شروطه على ألمانيا.
أما إيطاليا، فيمكن فهم اعتذارها لليبيا انعكاساً لمدى قراءة إيطاليا لحجمها السياسي، إلى جانب حماية مصالحها واستثماراتها في ليبيا.
عدم الاعتذار يعني استمرار الاستعمار
التاريخ لا يمكن أن يطوي صفحاته من تلقاء نفسه، وعليه فإن طي صفحة أي ماضٍ استعماري بحاجة إلى اعتذار سياسي يصاحبه فعل سياسي شجاع يجرّم كل ما من شأنه المسّ بالحقوق الإنسانية والطبيعية.
وبهذا، فإن تفادي فرنسا الاعتذار عن ماضيها الاستعماري وتباهي بريطانيا بوعد بلفور لا يمكن فهمه إلا في إطار عدم الرغبة في التخلص من هذا الإرث الظلامي، حيث ما زالت الشهوات الاستعمارية تسيطر على كل من فرنسا وبريطانيا، سواء في الشرق الأوسط أو القارة الإفريقية.
يمثل عدم الاعتذار ميثاق شرف بين هذه الدول الاستعمارية، وفي المقابل لا يوجد ميثاق من أي نوع بين الدول العربية التي وقع عليها الاستعمار، والتي تشترك في الماضي والمصير نفسيهما، حيث نجد كل دولة عربية تبني وتصوغ سياساتها وفقاً لأجندتها القطرية الخاصة.
ولهذا، فإن الدول العربية لن تنال كلمة واحدة من كلمات الأسف والاعتذار إلا بإبرام ميثاق شرف فيما بينها يقوم على تجريم وملاحقة ومحاربة كل من مارس ويمارس الاستعمار أو أي فعل من شأنه أن يخدم أهداف الاستعمار.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.