لا يمر يوم إلا ونسمع عن قرب اندلاع حرب هنا أو هناك، فجأة أصبح الجميع متعطشاً لسفك مزيد من الدماء، وما زالوا لم يشبعوا من الدماء التي أدمت الحجر، ولم تدمِ قلوب البشر، صار العالم يمشي بسرعة مجنونة نحو مزيد من الحروب والمعارك وقضايا الانفصال في كل مكان.
لم تعد المحبة والوحدة شعاراً مناسباً لما نعيشه اليوم، وصار القتل هواية وينمّ عن قوة، وصارت حمامة السلام عشاء يومياً لتُجّار السلاح الذين يديرون العالم من زاوية خفية.
فمن المستفيد الأكبر من جنون العالم؟ يومياً قتل وإرهاب واغتصاب وتحرش وعناوين أخرى مرادفة، تدفع الجميع دفعاً نحو شراء مزيد من السلاح.
كوريا الشمالية تختبر سلاحاً نووياً جديداً، وصواريخ تطلق في اليمن، وضرب في ليبيا، وانفصال في العراق وإسبانيا، ومليونير أبيض في أميركا يقتل أزيد من خمسين شخصاً لوحده، وانفجار في الصومال، وقتلى للجيش المصري في سيناء، كلها عناوين تضيف المزيد من العروض القائمة حالياً في عالم القوة والغلبة للأقوى والحكم بقانون الغاب.
صارت للكراهية منابر إعلامية ضخمة، وصار القتل على الهوية أو الانتماء عملاً وطنياً لا يشق له غبار، وصار تصنيف البشر طبقات وطبقات جزءاً عادياً من حياتنا اليومية، وصرنا نحن بأنفسنا نُمارس التمييز والإقصاء والتهميش.
شعار عالمنا اليوم: أنا ومن بعدي الطوفان. ولم نعد نقبل أي نقاش من أي نوع كان، لم نعد نرى سوى الصوت الواحد والصورة الواحدة ومن يقول غير ذلك فليس له أن يضع رأسه تحت المقصلة لننفذ فيه الحق في الإعدام.
أين اختفت إنسانيتنا؟ وأين تركنا ماضينا المشرف؟ وهل نحن فعلاً خير أمة أُخرِجت للناس؟ أين هي روحنا الحلوة ونيتنا الصافية؟ وأين هي مبادئنا الأولى؟ هل فقدناها لهذه الدرجة؟
ومَن قال إن الحل لا يأتي إلا بالعنف؟ وأين نحن من حرمة الدم والنفس والمال؟ وكيف أصبحنا ننصب المشانق لبعضنا البعض دون رحمة أو شفقة؟
أين هو الحوار؟ وماذا عن الرحمة والتراحم والعفو عند المقدرة؟ وأين نحن من أخلاق نبي كريم عندما ألقى القبض عمّن آذوه وأهانوه بل قاتلوه بالسيوف وكانوا يعدون العدة لقتله سامحهم وعفا عنهم وأطلق سراحهم؟
أين نحن من ذلك الذي هجره إخوانه وأصحابه وعائلته وقبيلته فطاردوه كالمجرم بعد أن كانوا يسمونه بالصادق الأمين؟ رغم ذلك دوماً حرص على ألا يؤديهم، رغم ما عانته نفسه الشريفة منهم، وكلنا سمع بما حدث لقدمَيه الشريفتين يوم أُدميتا من كثرة المشي من مكة للطائف في مسافة تجاوزت الخمسة وثمانين كيلومتراً بعد وفاة عمه أبي طالب.
أين نحن من ذلك الذي كانوا ينثرون على رأسه التراب، فيدخل لبيته صابراً ليجد ابنته ذات الثلاث عشرة سنة تبكي جراء ما يفعل بأبيها؟ أين نحن من ذلك الذي تعايش مع المنافقين وكل المخالفين على شريعته؟
وأين نحن من قصص أولئك العظماء الذين حفروا أسماءهم في التاريخ بتضحياتهم من أجل السلم والسلام؟ أين نحن مما قدمه نيلسون مانديلا لشعبه في جنوب إفريقيا أو ما قدمه غاندي للهند فقد كانوا دعاة السلام و رسله؟
كيف أصبحنا رعاعاً لم نعد نتحمل حتى من يناقشنا في وجهات نظرنا؟ وكيف صرنا أسرى للعين الواحدة والاتجاه الواحد بغض النظر عن صحته من عدمها؟
فعلاً نحن في عالم مجنون لن ينتهي إلا باندلاع حرب عالمية نووية تعصف بالجميع، وقد تعيد الإنسان -إن تبقى منه شيء- إلى صورته الأولى.