بالأمس كان لي جلسة مع الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) ومع كتاب لمولانا الجليل عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الشريف وحديث عن تلك التهمة التي حاول الشيوعيون وصمها بذلك الصحابي الجليل، هذا الزاهد العابد بقولهم إن أبا ذر الغفاري كان شيوعياً يؤمن بأفكار ماركس رغم أنهما لا يجتمعان مثل الزيت والماء؛ والسماء والأرض.
كان رضي الله عنه نفْساً صافية تمضي على الأرض بروح شفافة، يدعو الناس أن يكونوا مع الفقراء، ماضياً في تنفيذ وصية حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، بحب الفقراء ومجالستهم.
أما ماركس ولينين فكانا يمتلكان في صدريهما وجوارحهما حقد الدنيا كلها على من منحته الأقدار فرصة أكبر في الحياة، وديكتاتورية مقيتة عمياء تسحق كل من يريد أن يكون غنياً؛ لأننا حين نفكر في حيثيات هذا الحقد فإننا سنجد أنهما أرادا فقط الغِنى والأُبهة للّجنة المركزية للحزب، أما الشعب فيجب أن يعيش في فقر مدقع متساوٍ في الطعام والشراب والملبس، وهذا ضد سنن الحياة.. لا طموح تحت راية الزعيم، لا أمل سوى أن نعيش المأساة معاً.
كان لي صديق شيوعي دائماً ما يقول لي إننا نفكر كجماعات وإننا نبحث عن مصلحة الجماهير، ولكن اتضح لنا بعد القراءة في سجل التاريخ أن الجميع ينصهر من أجل الزعيم ومن أجل مجده الشخصي؛ وبالتالي فالمعادلة هي: الشعب = الزعيم.
ومن يقرأ في سيرة ستالين سيعرف أنه حتى لما مات لم يستطع طبيبه الخاص أن يصرح بهذا؛ خوفاً من العقاب، جرّدتهم الشيوعية من الإنسانية، وكذلك لم يبالِ حين عرف أن الشعب الروسي قل عدده في عهده، فصرح قائلاً: "ليست مشكلة ما دامت الراية مرتفعة".
ملايين تموت وليس لها أي قيمة.. بالله عليكم، هل هذا نهج سليم!
ويستعرض المؤلف، فضيلة الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود، في كتابه "أبو ذر الغفاري والشيوعية" عدداً من الفروقات؛ لإزالة هذا اللبس.
ففي البداية، قامت الشيوعية على فكرة شيوعية المال بين أفراد المجتمع، وكان رضي الله عنه زاهداً في الدنيا فقط، وليس معنى الزهد أن تترك المال؛ بل كان من أصدقائه سيدنا عثمان بن عفان وهو بلوينير مسلم وصحابي جليل، ولم يكرهه كما تفعل الشيوعية في مجاذيبها حين يعتنقون أفكارها من كل غني أو برجوازي، كما يقولون إنها علاقة ونظرة للحياة صحية من التعاطي مع الأغنياء والفقراء من تنافي الحقد ما دام الاثنان يؤديان ما عليهما من واجبات وحقوق، مضيفاً أنه قد قامت الشيوعية على الإلحاد وكان رحمه الله مؤمناً.
كما أنه قد قامت الشيوعية على سحق الفرد وآمن -رحمه الله- بالفرد، وأيضاً قامت الشيوعية على المادية وآمن رحمه الله بالروحانية.
ومن باب الزهد حاول الشيوعيين وصمه بتهمة الانتماء إلى تلك الفكرة التي انقرضت مثل الديناصورات؛ لأن مدخل الزهد في نظرهم هو ترك الدنيا، مع أن الرجل كانت له حياته المالية وامتلك من المال، ولكنه كان ينظر للمال كوسيلة يرتقي بها المسلم إلى الجنة، وأحب أن يكون وزن المسلم خفيفاً؛ ليعبر سريعاً على الصراط، ويحكى عنه أنه كان يخزّن مؤونة بيته عاماً ثم يوزع ما تبقى على فقراء المسلمين.
لهذا أسهب كثيراً من الكُتاب اليساريين عن تلك القاعدة التي ينتهجونها "كُلٌّ على قدر حاجته"، متناسين أن قيمة الحاجة مختلفة وليست واحدة كالمسطرة؛ مما أدى في نهاية الأمر إلى خلل كبير في طبقات ورتب المجتمع المتفاوت؛ ومن ثم من الصعب ضمه في قالب واحد صلب ينتهي ويتكسر عنده موهبة الفرد وقيمته، ويوجد في جنبات حياة المسلم معادلة الكون وهي تلك لآية الكريمة "ولا تنسَ نصيبك من الدنيا".
كتاب "أبو ذر الغفاري والشيوعية" كتاب رائع يؤكد المنهج السليم في تعاطي المسلم مع قضية الزهد ووظيفة المال في خدمة المجتمع، وطهرانية المال وليس بشاعته، وهذا هو التوازن الذي يحقق الجودة في الحياة وليس ذلك "الديالكتيك" الذي ينظر فقط للفردوس المفقود بشكل جدلي لا نهائي، بما يؤدي إلى كلام في كلام ليس منطقياً وليس صحيحاً، ليكون في النهاية عبارة عن جُمل براقة سقط في براثنها الكثير .
رحم الله سيدنا أبا ذر الغفاري الزاهد العابد الذي كان نصيراً للفقراء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.