لطالما حارب تنظيم داعش الصحفيين في الموصل، واصفاً خطورتهم بالدرجة (ب) بعد منتسبي القوات الأمنية، وعاش التنظيم مع الصحفيين صراعاً، فأصبحت الصحافة كابوساً يراود التنظيم، فقام بتكليف عدد من عناصره بمطاردة الصحفيين خلسة، واغتيالهم، في محاولة منه لتكميم الأفواه، واستطاع من خلالهم اغتيال عدد من الصحفيين عن طريق زج عناصره في هذا المجال؛ لرصد أسماء وعناوين العاملين فيه، فتحولت الصحافة إلى مهنة خطرة تهدد حياة مَن يعمل فيها، مما اضطر العديد إلى ترك العمل والتفكير جدياً بمغادرة المدينة مع عوائلهم نحو إقليم كردستان أو خارج البلاد، هرباً من استهدافهم المحتمل، كما اضطر البعض الآخر إلى تغيير مكان سكنهم، وملازمة البيت دون مغادرته بعد ازدياد اغتيال الصحفيين في المدينة، خصوصاً بعد انتشار شائعات تفيد بأن تنظيم داعش أصدر قائمة يهدر فيها دم 40 صحفياً، ولم يعلن عن اعتقال أي من المتورطين في عمليات اغتيال الصحفيين.
الجهات الحكومية كان دورها حيال المؤسسات الصحفية والعاملين فيها داخل مدينة الموصل محدوداً في الدفاع عن حقوقهم وحمايتهم.
الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين فرع نينوى، ذكرت في وقت سابق بحسب مراقبين، أن جهودها لا تتعدى سوى إصدار بيانات الشجب والاستنكار عند حدوث اعتداء أو تجاوز على أي صحفي داخل المدينة، بسبب عدم اهتمام الجهات الحكومية المعنية بالأمر، فضلاً عن اغتيال أكثر من 50 صحفياً في نينوى على أيدي مجهولين منذ عام 2003، إضافة إلى سقوط جرحى، وأُصيب آخرون بإعاقات جسدية متفاوتة.
منظمة "مراسلون بلا حدود" أشارت إلى أن العديد من الصحفيين العراقيين يتعرضون يومياً للتهديد ومحاولات الاغتيال والاعتداء والمعاناة من أجل الحصول على تراخيص والمنع من الدخول ومصادرة أدوات عملهم.
وتوضح أن أوضاع الصحفيين في العراق، الذي يشهد أعمال عنف متواصلة منذ سنة 2003، تفاقم الأزمة في البلاد.
الموصل، ثاني كبرى المدن العراقية، تشهد ومنذ قرابة العقد تدهوراً أمنياً في الشهور التي سبقت هجوم تنظيم داعش والسيطرة عليها في يونيو/حزيران سنة 2014؛ حيث ارتفعت معدلات السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريون والعبوات الناسفة، إضافة إلى الاغتيالات، وفي المقابل أقرت لجنة الثقافة في مجلس محافظة نينوى عجزها عن تأمين الحماية اللازمة للصحفيين، بحسب ما ذكرت مصادر مقربة من داخل المجلس.
في يونيو/حزيران الأسود وبعد نجاحه في السيطرة على المدينة استمر التنظيم بملاحقة الصحفيين وزجّهم في سجونه واستفزازهم، في محاولة يائسة لضمهم إلى صفوفه؛ لضمان ديمومة سيطرته على المدينة وبناء دولته المزعومة.
تنظيم داعش وبعد فشله في تحقيق مزاعمه أعاد عمليات اغتيال الصحفيين بتهمة التخابر مع الجهات الأمنية ونقل أخبار التنظيم إلى خارج المدينة، واستمر الصراع بين الطرفين حيث كان للإعلام دورٌ مهم في إسقاط التنظيم وزعزعة صفوفه.
ومع تحشيدات القوات الأمنية على أسوار الموصل استعداداً لمعركة الاستعادة، ومع إعلان القائد العام للقوات المسلحة الدكتور حيدر العبادي في السابع عشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2016 ساعة الصفر، انطلق صحفيو الموصل مع القوات الأمنية لممارسة دورهم المعتاد في نقل أحداث المعركة؛ حيث كان لهم دورٌ مهم في إسقاط التنظيم، وكسر خطوط دفاعاته.
هذا وبعد استعادة المدينة كثّف الصحفيون من نشاطاتهم من أجل إغاثة أهلهم، والمساهمة في إعادة الروح إلى المدينة.
يذكر أن مدينة الموصل كانت الولاية العراقية الثانية بعد بغداد التي شهدت ظهور الصحافة فيها، ففي الخامس والعشرين من يونيو/حزيران عام 1885 صدر العدد الأول من جريدة "الموصل" وهي جريدة مماثلة لجريدة "الزوراء" التي صدرت ببغداد في الخامس عشر من يونيو/حزيران عام 1869.
وخلال العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي صدرت في الموصل صحف عديدة عكست إلى حد كبير موقف الرأي العام الموصلي من القضايا المحلية والعربية والدولية.
كما قدمت الموصل للصحافة العراقية نخباً من الصحفيين الذين أسهموا في إرساء أسس الصحافة العراقية الحديثة من خلال إصدارهم صحفاً متميزة في بغداد، كان لها دورها الفاعل ومواقفها المعروفة على صعيد العمل الصحفي والسياسي والاجتماعي.
وعلى صعيد العمل المحلي، فإن صحافة الموصل في بدايات نشأتها الأولى عرفت تعدداً في أنماطها واتجاهاتها؛ ليصل عدد المؤسسات الصحفية في الموصل إلى أكثر من 70 قبل سيطرة التنظيم على المدينة، هذه المؤسسات سرعان ما عاودت العمل داخل المدينة بعد استعادة أول أحياء أيسر الموصل، وهذا يدل على أن الموصليين يحبون مدينتهم، ويسعون لنقل صورتها الحقيقية إلى العالم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.