عندما تشاهد إحدى حفلات جوائز الأوسكار في أميركا، أو الإعلان عن الفائز بجائزة نوبل، تدرك أهمية التقدير لدى ذلك الغرب الكافر – على رأي أحد شيوخنا – وينتابك شعور بالغيرة ممن حققوا أحلامهم هناك.
هناك في تلك البلدان؛ تقدير المجتهد وتكريمه وإحساسه بما حققه وبما بذله من مجهود هي عبادة كبرى وفريضة لا يتهاونون فيها.
فمهما كان لونه أو جنسه أو دينه فهو يوضع بالصورة بقدر عمله وإنجازه، ولنا في عمدة لندن المسلم أكبر درس وأكبر دليل، ففي زمن الإرهاب الإسلامي العنيف، كما يسميه ترامب وحليفه نتنياهو، اختار البريطانيون المرشح الذي رأوا فيه القدرة على خدمة مصالحهم، بغض النظر عن أصله وفصله.
لم يقل أولئك الكفار المسيحيون الذين سيحرقون في جهنم حرقاً -كما قال مولانا الشيخ- إنه ليس من ملتهم أو دينهم، ولم يسألوه أي شيخ يتبع أو هل يخشع في صلاته أم؟ لا بل الأدهى من هذا كله لم يسألوه عن ماذا يقول دينه في هذه القضية أو تلك، بقدر ما يراعون فيه سهره على خدمة الجميع على نفس قدم المساواة، وهل احترم القانون والتزم بتطبيقه أم أنه يشتغل بنظام الرنات الهاتفية المخفية أرقامها؟
في تلك البلاد لا وجود للوساطة والمحسوبية بقدر ما يمكنك أن تمشي رافعاً رأسك مزهواً بنفسك بعملك وجهدك دون أدنى حاجة لأن تكون ابن فلان أو علان.
أما بالنسبة لنا، فالتكريم لا يؤخذ إلا على المقاس، فحتى لو أعطيت لك الفرصة و كنت مجداً في عملك ومتفانياً فيه حتى الموت، وحدث أن كُرمت حياً، فلن يغفر لك ذنب إذا ما نسيت شكر جميع السادة المسؤولين رغم أنه مجهودك الخاص، ورغم أن ذلك من صميم واجبهم الخاص، فلا بد لك أن تشيد بالدعم اللامقطوع من السيد الوالي، وكذا لا تنسى المجهودات الجبارة للسيد العامل، وكل ما يبذله حضرة السيد القائد ومعالي السيد رئيس الجماعة، وفخامة السيد مدير الأمن، وكذا الدور الذي قام به السيد مدير وحدة الكهرباء، دون نسيان المخازنية (يقصد بهم رجال القوات المساعدة)، ورجال الوقاية المدنية، والسيد مندوب وزارة الأوقاف بمدينتكم الفاضلة.
ويستحسن لك شكر السيد مدير مندوبية الصيد في أعالي البحار وهلم جراً، وبالطبع قبل كل هذا تمسح بالأعتاب الشريفة جيداً، وتعلق بأهدابها، وبرهن على انتهازيتك، عفواً وطنيتك الكبيرة، فلا شيء آخر سيشفع لك لو وجدوك يوماً وأنت مخالف للقانون.
التقدير والامتنان حرفة و صناعة لا يصل إليها إلا من اشتغل مع الناجحين وصنعهم وأعطاهم قبل أن يأخذ منهم.
عندنا لا يكرم الإنسان مهما كان عطاؤه حتى يموت؛ وطن جاحد يستكثر على أبنائه الرفع من قامتهم إلا بعد أن يدفنهم، ويتأكد أن الدود ينخر جسدهم حتى لا يستفيق أحدهم من قبره، ويعود من جديد كإحدى لقطات برامج الكاميرا الخفية.
بالنسبة لنا التكريم لا يعدو رسالة ملكية تتحدث عن ولاء الرجل لوطنه ودفاعه المستميت عن مقدسات الوطن، وتقرير بائس على إحدى القناتين، تختزل معاناة الرجل لعقود من الزمن دون رقيب أو حسيب، وبعد ذلك نعيد بث مجموعة الروبورتاجات التي كان المرحوم يظهر فيها مزهواً بنفسه كنجم حقيقي على غرار عادل إمام، أو توم هانكس، وعيناه شاخصتان مفعمتان بالثقة، ولم يدرك، ولو للحظة، مدى الوهم الذي يعيشه غير متفطن لقهر الزمان وتقلباته.
رحم الله شهداءنا ورجالنا وأبطالنا الأشاوس، ورحم الله مقاومينا الأشداء الذين سقطوا في ساحة الوغى مضحيّن في سبيل وطن مَلْؤُه العزة والكرامة.
رحم الله كل أولئك الذين خرجوا من الباب الضيق دونما أدنى التفاتة أو تكريم، يكفينا شرفاً أنهم مغاربة.
رحم الله الأمير المجاهد عبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي ومهدي بنبركة وبائع السمك محسن فكري وإبراهام السرفاتي ورويشة ومحمد بسطاوي والعربي باطما وعبد المجيد الظلمي وبنزكري والمختار السوسي وبن باديس وحمو الزياني والشيخ ماء العينين وغيرهم الكثير والكثير.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.