لن أتفلسف عليك كثيراً، ولن أخوض في أوهام الخطابات الرسمية، ولن أتحدث لك عن وطن تنميته بالنظر لما يمتلكه -من مقومات ومؤهلات- بطيئة كالسلحفاة ولن أتلو عليك أحد تقارير نشرة أخبارنا، ولن أحدثك عن العناوين العريضة ولا قصة المخططات والاستراتيجيات التي لا تنتهي، الأمر بالنسبة لي وللكثيرين الأمر أبعد ما يكون عن التعقيد بل وأبسط من البساطة نفسها.
لن أتحدث باسم حزب أو حركة أو جماعة، ولن أتلو عليك ما تتحدث عنه أية أيديولوجيا كيفما كانت، ولن أصبغ نفسي بلون فريق، ولن أفتي عليك دروساً من غرب الوطن أو شرقه ولا حتى من شماله أو جنوبه، ولست بمريدي الفرنكوفونية ولا الغارق في القومية والعروبة، ولن أقبل أن أكون ناطقاً رسمياً باسم القصر أو الحكومة ومثل الكثيرين، لا يهمني ماذا يعتقد الذي يحكمني؟ ولا مدى حجم ثروته ولا ما هو شكله أو دينه أو معتقده أو جنسه أو نوعه، وكل ما قد أطلبه كأي شاب في هذا الوطن، ليس سوى عمل شريف كريم يصون الكرامة، ويحفظ ماء الوجه، ويقي الإنسان من إهانة الطلب والسؤال.
جل ما أريده وطن يعطي الحق لجميع أبنائه على أساس أننا كلنا سواسية أمام القانون، وأن يحاسب كل مَن أساء للوطن أو أفسد فيه، وأن يجازى كل مَن رفع عَلَم الوطن عالياً في أي مجال أو تخصص.
نريد وطناً يحنو علينا في أوقات ضعفنا، وننقص من الفوارق الاجتماعية الهائلة التي صارت تتفاقم يوماً وراء يوم.
وطن رحيم بيننا في المستشفيات، فنجد هناك مَن يهتم بنا دونما النظر لمستوانا المادي والطبقي، ونلقى العلاج المناسب بدون بحث في الهوية أو الاسم أو النسب.
نريد سريراً نسعف فيه وغطاء يقينا من برودة الجو وبرودة القلوب.
سيدي المسؤول.. هل قضيت يوماً في أحد مستشفياتنا وأنت تقف على باب الطبيب في المستعجلات؟ حيث الجميع يستعجل نهايته وقدره المحتوم لا أجهزة ولا أسرّة مجرد قاعات فارغة من التجهيزات، ونقص واضح للعيان في الموارد البشرية، طفل يبكي هنا، ورجل يتوجع هناك، وامرأة مغشيّ عليها هنالك.
نريد تعليماً يرقى بنا إلى مصاف الدول، ونحارب كل أشكال الأمية والجهل، وتكون المدرسة العمومية هي الملاذ الأول والأخير لكل أبناء الوطن بفقرائه أو أغنيائه، بعامته أو خاصته، ويكون أبناؤنا مصدر فخر وعزة لوطننا.
نريد وطناً يحفظ لبناتنا ونسائنا حريتهن وكرامتهن، فنعتز بالمرأة، ونكرمها، ونحميها من أي تحرش أو ضعف أو بطش أو استغلال.
سيدي المسؤول.. هل قضيت يوماً في المحكمة وأنت تائه وحائر أي باب ستلج وأي مكان ستجد فيه ملف قريبك المفقود؟ تفتيش في الدخول والخروج، وبيروقراطية لا نهاية لها، وموظف آخر ما يهمه هو عمله.
سيدي المسؤول.. هل بقيت يوماً عالقاً أنت وزوجتك ورضيعك الصغير تنتظر سيارة تاكسي أو حافلة تنقذك من المبيت في الشارع ليلاً، فتغضب على حالك، وتحزن على نفسك وتسب الوطن من أسفله إلى أعلاه؟!
كيف سيكون شعورك وأنت تركب ما يسمى عند المغاربة بتاكسي الحنان؛ نظراً للزحام الكبير فيه، فتجد سيادتك زوجتكم الفاضلة بين أحضان الراكب الآخر.
لا نحلم سوى بوطن يسمح لنا بالتعبير عما يدور في دواخلنا دونما خوف من أي تضييق، أو من زيارة خاطفة لزوَّار الليل، نحلم بدولة قائدها القانون، وسيدها الحق، وزعيمها العدل، وملكة جمالها الحرية، ومغنيها المفضل صوت المساواة، وأعلى رتبة فيها حب الوطن، والولاء له.
فهل ما نطلبه كثير؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.