الحاكم بأمر التطرّف!

بدأت ثورات الربيع العربي كلها بمظاهرات سلمية لم يحمل فيها أحد سلاحاً واحداً.. لكنّ فعل الأنظمة المستبدة التي جعلت جنودها يوجّهون البندقية إلى الشعب السلمي.. هو من زرع السلاح بين صفوف المتظاهرين، وكثيرٌ منهم ظلّ متمسكاً بالسلمية حتى آخر رصاصة في رأسها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/26 الساعة 02:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/26 الساعة 02:45 بتوقيت غرينتش

أصبحت التهمة السائدة في عالمنا الآن على أي دولة أو جهة أو شخص أفعاله غريبة وغير مفهومة بالنسبة للمتَّهِم هي التطرّف.

في عام 1258م – 656هـ اجتاح المغول بقيادة هولاكو بلاد المسلمين، فعاثوا فيها قتلاً وتنكيلاً وحرقاً وفساداً في كل ما يسيطرون عليه، ولم يرحموا صغيراً ولا امرأةً ولا كبيراً ولا شجرة ولا كتاب، وحين سقطت المدن الكبرى الثلاث: بغداد، دمشق، حلب.. أرسل هولاكو رُسلاً يحملون رسالة الاستسلام الواجبة إلى مصر وكان قطز حاكمها، فما كان من قطز إِلَّا أن ذبح رسل المغول وعلَّق جثثهم على أبواب القاهرة.

هذا في عُرف الرسل بشاعة كبيرة.. مهما كانت ظروف الحروب، خاصة أنه لم تسجل حادثة كهذه منذ بدأ الإسلام.. فكان هذا تطرفاً شهد عليه التاريخ الإسلامي، وانتقد كثير من المؤرخين هذا الفعل ومنهم مَن برر هذه الحادثة لشناعة ما ارتكب المغول من فظائع.

تطرف إسلامي بلا شك.. لكن من بدأ بالتطرف؟
بدأت ثورات الربيع العربي كلها بمظاهرات سلمية لم يحمل فيها أحد سلاحاً واحداً.. لكنّ فعل الأنظمة المستبدة التي جعلت جنودها يوجّهون البندقية إلى الشعب السلمي.. هو من زرع السلاح بين صفوف المتظاهرين، وكثيرٌ منهم ظلّ متمسكاً بالسلمية حتى آخر رصاصة في رأسها.

على سبيل المثال لا الحصر.. ما يسميه العالم داعش لم يكن ليدعش إن لم يجد له أراضي خصبة يستطيع أن يبقى فيها ويتمدد كما يحاول، وما أغلب قادة تنظيم الدولة الإسلامية إلا ضُباط صدّام الذين تخرجوا في سجون ما بعد الاحتلال الأميركي 2003م وما أدراك ما كان في تلك السجون.

فالتطرّف هو رد فعل طبيعي لطغيان متطرف، وهي طبيعة يشترك فيها الإنسان والحيوان وحتى الجماد.

فالقاعدة الفيزيائية تقول: "لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه".
ولأن القواعد وُضعت لتُكسر، فما أكثر الأفعال التي تلقى تحملاً وتسامحاً بالإكراه من الشعوب لجورِ الحُكَّام.

لذلك فإن ظهور التطرّف لا يكون عبثاً.. وإنما هو رد فعل قد لا نعرف تحديداً من قام بالتطرف أول مرة.. فنُفاجأ بِردّات الفعل ونسميها تطرفاً.

هذا اتهام شنيع بلا أدلة؛ لأننا لا نبحث غالباً عن الأدلة الأولى ولا نحاول العلاج قبل الحكم، وأكثر ما نجده شائعاً ملازماً للتطرف على لسان الغربيين والمستغربين: التطرّف الإسلامي.

في حين أن الإسلام هذّب هذه الفِطرة الطبيعية حتى في الحروب على من اعتدى.. والتاريخ سجل ذلك لكل من هو منصف فيه وقلّ هؤلاء.. فالتطرف دخيل على المسلمين والإسلام بريء منه.

نهاية.. لا تكن في صفوف الحاكمين بالتطرف قبل أن تبحث عن الأفعال كلها، وتُجرّم الفعل بهذا الحكم، وما رد هذا الفعل إلا نِتاج التطرّف الأول.. فهل كان هولاكو مسلماً؟
كن منصفاً سيدي الحاكم بأمر التطرّف! فكلّها تطرّف.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد