هل استطاع العالم الغربي أن يُصدر مشاكله الاقتصادية إلى دول الشرق الأوسط، كما يقوم الآن بإدارة الآثار الناجمة عن انتشار مواقع التواصل الاجتماعي على حساب وسائل اتصالية أخرى، والتي قد تُمثل المصالح الغربية الكامنة، والتي تدنو من رائعة الأديب الكبير يحيى حقي "قنديل أم هاشم"؟!
أم أن ذلك قد يُعبر بطريقة غير مباشرة عن الميتافيزيقية الخفية لصراع الأجيال، التي تمثلت في أشكال عديدة، منها: انتشار العلوم والمعارف، والثورة الصناعية، وثورة المعلوماتية، وكان لها دور في تحديد الأنماط الثقافية التي يمكن على ضوئها إيجاد الفكر المناسب الذي يتلاءم مع مصالح الأجيال المتعاقبة.
ولذلك نجد أن في الأوساط الإعلامية بدأ يتداول مصطلح "الذباب الإلكتروني" الذي يتقارب إلى حد ما مع مصطلح "الذبابة السقراطية: Socratic Gadfly"، وإن كانت تلك المقاربة تحمل سمات "التضاد المزدوج" لأداء الأدوار الاجتماعية بين القديم والجديد، وبين الشرق والغرب بسبب تعقد وتغاير طبيعة نماذج أنماط التلاقي بينهما، والتي سينجم عنها عدد من الأفكار الرئيسية الوثيقة الصلة بوضع المحددات الاجتماعية والثقافية للجهود الإنسانية القادرة على الاحتفاظ بنفسها بعيداً عن تشرنق ذاتها في منظومة ثقافية أو اجتماعية تتضمن أنماط التفكير ضيقة الأفق والتقليد الاجتماعي.
فإذا كان "الذباب الإلكتروني" يعتبر من أبرز أدوات منصات التواصل الاجتماعي لمواجهة الخصوم، وعمل على اتساع عدد كبير من الحسابات الوهمية على منصات التواصل، وإلحاق الضرر بحسابات الخصوم على منصات التواصل الاجتماعي، فإن ذلك الدور يتقارب مع دور "الذبابة السقراطية" التي تلدغ الجسم الغربي، تلدغه وتراوغه لتستحثه على تأمل ذاته نقديّاً بأن تعرض عليه أفكاراً بديلة راديكالية.
وأوجه التقارب تلك قد تمتلك منهجية التصحيح الذاتي.. فإذا كانت بعض القرى في العالم الثالث غارقة في الظلام، وأخرى أوجدت بديلاً كالطاقة الشمسية كحل مبدئي لإشكالية الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، في حين أن ذلك قد لا يتعارض مع التطور التقني كمجانية استخدام الإنترنت لتلبية احتياجات الشباب في بعض الدول.
ولكنه قد يعبر عن مستوى آخر من التأمل؛ ليثير أسئلة صعبة عن دور السلطة / القوة / والمصلحة، في السعي الدؤوب من أجل فهم متغيرات ذلك الواقع، إذا ما كان يعتمد على ربط أحداث الماضي بالمستقبل، والتي جاءت استجابة أو رد فعل حول الأطر المفاهيمية والافتراضات المسبقة لحالة التغير القيمي في مسارات ذلك التطور أو التغير.
وكانت نتاج سلسلة من الحوارات التي يُمكن اعتبارها وعياً يصادف دعماً قويّاً من الفروض المنهجية والانحيازات الأيديولوجية التي تبنى عليها المشكلات والتحليلات المعرفية، التي قد تعبر عن الخلفية السياسية لهذه الممارسات وفقاً لمساراتها المناسبة.
وها هي ألمانيا الاتحادية تستضيف قمة مجموعة العشرين، التي ستعقد في السابع والثامن من يوليو/تموز عام 2017 في أرض المعارض بمدينة هامبورغ شمالي ألمانيا، التي قد تكون فيه الهيمنة الإمبريالية في حالة تلاقٍ ضمن منظومة ثقافية واقتصادية أخرى، قد تمثل حافزاً للغرب لإجراء استبصار نقدي ذاتي للقوى المؤيدة أو المناهضة لتلك القمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويضع التعاليم البوذية التي تردد صداها في كل أسطر "الأرض اليباب
: The Waste Land"، التي قد تمثل استقصاء تجليات التحول من المجتمعات التقليدية إلى المجتمعات الصناعية في ظل مجموعة من الرؤى والأطر التأويلية للآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن ذلك التحول، الذي قد ينقلنا من المرحلة التي تتمحور حولها أفكار " تي.إس.إليوت" من الثورة الصناعية التي قد تتزامن مع جدالات ونقاشات حيوية حول رهان "تكنولوجي استراتيجي" في المرحلة الراهنة وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية على الدول المتقدمة صناعياً والنامية على حد سواء.
وإن كانت هاتان المرحلتان غلب عليها الطابع التأملي التنظيري، واختلط فيها النقد بالتمجيد، لكنها رسمت آفاقاً مستقبلية جديدة، ولعل ذلك قد يطرح أمثلة عديدة للتأثيرات البيئية نتيجة التغيرات في الظواهر المناخية.
* للتأمل:
• "إذا كنت تظن أن التعليم مُكلف، جرّب الجهل"، ديريك بوك، الرئيس السابق لجامعة هارفارد.
• "ربما لا تزال بلادي من دول العالم الثالث فقط لعدم وجود عالم رابع"، مصطفى محمود.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.