مهدي عاكف.. والناسُ في ذلك قِلَّةٌ

وإنَّ الناس ليذهبون ويجيئون لا يُبقيهم إلَّا ما آمنوا به من فكرٍ وإنْ اختلفتَ معه، وإنَّ الأخلاق والمبادئ لم توهب لإسلاميِّ ويساري؛ إنَّما وُهبت لمَنْ قرَّر أنْ يكون خلوقاً، ثم تحمَّل تبعات قراره!

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/24 الساعة 05:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/24 الساعة 05:05 بتوقيت غرينتش

إنَّ الواحدَ ليُقذَف في هذه الدنيا مُشفَقاً عليه، فلما يشتدُّ عودُه يظنُّ نفسه عنترةَ.. لا يبالي ولا يأبه! حتى إذا ما أقبلت عليه الدنيا بشهواتها ووعدها ووعيدِها ومراياها التي لا تنتهي فإذا به يسَّاقطُ ولو أمام مرآة نفسه، هذا إنْ لم تكسر مرآتَه أحجارُ الخلق، والناسُ في ذلك كثرٌ.. الحياة قاسيةٌ وقاسيةٌ جداً.. نهادِنُها في أحايينَ كثيرة، فمنَّا من تهزمه لذَّةُ المعصية، وللمعصية لذَّةٌ وإنْ كابرنا، ومنَّا من تهزمه ضريبة الطاعة والثبات عليها، وأيُّ ضريبةٍ؟!

ومنَّا من إنْ يأتِه الريح سدَّه وما استراح، ومنَّا من يغالبه اليأسُ فلا يرى على البسيطة ما يستحقُّ كلَّ هذا العنت، وما أكثرهم وإنْ بانوا قلَّة!

ومنَّا منْ يشتري حائطَه الذي يخبِّئُ فيه أباً أو أُماً أو زوجة وأطفالاً صغاراً حتى لا تفجعهم مرارة الفقد ووجع العوز والحاجة، ومنَّا من يجدُ ضالته في رأي وفلسفة تقنِعُه بأنَّه ليس جباناً، فقط لم يظهر بعدُ من يستحقُّ شجاعته، ومنَّا من يقومُ ويقعدُ.. لم يصلْ ولم يبدأ.. والناسُ في ذلك كثرٌ.. وإنَّ التسعينيَّ الذي في الصورة – والذي قضى اليوم – لنحسبُه على مبدأ، وما أعظم أن تكون!

وإنَّ الناس ليذهبون ويجيئون لا يُبقيهم إلَّا ما آمنوا به من فكرٍ وإنْ اختلفتَ معه، وإنَّ الأخلاق والمبادئ لم توهب لإسلاميِّ ويساري؛ إنَّما وُهبت لمَنْ قرَّر أنْ يكون خلوقاً، ثم تحمَّل تبعات قراره!

وإنَّ الدائرة الواحدة لتضمُّ مهدي عاكف وأحمد سيف الإسلام وعبد الوهاب المسيري وكمال خليل وخميس والبقري وكل أولئك الذين عاشوا لفكرة ومبدأ تيمَّن أو توسَّط أو تيسَّر دون تمييز أيديولوجي.. وإنَّ المبدأ ليغني الرجل – وإنْ احتاج – عن زبد الدنيا وزينتها، فيشتاقُ من هو في مثله لزوجة وأولاد وأحفاد وأصحاب وأحباب لكي يخبروه في آخر الرحلة أنه ما قصَّر وما بدّل، ثم يكتم شوقه في زنزانة صغيرة وفاءً لما آمن به من مبدأ.. ثم يكتم.. ثم يكتم حتى يقضي، وإنّ الرجل وغيره من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار فكراً وحياةً ليفعلون ما يُروِّض النفس ويهزِمها، فيشترون بالدنيا ما يبقي لهم آخرةً أو احتراماً أو رضا وسلاماً، والناسُ في ذلك قِلَّةٌ.. والناسُ في ذلك قِلَّةٌ، والناسُ في ذلك قِلَّةٌ!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد