رسالة البطل الأخيرة

الشباب شباب الفكر والروح والإرادة؛ لذا عشت شاباً ومت شاباً أكره المتشائمين والكسالى وضعاف الإرادة، ولا آبه لحُججهم وحساباتهم وموازناتهم، وكانت مصلحة بلادي فوق كل الحسابات؛ لذلك ما تحملني الظالمون ولا الخانعون في صباي ولافي شيخوختي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/24 الساعة 04:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/24 الساعة 04:32 بتوقيت غرينتش

أرسل الأستاذ محمد مهدي عاكف هذه الرسالة الرمزية يوم وفاته إلى الجميع.
بسم الله الرحمن الرحيم
في سبيل الله والوطن.. حاربت الإنكليز وقُدت معسكرات المجاهدين والمتطوعين ضدهم، ليس لكونهم غرباء، بل لكونهم محتلين لبلادي.

وصدحت بكلمة الحق أمام كل سلطان جائر، ليس لأنهم حكام، ولكن لأنهم ظلموا بلادي وحرموها حريتها وخيرها ونهبوها، وجعلوها في ذيل الأمم.

رأيت في الإخوان المسلمين نموذجاً في الثبات والتربية والأخلاق والرجولة والعطاء وحب الوطن، فانضممت إليهم ووجدتهم مثلي يحبون بلادي.

قضيت زهرة شبابي في السجون، وتوقعت أن أسجن لدى الإنكليز الذين حاربتهم وقتلت فلذة أكبادهم، لكن للأسف سجنت في بلادي التي من أجلها ثُرت وجاهدت وحملت السلاح.

حكم قضاة العسكر الفاسدون عليَّ بالإعدام وأعدم ستة من إخواني قبلي كانوا خيرة أبناء هذا الوطن وأكثر الناس حباً ووفاء للبلد، وتوقفت أحكام الإعدام عندي، وأنزلوني من حبل المشنقة، وقال لي سجاني: ستحبس حتى آخر حياتك، فقلت له: بل حتى آخر حياتك أنت إن شاء الله، وقد كان.. مات كل من سجنوني وخرجت من السجن فتياً وشهدت مصارعهم جميعاً.. فلا نامت أعين الجبناء.

عشت بتلقائية وعفوية أقول ما أعتقده، وأفعل ما أقول واثقاً أن قدر الله فوق كل تقديرات البشر، وإرادته فوق كل إرادة، وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.

الشباب شباب الفكر والروح والإرادة؛ لذا عشت شاباً ومت شاباً أكره المتشائمين والكسالى وضعاف الإرادة، ولا آبه لحُججهم وحساباتهم وموازناتهم، وكانت مصلحة بلادي فوق كل الحسابات؛ لذلك ما تحملني الظالمون ولا الخانعون في صباي ولافي شيخوختي.

رفضت استمراري في منصب المرشد العام رغم انطلاقة الفكرة في عهدي وإلحاح الجميع واللائحة تسمح بذلك، لكنني رجل متسق مع نفسي كيف أطالب الحاكم بالتغيير وأبقى في منصبي مدى الحياة؟!

آخر ما قلته لابنتي وهي تبكي بجواري:
أنا موش خايف من الموت أنا خايف على البلد.
قرابة التسعين عاماً عمري قضيت معظمها في جهاد ودعوة وحب بلادي.

منعوا عني حريتي ولم يرحموا شيخوختي فأخذني الله إلى رحمته الواسعة.

أسعدتني دعوات المحبّين للحق وللحرية من الإخوان ومن غير الإخوان، شعرت بصلوات الغائب ترسل رحمات وأنواراً في قبري وبركة وسروراً على روحي وهي تصلني رغم بعد المسافات واختلاف اللغات.

وأخيراً.. إلى أهل بلدي الذين ظلموني، أقول لكم:
آه لو رأيتم هذا العالم الآخر! آه لو رأيتم رحمة الله وغفرانه! آه لو رأيتم ما عند الله من نعيم!

والله لو رأيتم ورأيتم ورأيتم لتركتم الباطل الذي تؤيدون، ولغسلتم أقدام المصلحين والمجاهدين من أبناء وطنكم.
يا ليت قومي يعلمون.. يا ليت قومي يعلمون.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد