العرب والكرد في العراق.. شراكة أم قطيعة؟

أعلنت سلطات الإقليم عن نياتها الاستفتاء على الانفصال، مدفوعةً بسقف التوقعات لدى جمهور واسع في إقليم كردستان يدفع لتبني خيار الانفصال وتحقيق حلم عمره عشرات السنين، وشعرت أربيل أنها تقف على أرضية صلبة اقتصادية وهو سيطرتها على حقول النفط في كركوك التي تختزن نحو 14 مليار برميل نفط بنسبة تقارب 12% من نفط العراق.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/23 الساعة 07:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/23 الساعة 07:59 بتوقيت غرينتش

منذ أسبوعين.. لا يكف (شاهو) الساكن وسط مدينة كركوك العراقية في حي مشترك تسكنه القوميات الثلاث من الكرد والتركمان والعرب عن التساؤل عن مصير جاره العربي (بسام)، إذا ما صوّت إقليم كردستان العراق على الانفصال.

شاهو وبسام ترعرعا منذ 20 عاماً معاً وما زالا صديقين في الجامعة، وربما اختلفا بعض الأحيان حول السياسة والتاريخ في العراق قبل أحداث عام 2003 وبعدها، لكن صداقتهما حالت دون التنازع، فقد منع التوافق الإثني في كركوك من نشوب فرقة طائفية أو تقاتل كالذي شهدته العاصمة بغداد.

شراكة أم قطيعة مستقبلية وتحت أي ظروف؟ يتساءل كثيرون عن مصير المصالح والمشتركات بين العرب والكرد، وبقية الإثنيات والقوميات في العراق، فمنذ مئات السنين تعايشت المكونات العراقية بروابط اجتماعية وثقافية واقتصادية، وإن لم تخلُ من بعض علامات التمايز.

لكن عام 2003 كان إيذاناً بمرحلة جديدة، بدا فيها الشيعة والأكراد على أهبّة الاستعداد لاستثمار انخراطهم بقوة في المشروع الأميركي الجديد في العراق، فقد شكَّلوا أغلبية الأطراف المؤثرة في مؤتمري لندن وأربيل اللذين سبقا غزو البلاد.

مؤتمران رُسمت فيهما خارطة العراق الجديدة وبنيت عليهما بنود الدستور الجديد وتشكلت موازين القوى على الميدان، بينما كان بقية الأطراف على هامش المساومات، وخصوصاً العرب السّنّة، فقد تأثر العرب السّنّة بكونهم عصب القيادة في نظام صدام حسين، ولم يشفع أن معظم محاولات الانقلابات الفاشلة عليه كانت من صنيع أبنائهم.

كُتب الدستور عام 2005 وأقرت فيه الفيدرالية بإلحاح من ساسة الكرد، وهو واقع حال طبيعي لما كان الإقليم الكردي يتمتع به برعاية أميركية عقب حرب الخليج الأولى 1991.

ولأن الأكراد يتهمون النظام السابق بالتغيير الديموغرافي فقد اتفقت الأطراف السياسية على حل الخلافات وما عرف بالمناطق المتنازع عليها بما اصطلح على تسميته بالمادة 140 من الدستور العراقي الجديد.

والمادة 140 مادة قانونية صيغت لحسم مرجعية المناطق المتنازع عليها وبينها محافظة كركوك النفطية، عبر ثلاث خطوات هي: تطبيع الأوضاع، فإحصاء عدد السكان، ثم الاستفتاء على الجهة التي ينوي الأغلبية الانضواء تحت عَلمها، لكن تفاصيل تلك المادة القانونية لم تطبق بسبب اعتراضات الأطراف على بعضها البعض وتدهور الوضع الأمني لسنوات عدة.

كما أن الأكراد أنفسهم واجهوا اتهامات الآخرين بالتغيير الديموغرافي عبر دفع مئات الآلاف من الأكراد للنزوح نحو كركوك على حساب التركمان والعرب، بحسب ما يقول ممثلو تلك الأطراف، فضلاً عن اتهامات بالسيطرة على مناطق عديدة للعرب السّنة والمسيحيين خصوصاً في محافظة نينوى، وصولاً إلى الحدود السورية.

بعد 2003 طالب الأكراد بتقاسم الإدارة مع بغداد بما فيها السيادة والسلطات أيضاً وفقاً لما يعدونه حقوقاً مستحقة نص عليها الدستور، فتسلم التحالف الكردي رئاسة العراق بشخص جلال الطالباني عام 2005 على حساب العرب السنّة رغم أن نسبة السنّة السكانية أكثر بالاتفاق، ورسم التوافق الشيعي الكردي في البرلمان العراقي دور الدولة خارجياً وداخلياً وبضمنها الدستور الذي اعترض عليه معظم العرب السّنّة.

جاء عام 2010 وفازت القائمة العراقي برئاسة إياد علاوي المدعومة من السنّة بالانتخابات على حساب قائمة دول القانون بزعامة نوري المالكي، وكان يفترض أن علاوي سيتسلم رئاسة الوزراء، لكن الضغوط الإيرانية والتوافق الأميركي منح السلطة للمالكي فانتخب مجدداً، ودعمه الأكراد برضا مسعود البارزاني رئيس الإقليم، مقابل وعود بامتيازات وزيادة في الموازنة المالية وتسليح قوات البيشمركة الكردية، والإسراع بتنفيذ خطوات المادة 140.

لكن ذلك التوافق وهذه الشراكة بدأتا بالتفكك مع منتصف ولاية نوري المالكي الثانية؛ إذ تعاظمت شكاوى سلطات الإقليم من نكوص بغداد عن تسديد موازنة الإقليم الكردي وبضمنها قوات البيشمركة، بينما اتهمت بغداد أربيل بعقد اتفاقات نفطية خارج سلطة المركز.

وزاد انفراط عقد التفاهمات مع خروج الاعتصامات العرب السّنّة عام 2013 ضد ما سموه تفرد المالكي وإقصائه للقيادات السياسية السنية، وزاد الطين بلة خسارة الجيش الحكومي لثلاث محافظات عراقية أمام تقدم تنظيم الدولة على الميدان عام 2014، وكان تقدم مقاتلي تنظيم الدولة تهديداً وجودياً للحكومة في بغداد وقد أصبح على مشارفها، كما أنه هدد الإقليم الكردي بسيطرته على بلدتي مخمور والكوير اللتين لا تبعدان عن أربيل أكثر من 45 كم.

تنادت المرجعيات الشيعية للتطوع، وطغت فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني بإنشاء الحشد الشعبي على المشهد السياسي في بغداد واصطبغ العراق بصبغة دينية طائفية أكثر مما سبق.

وساهم تنظيم الدولة بمعطياته الجديدة في إعادة اللُّحمة الشيعية الكردية، ونجح التوافق الإيراني الأميركي في توحيد قوى الطرفين وتسليحهما.

هنا.. جاء حيدر العبادي بصفقة كردية شيعية سُنية رحل فيها المالكي، فمرّت على العراق ثلاث سنوات عصيبة، تزامنت مع انخفاض أسعار النفط التي ألقت بظلالها على ميزانية المركز والإقليم.

انهالت المساعدات على أربيل وبغداد واستغل الإقليم الكردي دعم التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة فتمدد على أجزاء واسعة من محافظتي كركوك ونينوى عقب طرد تنظيم الدولة، وما أن انتهت معركة إخراج التنظيم من نينوى والموصل خصوصاً حتى أدرك الأكراد أن الفرصة باتت مناسبة للجهر بخياراتهم، خصوصاً مع التمدد الكردي في سوريا المجاورة.

أعلنت سلطات الإقليم عن نياتها الاستفتاء على الانفصال، مدفوعةً بسقف التوقعات لدى جمهور واسع في إقليم كردستان يدفع لتبني خيار الانفصال وتحقيق حلم عمره عشرات السنين، وشعرت أربيل أنها تقف على أرضية صلبة اقتصادية وهو سيطرتها على حقول النفط في كركوك التي تختزن نحو 14 مليار برميل نفط بنسبة تقارب 12% من نفط العراق.

صاحَب دعوات الانفصال شكاوى من العرب السنّة والتركمان أولاً؛ إذ إن مناطقهما هي التي تعرضت للقضم وفي بعضها للتدمير من قِبل قوات البيشمركة الكردية، فقد أشارت منظمة آمنستي إلى أن البيشمركة الكردية دمرت وجرفت نحو 140 قرية عربية في نينوى وحدها، ووثقت تقاريرها بصور من الأقمار الصناعية، وهي ذات المعلومات التي تحدث عنها نواب في البرلمان العراقي عن محافظة نينوى من العرب السنّة، فضلاً عن اتهامات بتفرد الأكراد بحكم كركوك المتنوعة قومياً وطائفياً.

ورغم أن نسبة معتبرة من السنّة العرب يعتقد أن للكرد الحق في امتيازات واسعة، بل لا يجد بعضهم غضاضة في انفصال الأكراد أمام تسلّط الشيعة على الحكم في بغداد، وذلك على أمل أن تسنح للسنّة الفرصة في فيدرالية لمحافظاتهم الخمس، لكن ذلك الانفصال لا ينبغي أن يكون على حساب الاستقطاع من مناطقهم، كما يقول ساسة السنّة.

أما حكومة حيدر العبادي فقد رفضت الاستفتاء وما ينتج عنه، استقواء بالرفض الإقليمي والدولي للدولة الكردية، وخصوصاً من تركيا وإيران، فضلاً عن موقف داخلي داعم لها من التحالف الشيعي ومعظم أركان ائتلاف القوى السنية والجبهة التركمانية.

لغاية اللحظة تتمسك حكومتا بغداد وأربيل بالتفسيرات القانونية لما يعتقد كل منهما أنه موافق لتصوراتهما في الدستور، لكن المحكمة الاتحادية قالت كلمتها بأن الدستور لا يتضمن الحق بالانفصال لأي جهة.

وبانتظار القول الفصل ونتيجة الضغوط الإقليمية والدولية على أربيل، فإن خيارات البقاء والتعايش قد تزداد بضعف احتمالات الانفصال والاصطدام، كما يقول المراقبون، وإن غداً لناظره قريب.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد