الشهيد “مهدي عاكف”.. ما قيمة العزاء؟!

إن كان مجرمي الانقلاب يدفنون جثمان "مهدي عاكف" الطاهر في غسق الليل، فإن قلوباً في أنحاء العالم، بداية من ليل أمس وحتى ما شاء الله من صباحات، ستظل تدعو لروحه بالمغفرة والرحمة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/23 الساعة 07:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/23 الساعة 07:50 بتوقيت غرينتش

في مقبل الساعات القادمة، ستقام عزاءات في عدد من دول العالم، مساجد بارزة كبرى سوف تحتوي مصلين يحاولون منح الرجل أكبر قدر ممكن من الحسنات، وهذا هو أجلُّ وأعظم ما يُمكن إهداؤه إلى المجاهد الذي نحسبه شهيداً، ولا نزكّيه على الله تعالى، "محمد مهدي عاكف"، وأغلب ما عداه لا قيمة له.. إن لم يكن من عقل وفعل مدركَين واعيَين وراءهما.

فإن كان مجرمي الانقلاب يدفنون جثمان "مهدي عاكف" الطاهر في غسق الليل، فإن قلوباً في أنحاء العالم، بداية من ليل أمس وحتى ما شاء الله من صباحات، ستظل تدعو لروحه بالمغفرة والرحمة.

غير أن من القوم المحسوبين على الراحل منْ سيستشعرون الذنب أو أكبر بكثير، كما أن فيهم المبررين المُعفين لأنفسهم من جميع التبعات والمسؤوليات، أما أغلبهم -وفيهم السابقون من هؤلاء وهؤلاء- فسيتمادون في قراءة كتاب المِحن والبكائيات وضرورة تقديم الدماء؛ لكي يظل موكب الدعوة في ارتقاء وازدهار.

وفي المنتصف، تغيب الرؤية عن الجميع، ويبقى الظَلمة من كل حدب وصوب يتكاثرون على أهل السنّة والجماعة، ويتداعَون على نحو أخص على الإخوان المسلمين في قلب الأمة العربية الإسلامية.. الكنانة مصر.. فيما المصلحون المَرجوّون من أهلها في شغل عن هذا وذاك، مفتقدين البوصلة الصحيحة لمواجهة أعدائهم.

غداً وبعد غد وبعد بعد غد، سيظل الإخوان المسلمون وحركات إسلامية أخرى في الاحتفاء بجهاد الراحل "عاكف"، خاصة أنه من مواليد يوليو/تموز 1928م، وعايشَ جميع مراحل دعوة الإخوان، وسُجن في جميع عصور الظلمة، خاصة نظام الراحل جمال عبد الناصر، الذي حكم بالإعدام عليه عام 1954م، ليظل في سجونه 20 عاماً، حتى أُفرجَ عنه عام 1974م، ليتزوج الراحل فتاة تصغره بـ20 عاماً، وقد وُلدتْ في أثناء سجنه، رحمه الله.

ثم تولى مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان في يناير/كانون الثاني من عام 2004م ليكون أول مرشد للجماعة في تاريخها يترك المنصب للدكتور "محمد بديع" في عام 2010م، إثر تغيير الراحل مكتب الإرشاد بالكامل، وهو ما استدعى انشقاق الدكتور "محمد حبيب".

مفردات حياة الراحل "مهدي عاكف" تُرضي طموح وغِيرة أولئك الذين يحبُّون أن يرهنوا رِكاب الدعوة إلى الله بشق الجيوب والتباكي على أفعال الظَّلمة مع الاكتفاء بذلك، دون سعي لتغيير الواقع أو حتى فهم للرسالة الإلهية من خلقه -تعالى- للإنسان، وأنه -سبحانه- أراد منه أن يكون خليفة له في الكون يعمّره وينشر الخير في ربوعه، لا يتباكى كل آن وحين على المصير الذي وصل إليه؛ وأنه يبذل كل ما لديه في سبيل الله، ذلك دون أن تفهّم أجيال وشيوخ أن عمارة الأرض لا تتطلب الصدام بالظلمة جميعاً في العالم.. ومن ثم تبديد الجهود في معركة لا طائل من ورائها ولا غنيمة ولا نتيجة إلا تبديد الجهد فيما لا فائدة تُرجى منه.

وفي الجانب الآخر، سيتغنى كارهون للحياة في صورة التيار الإسلامي بما سيسمونه ظلماً وبهتاناً وعدواناً "إرهاب" الراحل "مهدي عاكف"، تقبله الله في الشهداء، وهؤلاء يجسدون ادْعياء البشرية، والإنسانيةُ منهم براء، وهم ليسوا أعوان الظلمة والقتلة؛ بل هم الظلمة والقتلة أنفسهم.

وبين الفريقين، ستبقى سيرة الرجل، الذي ذهب بآلام لا يطيقها البشر، للقاء ربه، خاصة في آخر عمره، وقد بلغ نهاية العقد العاشر (نحو 89 عاماً)، وبقي في مستشفى قصر العيني يتألم ويتوجع أشهراً، محروماً من أُنس الأهل والصحبة والأحباب والولد وهو في هذه السنّ!

ستبقى سيرة الوجع من الرجل رغم تخلِّيه عن كل منصب في الإخوان أو غيرهم إبان علوّ شأن الإخوان في عهد الدكتور "محمد مرسي"، خفف الله عنه وسامحه، ورغم أن الراحل لم يكن من الأساس من الراضين عن الترشح للرئاسة، فإنه تم الزج باسمه في أحداث مكتب الإرشاد عام 2013م، وفور الانقلاب تم القبض عليه والحكم بسجنه 25 عاماً، ظن القاضي أن الرجل سيعيش أعواماً قليلة منها! حتى تم إلغاء الحكم ليبقى الرجل منتظراً الموت.. فيما قال قانون الغابة المصري إنه استئناف.

سيرة ثرية هائلة، مليئة بالكفاح منذ تخرُّجه في كلية التربية الرياضية حتى وفاته مساء الجمعة، وفي الفريقين من الانقلابيين والإخوان قراء لها، كل بحسب إدراكه، وغايته التي يودُّ منها الاستمرار على الطريق نفسه.

أما الحقيقة، فإن الرجل ذهب إلى العدل الذي لا يُظلم لديه أحد.. وليس العزاء فيه؛ بل في الذين لا فائدة من ورائهم إلا إدمان الكلمات الجوفاء، حتى وإن كانت قيّمة، لكنها تُستخدم في غير موضعها.. غداً يقيمون له عزاء واثنين في الخارج، وبعد أيام -وإن كثرت الأيام- يتناسونه ويعودون لخلافاتهم كما كانوا وما يزالون!

ليست المشكلة في وفاة الراحل "مهدي عاكف"، رحمه الله؛ بل في الذين بقوا من ورائه، وفي القادم المُذهل، وفي آخرين بالسجون سيلحقون بالراحل، وفي قسوة الانقلاب وتجرُّؤه على كبار رموز الإخوان قريباً، نسأل الله السلامة.. وفي خسة أعوانه في تناول سيرة الأفاضل.

إن الحل الحقيقي، والترحُّم على الراحل "عاكف" وكل شهيد لا يكون إلا بالبحث عن حل للموقف الحالي في مصر، ولتكن جبهة إخوانية حقيقية، ثالثة أو أولى، لا تهم الأسماء؛ بل حقيقي السعي وراء وقف اللحظة المريرة الحالية، وفق كل السبل المُتاحة، وعلى رأسها استخدام العقل، والتعقل إن غاب الأول، وتقوى الله في النفس قبل الراحلين إلى حيث لا يَظلمون ولا يُظلمون.

فإن القادم أكثر إظلاماً إن استمر الإخوان من الجبهتين على الموقف المتقارب نفسه في المآلات، المُتنازع في بعثرة الجهود وعلو الكلمات، مع استمرار أعدائهم في الكيد لهم لإفنائهم.

اللهم ارحم الراحل "مهدي عاكف" وارحمنا معه.. وسّلم!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد