نعوم تشومسكي كاتب أميركي يساري، يقول: "إن أميركا تقود العالم من حرب إلى حرب"، بينما السعودي السلفي عبد الرحمن السديس إمام الحرم المكي يقول: "أميركا تقود العالم إلى مرافئ السلام"!
وهذا هو دأب علماء السلطان في كل زمان ومكان، مِن الذين باعوا دينهم بدنياهم، فقد كان إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة يقول: "من لم يبالِ ما قال ولا ما قيل له فهو ولد شيطان"، وقال الخلال: "سألت ثعلب النحوي عن السفلة، فقال: الذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل له".
وعندما سئل ابن المبارك: "مَن أئمة الناس؟"، قال: "سفيان وذووه"، قيل له: "مَن سفلة الناس؟"، قال: "من يأكل بدينه"! وذلك لما يفعله كثير من الناس في هذا الزمان، ممن ظاهرهم الالتزام، باتخاذ الدين والعلم والعبادة وسيلة لنيل مكاسب الدنيا الفانية، فكثير منهم ما تعلم العلم الشرعي وما لبس عباءة الصلاح إلا لنيل حطام هذه الفانية.
ألا يعلم هذا السديس أن العلماء ورثة الأنبياء، وما ورّث الأنبياء درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثّوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر.
واعلم أيها السديس، أن مكانة العالِم تكون بثباته على مبدئه، وحرصه على نشر الهدى، وتصدّيه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا ما غدا موقع فتوى، أو مفتي مناسبات، لتسويغ أعمال أولياء نعمته، فصلِّ عليه أربع تكبيرات بلا ركوع ولا سجود!
أيها السديس، كم أبكيت عيوناً وأَسَلْتَ مدامع في بيت الله الحرام، واليوم أبكيت عيوناً وأسلت مدامع وأنت تضفي على أميركا -الشيطان الأكبر- ألقاباً أنت تعلم أنها لا تمت إلى الحقيقة بصلة؛ إرضاء لأولياء نعمتك، اللاهثين خلف ترامب وسياساته المعادية للإسلام والمسلمين!
يا سديس، لقد سجَّل علماؤنا أروع البطولات والمواقف الخالدة في تعاملهم مع الأمراء والحكام الذين خرجوا عن جادة الصواب، وغرَّتهم الحياة الدنيا، فاتبعوا أهواءهم حرصاً على الحكم والسلطان، فانتصب لهم العلماء الربانيون وتصدّوا لهم بالنصح والإرشاد والتذكير بعقاب الله، ولم تأخذهم في الله لومة لائم؛ لذلك قاموا بالواجب خير قيام، وألزموا أنفسهم هدي النبي عليه السلام، فلم يتركوا ظالماً يتعدى حقوق الله، متجبِّراً في الأرض إلَّا وقفوا في وجهه، وقالوا ما يُرضِي ربهم، وإن أسخط الناس عليهم.
وإليك -يا سديس- موقف التابعي الجليل الحسن البصري رضي الله عنه، وكان من الممكن أن يتخذ موقفاً يرضى فيه الحاكم، لكن هيهات.. فعندما ولي عمر بن هبيرة الفزاري العراق، وذلك في أيام يزيد بن عبد الملك، استدعى الحسنَ البصري ومحمد بن سيرين والشعبي، فقال لهم: إن يزيد خليفة الله استخلفه على عباده، وأخذ عليهم الميثاق بطاعته، وأخذ عهداً بالسمع والطاعة، وقد ولّاني ما ترون، فيكتب إليّ بالأمر من أمره، فأنفذ ذلك الأمر، فما ترون؟
فقال ابن سيرين والشعبي قولاً فيه تَقيَّة، قال ابن هبيرة: ما تقول يا حسن؟ فقال: يا ابن هبيرة، خَف الله في يزيد ولا تخف يزيد في الله! إن الله يمنعك من يزيد وإن يزيد لا يمنعك من الله. يا ابن هبيرة، إن تعص الله فإنما جعل الله السلطان ناصراً لدين الله وعباده، فلا تركبَنّ دين الله وعباده لسلطان؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ولكن، عندما يرضى العالِم لنفسه أن يكون بوقاً للظالمين؛ يبرر ظلمهم ويزيِّنه في أعين الناس، يُلبس الحق بالباطل، يقول ما لا يفعل ويفتي بما لا يعلم- فإنه يفقد دوره الريادي القيادي المنوط به، ليصبح من الذين ضلّوا وأضلوا.
اعلم -أيها السديس- أن فساد الحكام أهون من فساد العلماء، كما قال ابن النحاس في "تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين": "إن ترك العلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يترتب عليه فساد كبير عريض"، وفي تعليقه على قول الله تعالى: "لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ"، يقول: "دلَّت الآية على أنَّ تاركَ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عنِ المنكرِ كمُرتكبِه"، إلى أن قال: "وأما في زماننا هذا، فقد قيَّد الطمع ألسن العلماء فسكتوا؛ إذْ لَم تساعد أقوالهم أفعالهم، فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ، فإذا نظَرنا إلى فسادِ الرعية وجدنا سببه فساد الملوك، وإذا نظرْنا إلى فساد الملوك وجدنا سببه فساد العلماء والصالحين، وإذا نظرنا إلى فساد العلماء والصالحين وجدنا سببه ما استولى عليهم من حبِّ المالِ والجاهِ وانتشارِ الصِّيِتِ ونَفَاذِ الكلمة ومداهنة المخلوقين وفساد النيات والأقوال والأفعال!".
أيها السديس، لما قرأت في صلاة المغرب الآية العاشرة من سورة الفتح: "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً"، هل كنت تقصد أن بيعة محمد بن سلمان واجبة، ومن يرفضها فهو آثم، على الرغم من أنها بيعة ظالمة لم تُبنَ على أساس من الشورى والرضا، واليوم تخلع على أميركا أوصافاً جعلتها كالحَمَل الوديع، وأنها تقود العالم إلى مرافئ السلام!
أنسيت -يا سديس- أنها هي التي انتهكت الأعراض وأسالت الدماء فى العراق وأفغانستان، وسلْ سجون الأميركان فى أبو غريب وقاعدة باغرام، وسل غوانتانامو، لعلها تعرّفك بسلام أميركا!
ومن قبلُ دافع عن الانقلابيين في مصر الذين أغلقوا المساجد وقتلوا المسلمين في "رابعة" و"النهضة"، وأغلقوا المعابر في وجه المسلمين في غزة، وغيرها من المواقف المخزية، لا لشيء إلا لأن النظام السعودي دعم الانقلاب وموَّله.
نعوذ بالله من الخذلان .