تيار الحكمة الوطني بين الطموح والواقع

شارك في هذه الندوة ثلاثة من قياديي الصف الأول في التيار هم: الدكتور علي المؤيد، عضو المكتب السياسي، والدكتور صلاح العرباوي، مدير مكتب السيد عمار الحكيم، والسيد فادي الشمري، عضو الهيئة السياسية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/20 الساعة 04:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/20 الساعة 04:07 بتوقيت غرينتش

تلقيت مؤخراً دعوة لحضور ندوة ينظمها تيار الحكمة الوطني بعنوان "متبنيات تيار الحكمة الوطني بين: المبدئية، الوطنية والتجديد".

تم تنظيم هذه الندوة ضمن فعاليات "برلمان الحوار" الذي يشرف عليه الدكتور صفاء الكناني، مدير العلاقات العامة في مكتب السيد عمار الحكيم.

شارك في هذه الندوة ثلاثة من قياديي الصف الأول في التيار هم: الدكتور علي المؤيد، عضو المكتب السياسي، والدكتور صلاح العرباوي، مدير مكتب السيد عمار الحكيم، والسيد فادي الشمري، عضو الهيئة السياسية.

ما يلاحظ على المشاركين صفتان مهمتان: الأولى أنهم شباب مع خبرة سياسية جيدة، والثانية كونهم من المعتدلين سياسياً.

على الرغم من أن لي علاقات طيبة مع بعض الشخصيات الشبابية الناشطة ضمن المجلس الأعلى الإسلامي أو لاحقاً تيار الحكمة الوطني فإن هذه الندوة تعد النشاط الأول الذي أحضره لهذا الكيان السياسي.

عموماً، قد يعني هذا الأمر واحداً من الآتي: عدم إيلاء المجلس أهمية كبرى لشريحة الكفاءات الشابة، أو عدم وجود حافز للتواصل معهم.

وفي كلتا الحالتين قد يشير البعض إلى إدراك مفاده أن المجلس كان يعيش مرحلة من سيطرة بعض القيادات الهرمة التي لا تتيح المجال للشباب، أو تتيح لهم هامش حركة بسيطاً من النشاط المشروط.

وهذا ما لمسته من حديث المشاركين وإفصاحهم المتكرر عن رغبتهم وتأييدهم لعملية الإصلاح الداخلي في المجلس لغرض إفساح المجال أمام الدماء الجديدة التي تكون أقرب لتطورات الشارع العراقي من القيادات الكبيرة في السن.

وبسبب تعنّت الطرفين في توجهاتهما توصل السيد عمار الحكيم إلى قرار مهم أعلن من خلاله عن تأسيس "تيار الحكمة الوطني" في مرحلة سياسية حرجة قد يجدها البعض مغامرةً غير محسوبة العواقب، إلا أنها تحسب لقيادات تيار الحكمة في رغبتهم العارمة في تحدّي طبقة سياسية، سواء من داخل أو خارج المجلس، كان لها دور مباشر أو غير مباشر في الإخفاقات السياسية والأمنية التي عاشها العراق طيلة العقد المنصرم.

تطرق الحوار إلى ثلاثة محاور رئيسية هي: التجديد، والوطنية، والمبدئية.

فيما يخص التجديد تحدث الدكتور صلاح العرباوي إلى عدد من المفردات التي تؤمن بها قيادات التيار ضمن إطار التجديد.

يندرج أهمها ضمن الجدل السائد حول الطريق المنشود لأسلوب التجديد الذي سيسلكه التيار.

هل هو انسلاخ من الماضي أم إعادة إحياء للتراث؟

وللإجابة على هذا السؤال نرى من الأهمية الإشارة إلى الأسباب الداعية للتجديد، ومن أهمها الجهل السياسي سواء على المستوى الشعبي أو النخبوي، فضلاً عن حالة التشرذم السياسي التي تعيشها التجربة السياسية العراقية والتي أدت إلى التصارع والفوضى بدلاً من التعاون والاستقرار.

لذلك فإن التجديد الذي يرنو إليه التيار يذهب باتجاه تحدي الواقع السياسي الحالي، ومحاربة الإخفاقات، ومن أهمها الفساد الإداري والمالي.

فعملية التجديد يجب أن تأخذ أبعاداً مختلفة، من أهمها على مستوى الثقافة السياسية العامة التي تندرج ضمن سلوك الأفراد، الجماعات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية مثل الأحزاب.

وفي هذا البعد يذهب التجديد إلى تحقيق الاعتدال في السلوك السياسي لتحقيق مصلحة الجميع، ولبناء مجتمع عادل يحترم التنوع ويحميه.

كما أن التجديد يجب أن يتحقق أيضاً على مستوى الفواعل، وفي هذا الجانب، يولي التيار أهمية ملحّة للتجديد على مستوى القيادة ومنح الفرصة للكفاءات الشابة للعب دور محوري في العملية السياسية، كما ذهب المتحدثون إلى منح المرأة فرصة أكبر في العملية السياسية من خلال توسيع نشاطها السياسي خارج إطار نسبة 25%.

كما يتطلب التجديد التنويع في الجمهور أيضاً، الأمر الذي يعني أن التيار لن يخاطب فئة محددة بذاتها، بل ستكون أبوابه مفتوحة للجميع، سواءً على مستوى النشاط السياسي أو الجماهيري.

ويقصد هنا أن التيار سيعمل على منح الفرصة للناشطين من مختلف الأديان والقوميات للعب دور محوري في تشكيلته السياسية.

فهل هي محاولة للانسلاخ من ثوب الدين السياسي ولبس العلمانية والمدنية رداءً للمرحلة القادمة؟

أنا شخصياً لا أعتقد ذلك، أي لا أرى أن الفرصة متاحة حالياً لتحقيق هذا الغرض.

الأمر لا يعنى فقط برغبة التيار على تحقيق هذا الهدف الإصلاحي، بل يتعلق أيضاً بالتوجهات السياسية للجماهير التي رأت في تيار الحكمة الوطني حزباً دينياً بحكم شخصية زعيمه وطبيعة خطابه العام.

عموماً حاول الدكتور العرباوي الإجابة على هذا السؤال من خلال تأكيده أن التيار لن ينسلخ من تراثه السياسي المبني على أيديولوجية دينية سياسية، وفي الوقت ذاته لن يكون هذا الإطار هو التنظير الوحيد الذي سيستند عليه التيار في مواقفه السياسية، كما أكد أن "الحوار هو وسيلتنا للتجديد ووطنيتنا تشمل الجميع".

فيما يخص "الوطنية" أكد الدكتور علي المؤيد أن العراق عانى من أزمتين خلال تجربته السياسية منذ 1921: الأولى هي المشاريع الأممية العابرة للحدود مثل الأسلمة والعروبة. وأن الوطن أكبر وأثمن من المواطن بحد ذاته، ويجب على الإسلام السياسي احترام الحدود الوطنية، وعدم الدعوة إلى مشاريع أممية عابرة لهذه الحدود.

والأزمة الثانية هي التنشئة السياسية التي تغلب الانتماء الثانوي على الوطن، ويؤكد أن الحلول تنطلق من دولة المواطنة التي يسودها القانون بعدالة دون تمييز؛ حيث يتيح هذا الحل القدرة على بناء مواطن ذي صبغة وطنية سليمة من خلال ثقافة سياسية معتدلة تهيئ الأرضية المناسبة لبناء الثقة بين مكونات المجتمع العراقي المتنوعة.

ومن هذا المنطلق سيذهب المواطن إلى الانتخابات دون قيود قومية، طائفية أو أيديولوجية؛ لأن هدفه الأسمى هو الوطن، أي الإطار السامي الذي يحمي المصلحة العامة ويوفر الحقوق كاملة وبصورة عادلة للأفراد.

فيما يخص فقرة "المبدئية" شدد القيادي فادي الشمري على أن المبدأ الأول للتيار هو "خدمة الناس"، ولهذا الغرض أسهب الشمري في حديثه عن بقية المبادئ التي تشكل على أساسها هذا التيار، وهي:
– الدولة العصرية العادلة.
– تغليب المصلحة العامة.
– الحفاظ على وحدة العراق ورفض أي محاولات للتقسيم أو الانفصال.
– الخروج من التخندق الطائفي وإعطاء الأولوية لعراق ديمقراطي متعدد المكونات.
– الانفتاح على الجميع من خلال الحوار البناء.
– الاعتدال والتوازن في السلوك السياسي العام للتيار.

من خلال ما تقدم، يمكن الإشارة إلى عدد من الملاحظات:

الأولى: أن الهوية الغالبة للتيار هي "التجديد" إلا أن الآليات لم تكن واضحة في كيفية العمل على خلق البيئة الضرورية لتحقيق هذا التجديد والمضي قدماً في الإصلاح السياسي.

ويبدو أن هذا الأمر طبيعي إذا ما علمنا أن الهيئة ما زالت تعمل على إنجاز برنامج سياسي وطني متكامل قابل للانتقال من مرحلة التنظير إلى التطبيق.

الملاحظة الثانية تنطلق من قناعة مفادها أن المشاركين لم يعطوا المساحة الكافية لتفسير مدى إمكانية عدم الانسلاخ من تراث الإسلام السياسي للمجلس الأعلى.

بعبارة أخرى، هل سيكون التيار حالة وسطية بين الإسلام السياسي والعلمانية السياسية؟ وهذا هو التحدي الأكبر الذي سيواجه التيار، وذلك لصعوبة عملية إقناع الجماهير التي ساندت المجلس الأعلى خلال السنوات الماضية لدعم عملية التجديد التي يتبناها التيار.

الملاحظة الثالثة: لقد أشار المحاضرون إلى الأهمية القصوى التي سيوليها التيار لجهود محاربة الفساد الإداري، الأمر الذي قد يراه البعض محاولة سياسية لتجنب الآثار التي ستتركها ملفات الفساد التي طالت بعض قيادات المجلس الأعلى على فرص التيار في الانتخابات القادمة.

وبهذا فهم يشيرون إلى أن هذه المحاولة لن ترفع المسؤولية عن قيادة التيار التي كانت تتمتع بدور مهم في عملية صنع القرار في المجلس الأعلى.

الملاحظة الرابعة: حملت الطروحات درجة عالية من الحيادية سواء من حيث انتقاد الإخفاقات التي عاشتها التجربة السياسية العراقية بعد 2003، أو من حيث الإشادة بالإنجازات التي تحققت تحت قيادة رئيس الوزراء الحالي السيد حيدر العبادي.

ومن الانتقادات ما يشير إلى أن هذا الخطاب الذي تبنَّاه التيار وما يحمله من "نقد الذات" لا يعفيه من مشاركة المسؤولية عن هذه الإخفاقات.

ختاماً، أود أن أؤكد أن هذا المقال ليس بهدف الترويج لتيار الحكمة الوطني إلا أنه محاولة لإطلاع الجماهير على المبادئ والأهداف التي يؤمن بها التيار، إلا أن أهم ما شدني في الندوة هو حجم الدور المرصود للكفاءات الشابة في الهيئة السياسية للتيار بما يعكس رغبة حقيقية للتغيير والتجديد من أجل مستقبل أفضل للعراق.

نأمل أن تجد هذه الأفكار موطئ قدم في العملية السياسية بصورة عامة وفي السلوك السياسي العام لتيار الحكمة الوطني.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد