في حدث علمي فريد يرتبط بأكثر الكتل الفضائية إثارة للرعب، اكتشف العلماء وجود ثُقب أسود هائل يبلغ حجمه مائة ألف ضعف حجم الشمس مختبئاً في سحابة من الغاز السام السائر قرب مركز مجرّة درب التبانة.
وإذا جرى التأكُّد من صحة هذا الاكتشاف، فإنَّ ذلك الثقب الضخم الخفيّ سيكون ثاني أكبر ثقب أسود شُوهِد في درب التبانة على الإطلاق، ويحلّ في المركز الثاني بعد ثقبٍ أسود فائق الضخامة يُلقّب باسم الرامي أ* "Sagittarius A*" في قلب المجرّة تماماً، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وقد وجد علماء الفلك باليابان أدلّةً على وجود هذا الجسم الجديد عندما وجَّهوا تلسكوباً قوياً موجوداً بصحراء أتاكاما في تشيلي باتجاه سحابة الغاز المذكورة على أمل فهم تحرُّكات غازاتها الغريبة. إذ أنَّه بخلاف الغازات التي تشكل السحب الموجودة بين النجوم، تتحرَّك غازات هذه السحابة -والتي تتضمّن سيانيد الهيدروجين وأول أكسيد الكربون- بسرعاتٍ شديدة التفاوت.
وقد شُوهِد من خلال التلسكوب أنَّ الجزيئات الموجودة بالسحابة بيضاوية الشكل، والتي تبعد 200 مليون سنة ضوئية عن مركز مجرّة درب التبانة ويبلغ قطرها 150 تريليون كيلومتر، يجري جذبها من جانب قوى جاذبية مهولة. وكان السبب الأرجح في حدوث ذلك، وفقاً للنماذج المُصمّمة باستخدام الكمبيوتر، هو وجود ثقب أسود لا يزيد قُطره عن 1.4 تريليون كيلومتر.
وتكوّن الثقب في مجرة "المرآة المسلسلة"، وتمكنت مجرة "درب التبانة" عن طريق قوة جاذبيتها من انتزاع الكائن الكوني الهائل.
وجاذبية أي ثقب أسود تكون في غاية القوة لدرجة أنها تمتص الضوء ذاته.
الفرضيات القائمة تقول إنك إذا اقتربت من الثقب الأسود، فسوف تتمدد وتصبح مثل المعكرونة الرفيعة الطويلة، بمعنى أنه إذا دخلت إلى الثقب الأسود بأقدامك أولاً، فسوف تتعرض أقدامك لجاذبية أكبر بكثير من الجاذبية التي يتعرض لها رأسك، حسبما ورد في تقرير لـ"بي بي سي".
وكلما اقتربت أكثر من الثقب، أدى الفرق في قوة الجاذبية التي يتعرض لها رأسك وأقدامك إلى أن يتضخم رأسك حتى ينفصل عن جسمك. وعلى الفور تقوم هذه الجاذبية المترددة بتحويل كل خلية في جسمك وكل جزيء وكل ذرة إلى أجزاء أصغر.
وتحدثت تقارير إعلامية عن خطر الثقوب السوداء على الأرض مثل ما نسب للباحث الأميركي في عالم الفيزياء الفلكية، فريزير كين، الذي زعم أنه يوجد في الفضاء الخارجي ثقب أسود ضخم الذي يتوجه نحو الكرة الأرضية. بحسب ما نقلت وكالة سبوتنيك الروسية عن صحيفة "روسيسكي ديالوغ".
كيف اكتشفوا هذا الثقب العملاق؟
وقال توموهارو أوكا، وهو عالم فلكٍ بجامعة كيو في مدينة طوكيو، إنَّ شك العلماء بوجود ثقب أسود وسط سحابة الغازات قد ترسَّخ عندما التُقِطت موجات راديو مصدرها منتصف السحابة تشير لوجود ثقب أسود. وقال: "إنَّ هذا أول اكتشافٍ لثُقبٍ أسود محتمل متوسِّط الضخامة في مجرّة درب التبانة".
وتسدُ ما تُسمَّى بالثقوب السوداء متوسِّطة الكتلة ثغرة معرفية تتعلَّق بما يعلمه علماء الفلك عن أكثر الأجسام كثافةً في الكون. وتتكوَّن أصغر الثقوب السوداء عندما تنفجر أنواعٌ محدّدة من النجوم في نهاية عمرها. ووفقاً لحسابات العلماء، فإنَّ مجرَّة درب التبّانة تحوي نحو 100 مليون ثقب أسود كهؤلاء، مع أنَّ 60 منها فقط تمت مشاهدته.
لكنَّ العلماء يعلمون أيضاً أنَّ هناك ثقوباً سوداء فائقة الضخامة توجد في مركز المجرَّات الكبرى، ومنها درب التبانة، حيث يزِن الثقب الأسود المعروف باسم "الرامي أ*" نحو 4 ملايين ضعف كتلة الشمس. لكن ما يظل مجهولاً هو كيفية تكوُّن تلك الثقوب السوداء فائقة الضخامة.
أول ثقب متوسط
وتنص إحدى النظريات على أنَّ الثقوب السوداء الأصغر تندمج سوياً بوتيرةٍ ثابتة، وتكوِّن ثقوباً سوداء أكبر، وتندمج تلك أيضاً بدورها مُكوِّنةً ثقوباً سوداء فائقة الضخامة في مركز المجرّات.
لكن قبل الاكتشاف الأخير، ، لم يعثر على أيّ دليلٍ على وجود الثقوب السوداء متوسّطة الضخامة أو الكتلة.
وبالتالي فإنَّ اكتشاف ثقب أسود محتمل يبلغ وزنه 100 ألف ضعف وزن الشمس هو بالتحديد تلك الخطوة الانتقالية التي سعى العلماء لاكتشافها.
وقال أوكا، الذي نُشِر بحثه في مجلّة Nature Astronomy العلمية المختصّة بعلم الفلك، إنَّ ذلك الثقب الأسود المُكتشَف حديثاً قد يكون مركز مجرةٍ قزمة قديمة تفكَّكت خلال تكوّن مجرّة درب التبانة منذ مليارات الأعوام.
ووصفت بروك سيمونز من جامعة كاليفورنيا بمدينة سان دييغو، والتي لم تكن بين المشاركين في عملية البحث، الدراسة بكونها "عملاً استقصائيّاً متأنّياً".
وقالت بروك: "نحن ندري بالفعل أنَّ الثقوب السوداء الأصغر تتكوَّن عندما تموت بعض النجوم، وهذا يجعل وجودها شائعاً نسبياً. ونظنّ أنَّ تلك الثقوب السوداء الصغيرة هي البذور التي تنشأ منها ثقوب سوداء فائقة الضخامة بمقدار نحو مليون ضعف حجمها على الأقل. وقد يحدث هذا النمو نتيجة الاندماج مع ثقوبٍ سوداء أخرى أو عن ابتلاع كُتلٍ محيطة بالثقب الأسود داخل المجرة".
وأضافت: "ظلَّ علماء الفيزياء الفلكية يجمعون أدلّة رصدٍ على وجود ثقوبٍ سوداء ذات أحجامٍ مقاربة للنجوم أو بالغة الضخامة على حدٍ سواء على مدار عشرات الأعوام، لكن حتى على الرغم من اعتقادنا بأنَّ الثقوب الأكبر حجماً نشأت من ثقوبٍ أصغر، إلّا أنَّنا لم نمتلك يوماً دليلاً واضحاً على وجود ثقبٍ أسود تُمثِّل كتلته وسطاً بين هذين النقيضين".
وكل هذه الاكتشافات تشير للمصير الذي ينتظر الثقب الأسود حديث الاكتشاف. إذ يقول أوكا إنَّه سيُجذَب تجاه الثقب الأسود "الرامي أ*" ويختفي فيه، ما سيجعل الثقب الأسود فائق الضخامة أكثر ضخامة من ذي قبل.