‏ربما هي رائحة جثث جيراني.. واقع صادم يفاجئ الناجين من الموت في الموصل.. ولهذه الأسباب قد لا يعودون إلى منازلهم

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/24 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/24 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش

في حي القليعات بـ"المدينة القديمة"، غربي الموصل العراقية (شمال)، حيث يسود دمار هائل، يقوم الرجل الخمسيني عزت محيي الدين، بإزاحة بعض الأنقاض الخفيفة من أمام منزله، على أمل أن يعود إليه ويبدأ حياة جديدة بعيداً عن الحرب وتنظيم "داعش" الإرهابي.

"المشكلة ليست بهذه الأنقاض أو الخردوات الحديدية فحسب، والتي يمكن إزالتها بسهولة، لكن هناك مشكلة مزعجة"، وفق حديث محيي الدين للأناضول.

تلك المشكلة، بحسب الرجل الخمسيني تتمثل في "الروائح الكريهة المنبعثة من منزل جاري المدمَّر، فلا يمكننا البقاء في المنزل ولو لوقت قصير في ظل تلك الروائح".

رائحة الجثث تؤرقهم

وبعد تنهيدة، أوضح المتحدث: "ربما هي رائحة جثث جيراني، الذين قضيت عدة عقود جاراً لهم، لأنني لم أسمع أي شيء عنهم منذ تحرير المدينة، وربما تكون جثثاً لعناصر داعش الذين قضوا بسبب ضربة جوية مثلاً".

حديث محيي الدين عن رائحة الجثث، يأتي رغم مرور أكثر من 40 يوماً على إعلان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في العاشر من الشهر الماضي، اكتمال استعادة الموصل، مركز محافظة نينوى، من "داعش"، بعد حملة عسكرية، بدأت 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

محيي الدين، ليس وحده الذي يشكو هذه المعضلة، حيث تنبعث الروائح الكريهة من أزقة قديمة فيها آثار دمار، في حي "الشهوانية" المجاور بالمدينة القديمة أيضاً.

فبين ركام مكون من بقايا قضبان حديدية وكتل خرسانية، تقف أم عمر، السيدة الأربعينية في منطقة "حضيرة السادة" بحي "الشهوانية"، وتقول: "لا نعلم من سيقوم برفع هذا الخراب في هذه الأزقة الضيقة".

وأضافت للأناضول: "ربما سيقومون بفتح الأزقة بالآليات الثقيلة، كي يتمكنوا من ذلك، وهذا يعني المزيد من الخراب".

و"المدينة القديمة" هي الأكثر تضرراً بحرب الموصل، نتيجة أزقتها الضيقة التي يتعذر على المركبات العبور فيها، وتلاصق بيوتها القديمة المتداعية، حيث انهارت أكثر من بناية سكنية على رؤوس أصحابها، جراء الضربات الجوية، بحسب مصادر متطابقة تحدثت للأناضول في وقت سابق.

كما أنها كانت آخر معقل يدافع عنه "داعش"، قبل أن يخسره بصورة نهائية في العاشر من الشهر الماضي، ليسدل الستار على حكم التنظيم للمدينة على مدى ثلاث سنوات بالموصل.

ووفق أم عمر، فإن "المشكلة هنا ليست بالأنقاض فقط، فنحن نخشى العبوات الناسفة، كما نخشى من وجود جثث لمدنيين أو لعناصر داعش تحت الأنقاض".

وبينت أن "الروائح باتت مزعجة جداً، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في هذا الصيف القائظ".

وغالباً ما تتجاوز درجات الحرارة، في أغسطس/آب، في مدينة الموصل 45 درجة مئوية.

يشكون من رائحة الموت

ومعلقاً على شكوى عدد من الأهالي من روائح الجثث، قال الناشط المدني الموصلي، إياد حسين الحيالي، إن "العديد من سكان الأحياء القديمة في مدينة الموصل، من العائدين إليها، يشكون من روائح كريهة تفوح من تحت الأنقاض حتى اليوم".

وأضاف للأناضول: "نحن لا نستبعد وجود عشرات الجثث تحت تلك الأنقاض، بعضها يعود لقتلى تنظيم داعش وبعضها يعود لمدنيين"، مشيراً إلى أن "الارتفاع الحاد بدرجات الحرارة أسهم بانتشار الروائح الكريهة".

ولفت الحيالي إلى أن "الأخطار الأخرى التي يواجهها العائدون لمنازلهم بالموصل القديمة تتمثل بالعبوات الناسفة والأجسام غير المنفلقة (غريبة يشتبه بكونها عبوات ناسفة) الموجودة تحت الأنقاض".

من جانبه، قال الطبيب المتخصص في الأمراض التنفسية والمعدية، عزيز فارس السندي، إن "تحلل جثث الموتى في العراء وتحت الأنقاض له أخطار مباشرة وغير مباشرة على صحة الإنسان بشكل خاص، وعلى البيئة بشكل عام".

وفي حديثه للأناضول، أضاف أنه "من المحتمل أن يؤدي عدم معالجة جثث الموتى المكشوفة والمتحللة إلى انتشار أوبئة، قد تتحول إلى مشكلة صحية تصيب المئات وربما أكثر".

ووفق السندي، فإن "أمراض من قبيل الكوليرا، والحمى الوبائية، إضافة إلى أمراض جلدية من أبرزها اللشمانيا قد تصيب الإنسان جراء تعرضه للدغ البعوض أو الذباب، الذي سبق أن تغذى على جثث الموتى المتحللة غير المدفونة، وهذه الأمراض يمكن أن تؤدي لموت الإنسان ما لم يتلق العلاج اللازم".

وأكثر الفئات عرضة للإصابة بالأمراض بسبب الجثث المتحللة غير المدفونة، وفق السندي، هم "الأطفال وكبار السن، بسبب ضعف أجهزة المناعة لديهم".

السندي، دعا الأجهزة المختصة في الدولة إلى "عدم الاكتفاء برفع الجثث من مواقعها، وأن يتم رش المطهرات والمعقمات في أماكن وجودها، مع ضرورة تهوية الغرف التي كانت فيها جثث، والعمل على إيصال أشعة الشمس إليها قدر المستطاع لنحو أسبوع على الأقل".

وفي ظل تضارب التصريحات حول عدد القتلى من المدنيين خلال تلك المعركة، يبقى الرقم الرسمي المعلن هو ما ذكرته خلية الإعلام الحربي، المعنية بإصدار بيانات الحرب ضد "داعش"، في 20 يوليو/تموز الماضي، عندما أفادت بمقتل 1429 مدنياً خلال المعركة.

40 ألفاً قُتلوا في المعارك

وكانت الخلية ترد على تقرير لصحيفة "إندبندنت" البريطانية، نقلت فيه عن وزير الخارجية العراقي السابق، هوشيار زيباري، قوله إن 40 ألف شخص قتلوا خلال المعركة التي استمرت قرابة تسعة أشهر.

ورغم أن التقديرات قبل المعركة كانت تفيد بوجود نحو 7 آلاف مقاتل من "داعش" في الموصل، فقد أعلنت خلية الإعلام الحربي مقتل 30 ألفاً من مسلحي التنظيم خلال الحملة العسكرية.

ويقول ناشطون، إن المصادر الرسمية تتكتم على الحصيلة الحقيقية لهذه الخسائر؛ خشية تأجيج الرأي العام العراقي والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، وإفراغ النصر على تنظيم "داعش" من مضمونه.

وقبل أسابيع، أعلنت وزارة التخطيط العراقية، تدمير نحو 80% من البنى التحتية والخدماتية، إضافة إلى آلاف المنازل، جراء المعارك بين القوات الحكومية و"داعش" في الموصل.

وقدَّرت الوزارة أن جهود إعادة إعمار الموصل والمناطق الأخرى بالبلاد تحتاج 100 مليار دولار أميركي، ضمن خطة تستغرق 10 سنوات.

تحميل المزيد